النيروز.. عام جديد بذاكرة التاريخ وعبق التراث القبطي ورسالة أمل في أرض الكنانة

بقلم/ روماني نادي

قد يظن البعض أن عيد “النيروز” احتفال فارسي أو مناسبة موسمية فحسب، غير أن لهذا العيد مكانة خاصة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث يُعرف بعيد رأس السنة القبطية أو “عيد النيروز القبطي”، ويوافق الأول من شهر توت، أول شهور السنة القبطية، والذي يتطابق غالبًا مع يومي 11 أو 12 سبتمبر من كل عام ميلادي. وكلمة “نيروز” مشتقة من اللفظ المصري القديم ني-يارو أي “الأنهار”، في إشارة إلى فيضان نهر النيل الذي كان يبدأ مع حلول العام الزراعي الجديد، ليحمل معه رمز الحياة والخصب والبركة، ومع مرور الزمن تداخل الاسم مع “نوروز” الفارسية، وإن اختلفت الدلالات والخصوصية الثقافية والدينية لكل منهما.

ويُعرف النيروز أيضًا بـ”عيد الشهداء”، إذ يبدأ التقويم القبطي من عام 284 ميلادية، وهو العام الذي اعتلى فيه الإمبراطور دقلديانوس عرش روما وبدأ معه أشد عصور الاضطهاد للمسيحيين في مصر، ومن ثم ارتبط العيد بذكرى الذين قدّموا حياتهم ثمنًا لإيمانهم بالمسيح، ليصبح النيروز تذكارًا سنويًا للشهادة والثبات. ورغم أنه ليس من الأعياد الكبرى، إلا أن الكنيسة تحتفي به بطقوس خاصة منها تلاوة سير الشهداء ورفع الصلوات من أجل بركة العام الجديد، وارتداء الكهنة للشارات الحمراء رمزًا لدماء الشهداء، فضلًا عن بعض العادات الشعبية مثل تناول البلح والجوافة، حيث يرمز البلح إلى الشهداء بلونه الأحمر وصلابته، بينما تعبر الجوافة عن النقاء ببياضها وطيب رائحتها.

إن النيروز القبطي ليس مجرد مناسبة دينية أو بداية سنة جديدة، بل هو رسالة روحية وتجديد للعهد مع الله، ودعوة لبدء العام بالتوبة والسعي نحو القداسة مُستلهمين من حياة الشهداء والقديسين. وهو أيضًا عيد ذاكرة ووفاء يذكّر الأجيال بتاريخ الكنيسة العريق، ويغرس فيهم الثبات على الإيمان والرجاء في الحياة الأبدية التي وعد بها المسيح. فهو عيد يحمل بين طياته التاريخ والتراث، الألم والأمل، الشهادة والحياة، ويؤكد أن أرض الكنانة ما زالت تحفظ جذورها الروحية العميقة وتبعث من خلالها رسالة رجاء متجددة لكل أبنائها

After Content Post
You might also like