ناصر تركي يكتب: مصر… ثابتة رغم رياح التهميش

عبر تاريخها الطويل، وفي كل المنعطفات الكبرى والأزمات المتلاحقة، أثبتت مصر – ومازالت تؤكد- أن مكانتها ليست رهينة للتقلبات السياسية أو الموجات الإقليمية العارضة، بل هي قوة إقليمية راسخة ومحورية لا يمكن تجاوزها. فدورها لا يقوم على الصخب الإعلامي، بل على الفعل الواقعي والتأثير الحقيقي في مسار الأحداث.

 

ويمكن قراءة هذا الدور المصري الثابت في عدة محاور رئيسية:

 

أولًا: اللاعب الرئيسي والوسيط الأكثر فاعلية

 

في كل مرة تتصاعد فيها المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تتجه الأنظار نحو القاهرة باعتبارها الوسيط الأكثر قبولًا وقدرة على التأثير. فهنا فقط تُعقد اللقاءات غير المباشرة، وهنا تُطرح المبادرات وتُنسّق الهدن. هذا الاعتراف العملي من الأطراف المتصارعة، ومن القوى الكبرى كـالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، هو أكبر دليل على أن مصر هي الطرف الوحيد القادر على إنهاء الحرب وبدء الحوار.

 

ثانيًا: صوت العقل والمسؤولية الإقليمية

 

يتجسد هذا الدور في الموقف المصري الثابت والحاسم من رفض مخططات التهجير القسري لأهل غزة إلى سيناء، وهو موقف لم ينبع فقط من اعتبارات الأمن القومي، بل من التزام قومي وأخلاقي بحماية جوهر القضية الفلسطينية ومنع تصفيتها. لقد أدرك العالم أن ثبات مصر هنا لم يكن موقفًا وطنيًا فحسب، بل حائط صد يحمي القضية الفلسطينية من التلاشي.

 

ثالثًا: الطرف الذي يدفع الثمن دون أن ينتظر المقابل

 

في ذروة الأزمة الإنسانية بغزة، تحولت مصر إلى الشريان الإنساني الوحيد للقطاع، فتولت مسؤولية تنسيق وإدخال المساعدات عبر معبر رفح، واستقبال المصابين والأجانب، وتحملت العبء الأكبر في إدارة الأزمة. لم تبحث القاهرة عن مكاسب سياسية فورية، بل تحركت من منطلق إنساني وتاريخي وأخوي يؤكد عمق التزامها تجاه الشعب الفلسطيني.

 

وفي النهاية، أثبتت التجربة أن محاولات تهميش الدور المصري لم تنجح إلا في تأكيد أهميته. فحين تشتد الأزمات، لا يكون أمام المنطقة إلا العودة إلى مصر، بوصفها القدر الإقليمي الذي لا يمكن تجاوزه ولا الاستغناء عنه.

 

حقًا… مصر أم الدنيا، وستظل دائمًا السند الحقيقي لقضايا أمتها والعقل الرشيد في زمن الاضطراب.

After Content Post
You might also like