المغرب يستضيف المنتدى الثاني للجان الخارجية بالبرلمان الإفريقي

عقد البرلمان المغربي اليوم، الخميس، المنتدى الثاني للرؤساء لجان الخارجية بالبرلمان الافريقي، وذلك بحضور راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب وناصر بوريطة وزير الشؤن الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وسلمى بتعزير رئيسة اللجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤن الاسلامية، وعددا من السفراء والبرلمانيين الافارقة.

وألقى راشيد الطالبي رئيس مجلس النواب كلمة قال فيها:

نَسْعَدُ في مجلسِ النواب بالمملكة المغربية، ونحنُ نستقبلُكم أشقاءَ وضيوفَ أعزاء، لنتقاسمَ معًا يومًا من الحوارِ والنقاش بشأنِ، قضايا نبيلةٍ وذات أهمية بالنسبة لقارتنا.. وبعد أسبوعين من الْتِئَامِ قمةِ رؤساء برلمانات الدول الإِفريقية الأطلسية، هنا في الرباط، نلتقي في إطار الدورةِ الثانية لمنتدى رئيساتِورؤساء اللجن المكلفة بالشؤون الخارجية في برلماناتنا الوطنية، باعتبارها أجهزةً مركزيةً من أجهزةِ البرلمانات بالنظر إلى المهام المسنُودةِ إليها ومكانتِها المؤسساتية والاعتبَارِية في المؤسسات التشريعية.

وعلى اختلاف وتنوع المنتديات البرلمانية الإِفريقية، يؤسفنا أن تكون التحديات التي تواجه قارتنا، وأزماتها، هي نفسها المطروحة منذ سنوات،على الرغم مما تُحققه على أكثر من صعيد، خاصة في المجال المؤسساتي والاقتصادي، وهو ما يبعث على الأمل في أن النهضة الإفريقية قابلةٌ للتَّحَقُّقِ إذا نحن عرفنَا كيف نَتَوَّحَدُ ونتجاوزُ عوامل الكَبْحِ.

ومن مؤشراتِ هذا الأمل، هو أنه على الرغم من الظروف الموضوعية،والسياق الدولي غير الملائم، فإن قارتَنا ستُحَقِّقُ معدلَ نموٍ يقدر بـ 4.3%عام 2025، مقابل 3.7% خلال سنة 2024، وأن 24 دولة إفريقية سيتجاوز معدل النمو بها 5%.

ولا ينبغي للخطوات المحققة على الصعيد الاقتصادي القاري، وعلى مستوى البناء المؤسساتي، أن تُنْسِينَا حَجْمَ التحديات الكبرى التي تواجِهُهَا قارتُنا، ولا المؤشراتِ الاجتماعية والبيئية المقلقة التي تُضْمِرُ أوضاعَلا تُسْعِفُ الإقلاعَ الاقتصادي المأمول، والتماسك الاجتماعي الضروري للاستقرار.

ولَئِنْ كانت هذه التحدياتُ معروفةً، فإنه ينبغي إعادةُ التذكيرِ بها بغَايَتَيْنِ أساسيتين : تتمثلُ الأولى في توحيد الرؤية إزاء المعضلات التي نواجهها، وتتمثل الغاية الثانية في بناء وعي تاريخي إفريقي جديد مُتَوَجِّه إلى المستقبل، على أساس إدراك صعوبات وإكراهات الحاضر.

في مقدمة هذه التحديات، عودة تناسل النزاعات، الداخلية أساسًا، في بعض بلدان القارة ؛ إذ بعد نجاح قارتنا في تجاوز الكُلْفة السياسية والاستراتيجية للحرب الباردة، التي لم تكن حربها، وإنجازِ العديد من الانتقالات السياسية مقرونةً ببناء مؤسساتيٍ واعدٍ، عادتِ النزاعاتُ في بعض الحالات، لتجثُم على الأوضاع في بعض البلدان.

ويتغذى هذا التحدي، ويُغذي أحيانا، نَزَعَاتِ الانفصال ومحاولات تقويض الوحدة الترابية للدول وسيادتها.

ومع كامل الأسف، فإن هاذين التَّحَدِّيَيْنِ يلتقيانِ أحيانا، ويتواطئَان في أحيان أخرى، مع ظاهرة الإرهاب المَقيت والتطرف العنيف، مما يُقَوِّضُالاستقرارَ في عدد من المناطق. ولا يكتفي الإرهاب والانفصال بإيذاء الناس وترويعهم وتهجيرهم، بل يسعيان إلى تَقْوِيضِ الاستقرار ونشر الفوضى،وتعميم حالة اللادولة والتمدد خارج سياقهما الجغرافي، ووضع اليد على المقدرات الطبيعية للأمم.

وتُنْتِجُ هذه الأوضاع تحديات جديدة، ومنها الفقر والنقص في الغذاء، والتبعية الغذائية والهجرات، والنزوح واللجوء ؛ والأخطر من ذلك أنها تُنْتِجُ حالاتِ إحباطٍ ويأسٍ لا تُسْعِفُ في بناءِ الثقة، في المؤسسات الوطنية، والتي تجتهدُ النخبُ الإفريقية لترسيخِها.

