فتاوى دينية.. علي جمعة يوضح حكم السخرية والاستهزاء

أوضح أ.د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أن السخرية والاستهزاء من الأفعال المحرمة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} .

صور السخرية متعددة ، ومنها: النظر بعين الاحتقار والاستهانة. الكلام بإظهار العيوب والنقائص. المحاكاة بالفعل والقول ؛ كأن يقلد أحدهم شخصًا في مشيته أو طريقته في الكلام بغرض إضحاك للناس عليه. قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: حاكيتُ إنسانًا، فقال لي النبي ﷺ: «والله ما أحب أني حاكيت إنسانًا ولي كذا وكذا». أي من الدنيا ، فكان النبي ﷺ ينهى عن ذلك.

ومن الأمثلة على ذلك : أن الحَكَم بن أبي العاص كان يقلد مشية النبي ﷺ باستهزاء، وكان النبي ﷺ إذا مشى تكفأ تكفؤًا كأنما يَتَحدَّر من صَبَبٍ. وعندما رآه النبي ﷺ يقلده، نفاه من المدينة إلى الطائف، وبقي منفيًّا طوال حياة النبي ﷺ وأبي بكر وعمر، ولم يعد إلا في زمن عثمان -رضي الله عنه- لحيائه ورحمته.

فالمحاكاة نوع من الاستهزاء، يقول النبي ﷺ: «من عير أخاه بذنب قد تاب منه، لم يتب حتى يعمله». لذلك يجب علينا الابتعاد عن معايرة الناس بأخطائهم.

وهناك مثل مشهور يقول : “لا تسخر من أخيك، فيعافيه الله ويبتليك”. وهو مأخوذ من الحديث الشريف، وهنا نقطة دقيقة جدًّا إن الإنسان لا يتكبر بطاعته على أخيه.

وكان سيدنا رسول الله ﷺ يمزح ، ولكنه لا يقول إلا حقًّا. وكان يضحك حتى تظهر نواجذه الشريفة. ( ضرس العقل).

إذن، المزاح المنهي عنه هو: المزاح الجارح أو المهين.

الإفراط والمداومة عليه، لأن كثرة المزاح تميت القلب وتُسقط الهيبة. المزاح مثل الملح في الطعام، إذا زاد أفسده، وإذا قلّ أفسده، فلا بد أن يكون معتدلًا. يقول سيدنا عمر -رضي الله عنه-: “من مزح، استُخف به”، أي يفقد هيبته.

ويقول سعيد بن العاص لابنه: “يا بني، لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيء فيجترئ عليك”.

أما المزاح المعتدل البعيد عن الأذى، فهو شيء محمود، يدخل السرور على القلوب. وكان النبي ﷺ يمازح أصحابه، وكان يحب نعيمان، الذي كان كثير المزاح.

ومن أمثلة مزاح النبي ﷺ:

جاءت امرأة عجوز إلى النبي ﷺ وقالت: ” يا رسولَ اللهِ ادع اللهَ لي أنْ يدْخِلَني الجنةَ “، فقال لها ممازحًا: “إن الجنة لا يدخلها عجوز”، فانصرفت باكية، فبيّن النبي ﷺ للحاضرين أن الله يجدد الشباب في الجنة، لقوله تعالى:

{إنَّا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً} أي أنها حين تدخل الجنة سيعيد الله إليها شبابها وجمالها.

وجاءت امرأة إليه ﷺ فقالت: إن زوجي يدعوك، قال: «ومن هو؟ أهو الذي بعينه بياض»، قالت: والله ما بعينه بياض . فقال: «بلى، إن بعينه بياضًا»، فقالت: لا، والله . فقال ﷺ: «ما من أحد إلا وبعينه بياض».

وكان ﷺ يمازح النساء والأطفال، حرصًا على تقوية قلوبهم، دون أن يكون ذلك هزلًا أو إكثارًا. وكان يترك يده لبنات بني النجار، تأخذ إحداهن به حيث شاءت حتى تقضي حاجتها، لا ينزع يده من يدها.

كيف ندرب أنفسنا على ترك السخرية والاستهزاء؟

يقول سيدنا رسول الله ﷺ: «لا يَسْتَقيمُ إِيمانُ عبدٍ حتَّى يَستَقيمَ قلبُه، ولا يَسْتَقيمُ قلبُه حتَّى يَستَقيمَ لسانُه». إذن، لن يستقيم اللسان إلا إذا استقام القلب، فالقلب هو الأساس، والقلب فوق العقل، والعقل فوق السلوك.

وكان النبي ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت».

فعلاج آفة الاستهزاء والسخرية يكمن في المعرفة واليقين بأن الاستهزاء، وإن كان هدفه إخزاء الآخرين عند الناس، فإنه يُخزي صاحبه عند الله. فلو تفكر الإنسان في حسرته وجنايته وخجله يوم القيامة، لكان ذلك دافعًا قويًا لضبط سلوكه وعدم الوقوع في مثل هذه الآفات. ولذلك قيل: الإيمان باليوم الآخر هو الذي يتحكم في سلوك الإنسان في الدنيا”.

وكما قيل: “معظم النار من مستصغر الشرر”، فربما كلمة استهزاء صغيرة تؤدي إلى ذنب عظيم.

 

 

After Content Post
You might also like