مصباح قطب يكتب: أسئلة القادة فى الصباح الباكر إلى معاونيهم
لم تنشغل الدراسات السياسية بما يكفى، ببحث طبيعة ونوع ودلالة الأسئلة التى يطرحها قادة الدول ،لدى استيقاظهم ، اوصولهم الى مكاتبهم، على مساعديهم الأقرب ،كل صباح. ومن الواضح أن تلك الأسئلة تتاثر بالاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجيوسياسية العميقة الجذور للدولة، كما تتاثر ايضا بشخصية كل قائد والزوايا التى ينظر منها الى مصالح البلد والشعب ومقتضيات اللحظة الراهنة . من المعروف مثلا أن الرئيس الراحل حسنى مبارك كان يسأل أول ما يستيقظ، او يبدأ العمل، عن احتياطى البلاد من القمح، وصافى احتياطى النقد الأجنبي مع سعر صرف الدولار ، ومنسوب نهر النيل ،وهل حدثت مشاكل طائفية أثناء نومه ام لا. ومن الممكن تصور نوع الأسئلة التى يطرحها قادة آخرون، فالرئيس الامريكى سيسال أول ما يستيقظ : هل ابتكرت الصين اسلحة او صواريخ او تكنولوجيا رقمية جديدة ، وماذا فعل ترامب وانصاره خلال الليل ،ثم ماذا عن هجمات الهاكرز الروس على الانظمة الأمريكية الحساسة ؟. وفى إسرائيل سيسأل رئيس الحكومة عن صادرات إسرائيل من الأسلحة والتكنولوجيا وهل وصلت انباء تفيد وصول أسلحة جديدة سرا الى حزب الله ام لا. وهل تغير نوع “القضايا” التى شغلت العرب خلال نومه .؟
وهكذا.
بالطبع قد ينزل مستوى أسئلة بعص الحكام إلى قيعان غريبة ، خاصة فى أوقات الأزمات العامة او الشخصية، وقد يخفى الحكام ما يريدون فعلا السؤال عنه ،تحت مظلة أسئلة تمويهية أخرى ، لأسباب يقدرونها. ويحدث كثيرا ان تكون إجابات المساعدين جاهزة، فهم بمرور الوقت يخمنون بدقة ما سيسال عنه الحاكم، لكن يحدث ايضا ان تباغتهم الأسئلة، وتثير ارتباكهم ، ويؤدى تاخر اجاباتهم إلى غضب الحاكم، او يكون طرحه هو للاسئلة مصحوب بموجة غضب منه على معاونيه ، وفى كل الحالات فان أسئلة الحاكم، فى الصباح المبكر ، تعبر بدقة عن اهم شواغله ، ساعة يصحو ، وربما يكون قد انشغل بامرها اصلا حتى وهو نائم. ان أصعب اللحظات فى حياة اى حاكم ، هى تلك التى يضطر معاونوه فيها إلى ايقاظه بسبب كارثة كبرى لم يحسب حسابها، او لم يسال عنها من قبل فى صباح او مساء او لا يملك أدوات للتعامل معها، و تكون اللحظة أصعب وأصعب على البلد كلها ، اذا خاف المعاونون من ايقاظه ، جبنا او استخفافا بالمشكلة، بحيث انها تصبح عند استيقاظ الحاكم معضلة عسيرة الحل مرتفة التكاليف على الحاكم والدولة الى حد لا يحتمل. لكل ذلك فان المرء يتصور، ان مصر ستكون فى خطر داهم اذا لم يحتل سؤال رغيف العيش ، موقعه الصحيح، فى يوم الحكام، صباحا (و ظهرا و مساء) ،او خلال نومهم ،دون أن يخل ذلك بالطبع بأسئلة أخرى حيوية عن الحاضر والمستقبل والطموحات الكبري.