مصر تؤكد التزامها بحماية التراث الإنساني في الاجتماع الوزاري لمنتدى الحضارات القديمة بأثينا
شارك شريف فتحي وزير السياحة والآثار في الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى الحضارات القديمة، الذي استضافته العاصمة اليونانية أثينا، بمشاركة وزراء وممثلي الدول الأعضاء، وهي أرمينيا وبوليفيا والصين واليونان والعراق وإيران وإيطاليا وبيرو، وذلك بحضور الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، والسفير عمر عامر سفير جمهورية مصر العربية لدى اليونان، والسيدة جهاد الراوي المشرف على إدارة المنظمات الدولية للتراث الثقافي والتعاون الدولي بالمجلس الأعلى للآثار. ويأتي الاجتماع في إطار تعزيز الحوار وتبادل الخبرات بين الدول الأعضاء بما يدعم جهود صون وحماية التراث الثقافي العالمي.
وخلال كلمته، أعرب وزير السياحة والآثار عن خالص تقديره لحكومة اليونان ووزارتي الثقافة والخارجية على استضافة هذا المحفل الدولي، مؤكدًا أن منتدى الحضارات القديمة يعكس إيمان الدول المشاركة بأن الحوار والتعاون يمثلان حجر الأساس لحماية التراث الثقافي وصونه عبر الأجيال.

وأكد الوزير أن حماية وصون الآثار المصرية تُعد أحد المحاور الرئيسية لسياسة عمل وزارة السياحة والآثار، مشيرًا إلى أن التراث المصري لا يقتصر على كونه مقتنيات أثرية، بل يمثل هوية وطنية وقصة شعب وإسهامًا حضاريًا للإنسانية جمعاء. وأوضح أن الدولة تعمل بالتوازي على تطوير تجربة الزائر من خلال الارتقاء بمستوى الخدمات وتطبيق أفضل ممارسات الاستدامة في المتاحف والمواقع الأثرية، لافتًا إلى أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص أسهمت في تطوير عدد من المواقع، وفي مقدمتها منطقة أهرامات الجيزة والمتحف المصري الكبير، مع التأكيد على أن حفظ وصون المواقع الأثرية يظل أولوية مطلقة تتقدم على أي اعتبارات اقتصادية.
وتطرق الوزير إلى التغيرات المناخية باعتبارها أحد التهديدات المتنامية التي تواجه التراث العالمي، مؤكدًا أن التعامل مع هذه التحديات يتطلب تعاونًا دوليًا وتبادلًا للخبرات، إلى جانب توظيف التقنيات الحديثة. واستعرض في هذا الإطار جهود الدولة المصرية، ومن بينها تشكيل اللجنة الوطنية لإدارة الأزمات والكوارث وخفض المخاطر، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 المتوافقة مع رؤية مصر 2030، والتي تستهدف تعزيز القدرة على الصمود والحد من الأضرار التي تلحق بالأصول الوطنية. كما أشار إلى إنشاء صندوق لحماية مواقع التراث والمتاحف من آثار التغير المناخي بالتعاون مع منظمة الإيسيسكو عقب مؤتمر المناخ COP27، فضلًا عن التوسع في استخدام الطاقة المتجددة.
كما استعرض الوزير عددًا من المشروعات الكبرى التي تنفذها الوزارة بالتعاون مع شركاء محليين ودوليين لحماية وصون التراث، من بينها مشروع حماية قلعة قايتباي بالإسكندرية من التآكل الساحلي، وخفض منسوب المياه الجوفية بدير أبو مينا، الأمر الذي أسهم في خروجه من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر بمنظمة اليونسكو، بالإضافة إلى خفض منسوب المياه الجوفية بعدد من المواقع الأثرية المهمة، منها معبد كوم أمبو بأسوان ومقابر كوم الشقافة بالإسكندرية، وترميم معبد دندرة بقنا، وقاعة الأعمدة الكبرى بمعابد الكرنك، ومقبرة الملك توت عنخ آمون والملكة نفرتاري بالبر الغربي بالأقصر، وغيرها من المشروعات المتخصصة التي تهدف إلى تعزيز استدامة المواقع الأثرية.
وأكد الوزير أن مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية تمثل محورًا أساسيًا في الاستراتيجية الوطنية لحماية التراث، مشيرًا إلى أن مصر نجحت خلال السنوات العشر الماضية في استرداد نحو 30 ألف قطعة أثرية، بفضل التشريعات الصارمة، والتعاون الدبلوماسي، والمتابعة المستمرة للأسواق وصالات المزادات الدولية من قبل الإدارة العامة للآثار المستردة. ولفت إلى أن مصر ترتبط بعدد من الاتفاقيات الثنائية مع دول عدة، من بينها الولايات المتحدة وإيطاليا وسويسرا وقبرص ولبنان والأردن والسعودية، فضلًا عن التعاون الوثيق مع منظمة اليونسكو والإنتربول والمجلس الدولي للمتاحف.
واكد الوزير كلمته على أن التحديات المتزايدة التي تواجه التراث الثقافي تستدعي تعميق أطر التعاون الدولي، مشددًا على أن مصر تواصل دورها في دعم الجهود العالمية لحماية التراث، وتطوير آليات مواجهة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، وبناء القدرات، وتعزيز مشروعات التوثيق والرقمنة والأبحاث العلمية، انطلاقًا من إيمانها بأن التراث الثقافي عنصر جامع للشعوب، وأن الحفاظ عليه مسؤولية مشتركة تضمن نقله للأجيال القادمة.
وشهد الاجتماع مناقشات موسعة حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، أكدت جميعها على أهمية استمرار التواصل والتعاون بين الدول الأعضاء لضمان حفظ وحماية التراث الثقافي المادي وغير المادي، ودعم المبادرات المشتركة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، والتصدي لتأثيرات التغيرات المناخية على التراث.
وفي ختام الاجتماع، صدر «إعلان أثينا 2025»، الذي تضمن التأكيد على الأهمية الجوهرية للتعليم وتعزيز الوعي العام بقيمة التراث الثقافي، ولا سيما بين المجتمعات المحلية والأطفال والشباب، إلى جانب تشجيع الجهود التعاونية في مجالات الترويج الثقافي وتبادل المعرفة والمشاركة المجتمعية. كما شدد الإعلان على أهمية التعاون الدولي، والاستفادة من التقنيات الحديثة والناشئة، ووجود إطار قانوني متين لحماية التراث الثقافي، خاصة في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، وذلك وفقًا لاتفاقية اليونسكو لعام 1970. وتضمن الإعلان أيضًا الاتفاق على إعداد مدونة مبادئ مشتركة للبحث في أصول الملكية، وإنشاء شبكة من نقاط اتصال وطنية لضمان التنسيق بين الدول الأعضاء في أنشطة منتدى الحضارات القديمة.
ومن المقرر أن تتولى دولة إيطاليا رئاسة الاجتماع الوزاري لمنتدى الحضارات القديمة في عام 2026، على أن تتولى مصر رئاسته في عام 2027.
وعلى هامش الاجتماع، اصطحبت الدكتورة لينا مندوني وزيرة الثقافة اليونانية الوزراء والوفود المشاركة في جولة بالمتحف الوطني ومتحف الأكروبوليس، حيث اطلعوا على نماذج من الحضارة اليونانية القديمة والحديثة