السيدات والسادة،
لا ينبغي لهذه الصورة أن تَحْجُبَ عنا علاماتِ النجاح، وحالاتِ البناء المؤسساتي القاري والجهوي، وقدرةَ العديد من البلدان الإفريقية على تحقيق انتقالات ديموقراطية حقيقية، بكل استقلالية، وبالاعتماد على الذات، وعلى مشاركة مواطنيها وتعبئتهم.

ولا ينبغي للتحديات، مهما كانت أن تترك الإحباط يتسرب إلى الهِمَمِالإفريقية. فقد كانت إفريقيا دائما أرض التحديات، وكان الإنسان الإفريقي الصبور، والمُعَانِد، ينتهي بربح الرهانات. فقد انتصر على الاستعمار، واستعادت البلدان الإفريقية استقلالاتها الوطنية، وتَيَسَّر لها بناءُ الدولةِ الوطنية بقيادة زعماءَ وطنيينَ كبار من قبيل جلالة المغفور له الملك محمد الخامس ومعه جلالة المغفور له الحسن الثاني، والرؤساء ليوبول سيدار سنغور، وهوفييت بوانيي، وأحمد سيكوتوري، وكوامي نيكروما، وباتريس لومومبا، وغيرهم من القادة الحكماء.

وبهذه الروح يواصل الجيل الجديد من القادة الأفارقة، ومن النخب الإفريقية المؤمنة والملتزمة بقضايا قارتها وبلدانها، وأنتن وأنتم جزء منها، معركةَ التنمية وترسيخ الديمقراطية.

ولعل في صدارة الإمكانيات التي تؤهل إفريقيا لتحمل صفة “قارة المستقبل”، عنصر التكامل في الموارد وبين اقتصادات بلدانها، إلى جانب مواردها البشرية الشابة، وكفاءاتها التي تحقق نجاحات كبرى في بلاد المهجر، فضلا عن أراضيها الخصبة القابلة للزراعة التي يمكنها توفير الغذاء لسكان القارة ولجزء كبير من سكان العالم.

ومما يزيد من قيمة هاتين الرافعتين وجود إفريقيا بين محيطين كبيرينوبحرين وتوفرها على ممرات بحرية استراتيجية، ما يمنحها إمكانيات بحرية هائلة لإقامة التجهيزات الأساسية المينائية التي هي اليوم شِرْيَانُ المبادلات الدولية ؛ والبنيات السياحية الجاذبة لرؤوس الأموال والسياح، فضلا عما تغتني به البحار من مصادر غذاء استراتيجية.

ومن حسن حظ قارتنا، أنها تتوفر أيضا على المعادن الاستراتيجية التي تتنافس عليها اليوم الصناعات والتكنولوجيات المعاصرة، فضلا عن المعادن والطاقات التقليدية والإمكانيات الكبرى لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة.

السيدات والسادة،

وفي السياق الدولي الراهن، وإزاء التحديات التي تناقشون جزء منها خلال منتداكم هذا، تحتاج إفريقيا إلى المرور إلى العمل، وإلى السرعة القصوى في الإنجاز.

وينبغي أن نستحضر دور مثل هذه اللقاءات في إنضاج الأفكار والاقتراحات مما يستدعي جعلها تقاليد مؤسساتية خاصة عندما يتعلق الأمر بالبرلمانات التي لا تخفى مكانتها المؤسساتية والسياسية وأدوارها في تقريب الآراء بين بلداننا.
وبالتأكيد، فإن مواجهة التحديات وربح الرهانات تحتاج إلى تفعيل الإرادة السياسية المشتركة، وتحويل الطموح إلى سياسات ومشاريع ومنجزات. وكما قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ عشر سنوات بالضبط فإن “إفريقيا قارة كبيرة بقواها الحية، وبمواردها وإمكاناتها الذاتية، ذلك أنها لم تعد قارة مستعمرة. لذا فإفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا”. (انتهى النطق الملكي). والثقة، الزميلات والزملاء هي ثقة في الذات، وفي الامكانيات وفي القدرة على الإنجاز، وثقة بين مكونات القارة الواحدة، وثقة في المستقبل الذي ينبغي أن نبنيه معًا لنكونَ مؤثرينَ في القرار الدولي، ولكي نكونَ مؤثرينَ ينبغي أن نكونَ مبادرينَ، أقوياءَ، متمكنينَ وآخذين لمصيرنا بأيدينا.
وتفرض علينا حالة اللايقين في النظام الدولي، وازدهار الأنانيات الوطنية والمحاور عبر العالم، وطموحات شعوبنا وحقنا المشروع، كأفارقة في التقدم والرخاء والازدهار، بأن نأخذ مصيرنا بأيدينا. فالتطرف والإرهاب، يزدهر في سياقات الفقر، والانفصال يهدد بتفكك الدول وبالتمدد، والتماهي معه، خطر على الجميع، وقوة الدولة الوطنية الإفريقية ضرورة تاريخية، والشراكات مع باقي القوى العالمية تحتاج إلى وحدة الموقف، وإلى اقتصادات قوية وإلى ترسيخ وتقوية الشراكات جنوب – جنوب وفق منطق الربح المشترك.

After Content Post
You might also like