ناصر تركي يكتب: بلطجة «ترامب».. وسعادة «النتن ياهو»
يبدو أن العواصف التي تهب من البيت الأبيض إلى شتى بقاع العالم سوف تظل مستمرة طيلة سنوات حكم دونالد ترامب، ولكنها حاليًا تتشكل في صورة إعصار مدمر قد يطيح بالعالم كله في حرب عالمية ثالثة لن تبقي على الأخضر واليابس.
للأسف الشديد فإن منطقتنا العربية كلها ليست بعيدة عن إعصار الرئيس الأمريكي وإنما في بؤرته.. ترامب الذي صرح قبل دخوله البيت الأبيض بأنه سيكون رجل السلام ومفتاح حل حرب غزة، يتلاعب حالياً بوضع النيران في جوار البنزين بتصريحات غير مسؤولة تتضمن «وعد بلفور جديد» للإسرائيليين.
فخلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، صرح ترامب بأنه سيناقش معه ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل.
وفي ردّ على سؤال بشأن إمكانية بحث ضم أراضٍ من الضفة الغربية لإسرائيل خلال لقائه نتنياهو، أشار ترمب إلى أن إسرائيل بلد صغير وأن ذلك يجب أن يتغير. ليس هذا فحسب، بل إنه عبّر عن إشفاقه على مساحة إسرائيل الصغيرة بتشبيهها بالقلم الذي يمسكه، بينما الشرق الأوسط بمساحة المكتب الذي يجلس فيه.
بدون «لف ودوران» أطلق ترامب تصريحات مباشرة قائلا إن الفلسطينيين سوف يخرجون من قطاع غزة دون عودة مرة أخرى.
تتضمن خطة ترامب طرد 2 مليون فلسطيني وإخلاء القطاع بالكامل من سكانه، وسيطرة أمريكا على القطاع وتحويله لمنتجعات وأماكن سياحية على أعلى مستوى.
وعندما سأله أحد الصحفيين حول كيفية حدوث ذلك.. أجاب بالنص: «نخطط لأن يكون ذلك كملكية دائمة Permanent Ownership».
ترامب أعاد الحديث مرة أخرى عن أن مصر والأردن سوف تستقبلان سكان من غزة، و«مش هيرفضوا طلبه»، وتابع أن السعودية لم تشترط قيام دولة فلسطينية، كما أن الإمارات تدعم جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة.
أعاصير ترامب في الشرق الأوسط رسمت البهجة والسعادة على ملامح رئيس وزراء إسرائيل «نتنياهو» والذي قال عن ترامب بعد انتهاء اللقاء انه أهم صديق لإسرائيل في تاريخها كله.
أعاصير ترامب لا ترتكز على قطاع غزة فحسب بل تمتد لإقرار سيادة إسرائيل على الضفة الغربية وبالتالي تختفي فلسطين تمامًا من على خريطة العالم.
ترامب الذي أعلن عن نواياه بشكل مباشر وسريع في مدة لم تتجاوز 30 يومًا من توليه الرئاسة الأمريكية يجب أن يعي جيداً أن القضية «الفلسطينية- العربية» حساسة جداً، وأن انحيازه التام لإسرائيل لا يبشر بخير في إقامة علاقات عربية أمريكية جيدة تحقق مصالح الطرفين وتقوم على احترام الحقوق والسيادة وأن سعيه لتغيير شكل المنطقة العربية من خلال أسلوب فرض الأمر الواقع لن يجدي نفعًا بل إن أول ضحايا إعصار ترامب المدمر للشرق الأوسط سوف تكون إسرائيل «الابنة المدللة» لأمريكا.
إدارة أزمة بمنتهى القوة والاحترافية
وسط أمواج التصريحات العاصفة لترامب والعراقيل الإسرائيلية فإن مصر مستمرة بمنتهى القوة والاحترافية في مساعيها المكثفة مع الوسطاء لدخول الهدنة مراحلها التالية، التي تعد الأهم والأخطر، والتي تقود بجدية إلى وقف الحرب وهو ما يمثل خطراً سياسيًا وشخصيًا على كثير من المسئولين الإسرائيليين، الذين باتوا يسعون بصورة محمومة لوضع العراقيل أمام أي جهود لوقف الحرب.
ولعل الموقف المصري الذى يؤكده الرئيس عبد الفتاح السيسى دائما يجسد الثوابت التاريخية للدولة المصرية والتي «لا يمكن الحياد أو التنازل عنها» بحسب كلمات الرئيس، وهذا الموقف يُضاف إلى سجل حافل من المواقف المصرية المشرفة لدعم الحق الفلسطيني المشروع، والسعى الجاد والمتواصل من أجل رفع الظلم التاريخي الذي لحق بهذا الشعب.
فالتأكيد على أن التهجير ظلم تاريخي للشعب الفلسطيني لا يمكن لمصر أن تشارك فيه، أعاد تجسيد الموقف المصري بعبارات لا تقبل التأويل، وأكد انحياز مصر لثوابتها الوطنية والإنسانية والقانونية والعروبية، وهى ثوابت دفعت مصر من أجل الحفاظ عليها أثمانًا باهظة، فصلابة الموقف المصري عبر التاريخ كانت دائمًا حجر عثرة أمام محاولات الاستعمار بكل ألوانه وأشكاله في الاستيلاء على مقدرات شعوب المنطقة، ودائما ما كانت مصر – ولا تزال – هدفا لمحاولات النيل من مواقفها ودورها الريادي في المنطقة.
وإذا كانت لغة المصالح هى الحاكمة دائمًا للعلاقات الدولية، فالمؤكد أن المصلحة الإقليمية، والمصلحة الدولية من ورائها ومن بينها المصلحة الأمريكية، لا تتحقق عبر منح إسرائيل هدية مجانية بالقضاء على الشعب الفلسطيني، لأن القضية الفلسطينية كانت وستبقى جوهر الصراع في المنطقة، والدعوة لتهجير الشعب الفلسطينى لا توفر الهدوء الإقليمي المنشود، بل ستكون بداية لسلسلة من الصراعات الأعنف والأكثر حدة، وستكون ـ وبلا مبالغة – خدمة مجانية وجليلة لتنظيمات التطرف ومحترفي صناعة الكراهية في المنطقة.
فعندما تتوارى الحلول العقلانية والسياسية، وتتصاعد شعارات استخدام القوة والعنف، يستطيع الأكثر مزايدة أن يربح في مزاد الشعارات، وهذا واقع أعتقد أنه لا يحقق مصلحة لأي طرف ينشد سلامًا أو يرغب في استقرار أو يسعى لتحقيق مصالح متبادلة.
لا سبيل إذن للتعامل مع التحديات الراهنة في منطقتنا إلا بإرادة صلبة وإدارة عاقلة، فالعواطف لا تفيد عند مواجهة العواصف، بل إن التدبر والتريث واتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة، والتمسك بلغة العقل وقوة المنطق لا منطق القوة، هو السبيل الأمثل للوصول بالمنطقة إلى مرافئ الأمان وهو ما تجسده ثوابت مصر ومواقفها الشريفة في زمن عز فيه الشرف.