المياه الجوفية في مصر.. خطوات حكومية هامة لتعزيز المخزون الإستراتيجي
تعتبر المياه الجوفية أو المياه الأرضية المصدر الرئيس المغذي والآمن لحاجات الإنسان والحيوان والنبات نظراً إلى ما تشكله من نسبة مئوية مرتفعة قياساً بمصادر المياه الأخرى.
وتبلغ نسبة المياه الجوفية من إجمالي المياه العذبة نحو 30 في المائة من مجمل المياه العذبة الصالحة للاستخدامات بحسب دراسات جيولوجية عدة اتفق عليها العلماء وورد ذكرها في دوريات محكمة عدة حول العالم، وبحسب الرابطة الدولية للمياه فإن تلك النسبة دقيقة، ويضاف إليها نسبة 69 في المائة إضافية من المياه العذبة الصالحة للاستخدام ولكنها محبوسة داخل الأغطية الجليدية القطبية، في حين أن كل ما يمكن استخلاصه من مياه عذبة من مجمل أنهار وبحيرات العالم لا تتخطى نسبته 1 في المائة.
وتعرف المياه الجوفية بأنها النقيضة للمياه السطحية من بحار ومحيطات وبحيرات ومسطحات لا تمثل فيها نسبة العذوبة ما يفي بغرض الاستخدام المأمول، وتلك المياه بخلاف ما هو ظاهر من مسطحات تكون مخزنة في باطن الأرض ضمن أعماق مختلفة يفرضها الحيز الجغرافي المتنوع من الجبال إلى البوادي والصحاري.
وكذلك فإن المياه الجوفية بخلاف المياه السارية في البحار، تجمعت حصيلة أعوام لا حصر لها أحياناً من الأمطار وذوبان الجليد.
أماكن وجود المياه الجوفية
عموماً توجد المياه الجوفية في مسام الصخور الرسوبية العميقة قياساً بسطح الأرض الظاهر، بعضها يكون حديث التشكل، والآخر قد يعود إلى آلاف أو ملايين الأعوام. وبمختلف الأحوال فإن كثيراً منها يجد طريقه للعبور إلى سطح التربة عبر عوامل عدة أبرزها التربة المفككة ذات الفراغات الكبيرة، وهو ما يفسر بروز المياه الجوفية في منطقة دون أخرى، تبعاً للتكوينة الجيولوجية التربوية. وقد تخرج تلك المياه على شكل عيون أو آبار أو ينابيع أو شلالات صغيرة، وبمقتضى الأحوال فإن كثيراً منها يسير في مجار تشبه أنهاراً صغرى، والاختلاف يكون في امتداد سيرها وعمقها ومصدر بدايتها ونهاية جريانها.
الفراعنة والآشوريون أول من عرف المياه الجوفية
عرف الإنسان القديم المياه الجوفية منذ آلاف الأعوام من مشرق الأرض إلى مغربها وفق الحضارات التي عاشت على الأرض، وفي مقدمتها الفراعنة والآشوريون والفينيقيون وغيرهم، وفي نهاية القرن الـ19 حدثت طفرة في معرفة الوصول إلى المياه مع تقدم الأدوات الصناعية الحافرة، وبدأ استغلالها عبر حفر الآبار التي غزت مواطن التحضر.
بطبيعة الحال تختلف أعماق الحفر في الأرض للوصول إلى تلك المياه من بضعة أمتار وحتى مئات الأمتار تبعاً لنوع الاستخدام المراد به من ذلك البئر، مع ملاحظة ارتفاع كلفة الحفر ما بين بئر عادي بمضخات وآبار ارتوازية لا تحتاج إلى أدوات ضخ.
المياه الجوفية في مصر
«المياه الجوفية العميقة في مصر غير متجددة وتستدعي حفر آبار بأعماق فائقة قد تصل إلى كيلومتر، وكلفتها مرتفعة نظير استخدام الطاقة المستخدمة في رفع هذه المياه، والسحب الجائر يتسبب في استنزاف الخزان الجوفي وزيادة ملوحتها»، بتلك العبارة تطرق وزير الموارد المائية والري هاني سويلم لأحد المعوقات المتعلقة باستخراج المياه الجوفية المصرية.
ووجه وزير الري بضرورة إعداد الدراسات الفنية اللازمة لتحديد الأنماط التنموية التي تتناسب مع إمكانات الخزانات الجوفية في مصر، ومراعاة استخدام نظم الري الحديثة الملائمة للبيئة التي توجد بها هذه الخزانات الجوفية.
مصادر المياه الجوفية في مصر
المياه الجوفية هي تلك المخزنة في باطن الأرض ويجري الوصول إليها من خلال حفر الآبار سواء كانت آباراً تقليدية أو عميقة، بواسطة تقنيات متقدمة.
وتعتمد كلفة الحفر ومعدات الاستخراج على عمق المياه الجوفية ونوعية الطبقات الصخرية، وهي تستخلص من مسام الصخور أو التربة وأشهر مصادرها في مصر خزان الحجر الرملي النوبي وهو عابر للحدود يمتد إلى دول ليبيا والسودان وتشاد، وخزان الحجر الجيري المتشقق الموجود حول نهر النيل وشمال الصحراء الغربية ووسط سيناء، إضافة إلى صخور القاعدة المتشققة المرتبطة بسلاسل جبال الأحمر وخزان المغرة في شمال الصحراء الغربية.
