“دوائر البهجة”… سورية تدخل “جينيس” بأكبر لوحة “ماندالا”
حطمت الشابة السورية لمى زكريا الرقم القياسي عالمياً بعد إنجازها أكبر لوحة رسمتها بطريقة فن “الماندالا” الهندي، ويعد هذا الإنجاز الجديد من نوعه نتيجة جهد وتعب لعامين متواصلين، بعدما شكلت الـ496 دائرة بمختلف الأقطار، إضافة إلى الزخارف والأنواع والأشكال الهندسية، لوحة زادت على الرقم القياسي المطلوب بفارق 96 دائرة.
وبحسب صاحبة الرقم القياسي الجديد، فإن هدفها لفت النظر إلى هذا الأسلوب الفني، وإسهامه في الراحة النفسية لكل من يشاهده، ونشره في بلادها، بعد أن انطلقت في احتراف “الماندالا” منذ عام 2018 وإلى اليوم.
رقم قياسي جديد
اللوحة العالمية مكونة من ثمانية ألواح من الخشب المضغوط (أم دي أف) بسمك 6 مليمترات، وتحوي دوائر ذات ألوان متناسقة تتراوح بين الألوان الحارة والباردة والقاتمة، حرصاً منها على عدم إحداث أية تشوهات في الوحدة والتوازن قد تؤثر على الناحية الجمالية للعمل، إذ تأخذ إدارة الموسوعة العالمية هذا الأمر في الاعتبار.
تشكل العمل من دوائر مختلفة الأحجام، فأصغر دائرة فيها بقياس 2 سنتيمتر للوصول إلى أكبر دائرة وهي مركز اللوحة، وقطر الدائرة متران كمركز جذب لعين الناظر، علاوة على كونها تحوي جميع الألوان التي تصل إلى 80 درجة، وأبعاد اللوحة كاملة 488 في 488 سنتميتراً.
وتتحدث فنانة “الماندالا” السورية، الطالبة بكلية الهندسة المعمارية في جامعة البعث في مدينة حمص، لـ”اندبندنت عربية” عن فكرة العمل بالقول، “هو عبارة عن دائرة مركزية تمثل الشمس والدوائر المحيطة بها، ويمكن وصفها بالكواكب، بالتالي شكلت الفضاء الخارجي”.
و”الماندالا” كلمة سنسكريتية تعني الدائرة أو الدوائر أو القرص، واستخدمت كلغة طقوسية للديانة الهندوسية والبوذية، لكنها اليوم باتت نمطاً وأسلوب رسم عصرياً يحظى باهتمام واسع، ويرى متابعون للفن التشكيلي أن هذا الأسلوب أقرب للرسم الإسلامي التزييني.
ويلفت الأكاديمي والناقد الفني محمد عمران إلى قدرة الشابة السورية على إنجاز عمل عالمي مميز في زمن قياسي، يقول، “تعلم أساسيات العمل والأداء وإتقان الأسلوب والوصول إلى هذه النتيجة يعد إنجازاً يستحق الإعجاب به، وأنصح بالتركيز على هذا الفن وزيادة فرص تعليمه ونشره في بلدنا، فهو فن حضاري مميز، ويحتاج إلى مراكز تدريب فنية”.
الرحلة مع الدوائر
تسعى فنانة “الماندالا” السورية إلى مواصلة شغفها بالفن القادم من بلاد بعيدة مغرقة في القدم بعد أن وجدت راحة في التأمل، وتحكي عن رحلتها التي بدأت منذ أن كانت في عمر الثامنة عشرة، إذ انتابها إحساس بالارتياح النفسي وخالجتها مشاعر الاحتواء وتلاشى لديها الخوف والإحساس بالضياع لدى مشاهدتها لوحات “الماندالا”، وبات تركيزها الأكبر، مع دخولها الجامعة ودراسة العمارة، على دراسة خطوط هذا الفن وتكوينه، وأردفت، “أقبلت على تعلمه ذاتياً، بواسطة دروس عبر شبكة الإنترنت، وبدأت العمل بأوراق وأقلام وخطوط انسيابية وزخارف حرة”.
لم تخف لمى ما واجهته من صعوبة لكي يصل فن “الماندالا” لكل الناس، لأنه غير معروف في المجتمعات المحلية، وبعد إتقانه توجهت للتخصص بـ”الدوت ماندالا”، وهو فن أصعب، ويحوي جماليات أكثر، لكنه يحتاج إلى دقة أكبر في استخدام الألوان.
ولفتت النظر كذلك إلى وجود كثير من أفرع هذا الفن، منها على سبيل المثال الرسم عن طريق الرمل أو بالورد وغير ذلك، وفي حيها شاركت في معارض عدة نالت استحسان رواد الفن، لا سيما من النسوة اللائي يملن إلى هذا النوع من الفنون، ويبهرهن التنوع الزخرفي والألوان المتناسقة، كما نال إعجاب كل متذوق للفن والجمال.
وعن مستقبلها بعدما حققت هذا الإنجاز العالمي الأخير، تقول، “سأواصل نشر هذا الفن الراقي، وإلقاء محاضرات عنه وتعليمه، وبوسعي توظيفه أيضاً في العمارة، حيث يمكن دمج دراستي للهندسة المعمارية مع (الماندالا) على الرغم من أنه فن وافد وغريب على الرسم التقليدي في بلادنا، لكن الطموح الأول هو التعريف به عربياً”.
إزاء ذلك، تتملك لمى، بعد متابعتها دراسة العمارة، طاقة إيجابية لمتابعة فن الدوائر القادم من بلاد الهند والسند، الغارقة في حضارة قديمة تفوح منها روائح الزهور والتوابل بكل ألوانها، مانحة النفس البهجة والحبور، بينما تسري في الروح حين يطيل المرء النظر إلى زخارف هذا المنتج الفني العريق طمأنينة يقول كل من لديه شغف بـ”الماندالا” إنها تحارب الاكتئاب.