رؤية السياحة السعودية 2030.. استثمار في البشر والابتكار والرقمنة والبنية التحتية
تمثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تحولاً جريئًا وتحويليًا في المشهد الاقتصادي للمملكة، حيث يتم وضع السياحة كمحرك رئيسي للتنويع والنمو، وتحت قيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، وأحمد بن عقيل الخطيب، وزير السياحة، تحقق المملكة خطوات كبيرة ليس فقط في تطوير قطاع السياحة ولكن أيضًا في تمكين المرأة والشباب، وخلق صناعة سياحية مستدامة ونابضة بالحياة للمستقبل.
وكجزء من هذه الرؤية التحويلية، تستثمر المملكة العربية السعودية في مشاريع السياحة المستدامة مثل نيوم ومشروع البحر الأحمر والعلا، بينما تستثمر أيضًا بكثافة في رأس المال البشري، من خلال إعطاء الأولوية لبرامج بناء المهارات وخلق فرص العمل في قطاع السياحة، تضع المملكة العربية السعودية الأساس لصناعة مزدهرة وشاملة تعكس تراثها الثقافي الغني.
رؤية 2030، التي أطلقت في عام 2016، هي مخطط طموح للتنويع الاقتصادي، تلعب فيها السياحة دورًا مركزيًا. بعد أن كان قطاع السياحة في المملكة العربية السعودية مهملا نسبيًا، ولكن مع التركيز الجديد للمملكة على السياحة كركيزة للنمو الاقتصادي، يتوسع القطاع بسرعة جريئة تثير اندهاش وشغف القطاع الدولي.
وتعد أحد الأهداف الرئيسية لرؤية 2030 هى زيادة مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية من 3٪ إلى 10٪ بحلول عام 2030، وقد أطلقت الحكومة العديد من المبادرات لتحقيق ذلك، بما في ذلك إنشاء وجهات سياحية جديدة، والاستثمارات في البنية التحتية للضيافة، والإصلاحات لجذب الزوار الدوليين.
وفي عام 2019، كشفت المملكة العربية السعودية عن استراتيجيتها الوطنية للسياحة، والتي تهدف إلى استقطاب 100 مليون زائر سنويًا بحلول عام 2030، وقد تم بالفعل تعديل هذا الهدف إلى الأعلى، حيث تستهدف المملكة العربية السعودية 150 مليون زائر بحلول عام 2030، بعدما حققت الهدف الأول سريعا، وتدعم هذه الأهداف الطموحة الاستثمارات في البنية التحتية السياحية الجديدة، بما في ذلك المنتجعات والمطارات وغيرها من المرافق التي تلبي احتياجات السياح الدوليين والسوق المحلية المتنامية.
تمكين المرأة.. رؤية الشمول
يعد تمكين المرأة عنصرًا أساسيًا في تحول السياحة في المملكة العربية السعودية، ومن خلال رؤية 2030، تعمل الحكومة على خلق المزيد من الفرص للنساء في القوى العاملة، وخاصة في السياحة، وهو القطاع الذي يهيمن عليه الرجال تقليديًا. ويؤكد معالي أحمد الخطيب أن المرأة تلعب دورًا لا يتجزأ في نجاح قطاع السياحة.
ولإنشاء قوة عاملة أكثر شمولاً وتنوعًا، تعهدت المملكة العربية السعودية باستثمار سنوي كبير بقيمة 100 مليون دولار في برامج بناء المهارات بهدف تدريب 100 ألف شاب سعودي، نصفهم من النساء، وقد تم تصميم هذه البرامج لإعداد النساء لأدوار قيادية في السياحة والضيافة والقطاعات ذات الصلة، وفي الواقع، تشكل النساء الآن ما يقرب من 50٪ من المتدربين في برامج تطوير السياحة في المملكة العربية السعودية.
ويقول “الخطيب” أنه تم بالفعل توظيف أكثر من 100 ألف امرأة في قطاع السياحة، حيث يساهمن بنشاط في استراتيجية السياحة في المملكة. تشارك هؤلاء النساء في أدوار مختلفة، من إدارة الضيافة إلى الإرشاد السياحي، ويُنظر إليهن على أنهن سفيرات للثقافة السعودية.