وتنظم السلطات المصرية عمليات الحفر والاستخدام من خلال تراخيص صادرة عن الجهات المعنية هدفها ضمان الاستغلال المستدام لهذا المورد المهم وحماية المخزون الجوفي من الاستنزاف والتلوث.
ووفقاً لقانون وزارة الموارد المائية والري لا يمكن حفر أية آبار للمياه الجوفية داخل الأراضي المصرية إلا بترخيص من الوزارة وطبقاً للشروط التي تحددها.
ويحظر على القائمين بحفر الآبار الجوفية من المقاولين والشركات والأفراد التعاقد على حفر أية آبار ما لم تكن حاصلة على ترخيص بذلك من الوزارة، بما لا يتعارض مع القانون رقم 143 لعام 1981 في شأن الأراضي الصحراوية.
أساليب التعدي على المياه الجوفية
وعلى رغم التشريعات الصادرة عن الجهات المعنية بالرقابة على المياه الجوفية في مصر، تزيد عمليات التعدي على مخزون المياه الجوفية.
وأدى الاستغلال الجائر للمياه الجوفية إلى انخفاض حاد لمناسيب المياه الجوفية، وأحياناً يتسبب في صعوبة استخراج المياه من باطن الأرض، وزيادة درجة ملوحة المياه إلى مستويات تؤدي إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية.
حجم المياه الجوفية
ووفقاً لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بلغت كمية المياه الجوفية العميقة والسطحية في مصر 8.83 مليار متر مكعب بنسبة مساهمة 10.9 في المائة من إجمال الموارد المائية المتاحة عام 2022، مقابل 10.85 مليار متر مكعب بنسبة مساهمة بلغت 13.3 في المائة من إجمال الموارد المائية المتاحة عام 2021.
وبحسب كبير خبراء المياه بالأمم المتحدة أحمد دياب، فإن مصر تمتلك مياهاً جوفية عابرة للحدود وأخرى غير عابرة للحدود، مشيراً إلى اختلاف أنواع المياه الجوفية في مصر بين العذبة والمالحة، ومعظم المياه المالحة قرب البحار أو موجودة على أعماق سحيقة مرتبطة بمناطق وجود البترول.
ويوجد في مصر مياه جوفية يمكن استخراجها تتراوح نسبتها ما بين 20 و40 في المائة من إجمال النسبة، وأخرى لا يمكن استخراجها لأسباب تتعلق بالجدوى الاقتصادية وفقاً لدياب الذي أضاف أن 90% من المياه الجوفية في مصر غير متجددة، باستثناء المناطق المتصلة بالأنهار مثل نهر النيل، لأنه يغذي المناطق التي حوله وتتسرب مياهه العذبة إلى باطن الأرض.
طرق الوصول إلى المياه الجوفية
وحول طرق الوصول إلى المياه الجوفية في مصر فتستخدم تقنيات حديثة للكشف عن المياه الجوفية، إضافة إلى الدراسة الجيولوجية لطبقات الأرض السطحية وتحت السطحية، وأيضاً الاعتماد على البيانات المتاحة من ينابيع متدفقة ذاتياً، مثل الموجودة في مناطق الواحات أو الآبار القديمة المنتشرة بشرق العوينات.
ويجري حفر آبار اختبارية لدقة تحديد عمق الطبقات الحاملة للمياه والسمك المشبع للخزان الجوفي ومعرفة الطبقات الحاملة للمياه، والأعماق التي توجد فيها.
وفي حال إيجابية النتائج يجري إنشاء البئر الجوفية طبقاً لمعايير فنية أهمها أقطار مواسير البئر وأماكن وضعها يليها إجراءات تجريبية للبئر عبر ضخ المياه على فترات زمنية قصيرة ومتباعدة، ثم منتظمة للتأكد من استدامة المخزون الجوفي للوفاء بمعدلات السحب الآمنة.
شحن خزان المياه الجوفية
ومؤخرا شهد هاني سويلم وزير الموارد المائية والري فعاليات ورشة عمل «الشحن الاصطناعي للخزان الجوفي» بحضور محمد داود استشاري موارد المياه بهيئة البيئة في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة وعدد من قيادات الوزارة، حيث تناولت ورشة العمل مناقشة أحدث التقنيات المتاحة في مجال شحن الخزانات الجوفية واستعراض عدد من النماذج المطبقة بعدد من دول العالم في هذا المجال.
وأشار هاني سويلم ، إلى أهمية هذا اللقاء في إطار الحرص الدائم على الاستفادة من الكوارد المصرية العاملة بالخارج، خصوصا وأن الدكتور داود هو ابن من أبناء مدرسة الري المصرية واحد كوادرها البحثية، وأن اللقاء يأتي في إطار التعرف على التجارب الناجحة بالدول الأخرى في مجال إدارة المياه وخاصة المياه الجوفية وتجارب الدول في مجال الشحن الاصطناعي.
وأضاف هاني سويلم، أن الوزارة تضع نصب أعينها عدد من الموضوعات الهامة مثل التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء، وتدريب العاملين بالوزارة في مجال معالجة المياه، ودراسة المواقع والتقنيات المثلى لتطبيق الشحن الجوفي من خلال سيناريوهات مدروسة بشكل علمي دقيق.
ووجه هاني سويلم، بتشكيل مجموعة عمل تضم عدد من الكوادر المتخصصة في مجال المياه الجوفية بالوزارة والمركز القومي لبحوث المياه وبالتعاون مع محمد داود لوضع مقترحات مبدئية لملف شحن المياه الجوفية والمناطق ذات الأولوية التي يمكن تطبيق الشحن الجوفي بها.