مدارس الضيافة
أحد البرامج الأساسية في استراتيجية المملكة السياحية هي مدرسة الرياض للضيافة والسياحة، وتساعد هذه المؤسسة في تدريب الجيل القادم من المتخصصين في الضيافة، مع التركيز على الشباب والنساء، ومن المتوقع أن تدرب المدرسة 50 ألف شاب سنويًا، وتزودهم بالمهارات اللازمة للتفوق في صناعة السياحة التنافسية.
بالإضافة إلى ذلك، استثمرت الحكومة في إرسال الشباب السعوديين إلى الخارج لتلقي التدريب في مؤسسات مرموقة في سويسرا وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، وقد استفاد بالفعل أكثر من 100 ألف شاب سعودي، بما في ذلك 60 ألف امرأة، من هذه المنح الدراسية.
الابتكار الرقمي والتكنولوجيا
مع تطور قطاع السياحة، يتطور أيضًا نهج المملكة العربية السعودية في دمج التكنولوجيا، حيث يلعب الابتكار الرقمي دورًا حاسمًا في تعزيز تجربة السياحة وتحسين الكفاءة التشغيلية ودعم تنمية القوى العاملة.
وسلط الخطيب في تصريحاته الضوء على دور التقنيات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي والقياسات الحيوية في تحويل تجربة السفر، حيث تساعد هذه التقنيات في تبسيط عمليات المطارات وتعزيز الأمن وتزويد المسافرين بتجارب سلسة من تسجيل الوصول إلى الخروج من الفندق.
في الوقت نفسه، يؤكد الوزير أن السياحة هي عمل “من الناس إلى الناس”، وفي حين أن الرقمنة ضرورية لتحسين الكفاءة، فمن الأهمية بمكان الحفاظ على الروابط الإنسانية، فقد وعد الوزير بأن يظل زوار المملكة العربية السعودية يستمتعون بدفء وضيافة الشعب السعودي، وهو عنصر أساسي يميز تجربة السياحة في المملكة عن غيرها من الوجهات.
البنية التحتية للسياحة
لدعم نمو قطاع السياحة، تستثمر المملكة العربية السعودية بشكل كبير في البنية التحتية للسياحة، وتعمل مشروعات مثل نيوم ومشروع البحر الأحمر والعلا على خلق فرص عمل جديدة وتعزيز إمكانات السياحة في المملكة، ويذكر الخطيب أن المملكة العربية السعودية ستحتاج إلى توظيف الآلاف من الشابات والشبان لشغل الأدوار في الفنادق والمنتجعات والمطارات ومراكز التسوق المبنية حديثًا.
وبحلول عام 2030، تهدف المملكة إلى إضافة 600 ألف وظيفة جديدة في قطاع السياحة، مع شغل النساء لجزء كبير من هذه الوظائف، وفي الواقع، تلعب النساء بالفعل دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل صناعة السياحة في المملكة، حيث تقود العديد من الفنادق والمنتجعات مديرات تنفيذيات.
نيوم والسياحة المستدامة
ترتكز استراتيجية السياحة في المملكة العربية السعودية على الاستدامة، حيث تركز المشاريع الكبرى مثل مشروع البحر الأحمر ونيوم على التنمية الصديقة للبيئة، وقد تم تصميم مشروع البحر الأحمر، الذي يمتد على مساحة 28 ألف كيلومتر مربع ويضم أكثر من 90 جزيرة، ليكون نموذجًا للاستدامة، مع التركيز على الحفاظ على الحياة البحرية والحد من التأثير البيئي.
نيوم، مشروع طموح آخر، يتم بناؤه من الصفر مع الاستدامة في جوهره، وستتميز هذه المدينة المستقبلية ببنية تحتية متطورة تعمل بالطاقة المتجددة، مما يوفر للسياح فرصة لتجربة الرفاهية المستدامة في بيئة نقية.
دور المملكة في مبادرات السياحة العالمية
كجزء من أهداف رؤية 2030، تتعاون المملكة العربية السعودية أيضًا بنشاط مع المنظمات العالمية لجعل قطاع السياحة أكثر شمولاً، فمن خلال الشراكات مع منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، ومجلس السفر والسياحة العالمي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، تعمل المملكة العربية السعودية على تعزيز خلق فرص العمل للنساء في السياحة وتعزيز التعاون العالمي.
ويؤكد الخطيب أنه من خلال تمكين المرأة والشباب في قطاع السياحة، فإن المملكة العربية السعودية لا تستفيد من اقتصادها فحسب، بل تساهم أيضًا في الجهود العالمية لجعل السياحة صناعة أكثر شمولاً.