“بطاريات السيارات الكهربائية”.. طفرة حديثة في تخزين الطاقة والتنقل بها من مكان لآخر

أوضحت الباحثة رشا سمير الطويل، بشعبة الصناعات الكيماوية الغير عضوية والثروات المعدنية، بالمركز القومي للبحوث، أن وحدات تخزين الطاقة التي يمكن شحنها من الكهرباء ثم تنفد الطاقة منها ببطء على مدار اليوم، أصبحت القلب النابض للأجهزة المحمولة المعاصرة. 

وقد شكلت بطاريات الليثيوم أيون أو الثانوية (قابلة للشحن) طفرة في حلول تخزين الطاقة والتنقل بها من مكان لآخر، ومهدت لثورة في الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها اليوم.

وكانت شركة “سوني” هي أول من طرح بطاريات الليثيوم الثانوية للاستخدام التجاري في عام 1991 عندما كانت الشركة تبحث عن حلول لإطالة عمر بطارياتها المستخدمة في كاميرات الفيديو وتستخدم الآن بطاريات الليثيوم الثانوية لتوفير الطاقة للكثير من الأجهزة الإلكترونية الحديثة، من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمول وحتى فرش الأسنان الكهربائية والمكانس الكهربائية المحمولة وحديثا العربات الكهربائية.

وحاز العام الماضي ثلاثة علماء كانوا وراء هذا الاختراع الثوري على جائزة نوبل للكيمياء، ومن المتوقع أن نزداد اعتمادا على هذه البطاريات، إذ تستخدم بطاريات الليثيوم الثانوية في المركبات الكهربائية كبديل للوقود الأحفوري وفي وقت زادت فيه حصة مصادر الطاقة المتجددة في إمدادات الكهرباء حول العالم، من المرجح أننا سنحتاج لإنتاج كميات هائلة من البطاريات لاختزان الطاقة الكهربائية الفائضة لتعويض نقص الطاقة في الأوقات التي لا تهب فيها الرياح (مصدر طاقة الرياح) أو لا تسطع فيها الشمس (الطاقة الشمسية).

ويباع في الوقت الحالي أكثر من سبعة مليارات بطارية ليثيوم ثانوية حول العالم، ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد إلى أكثر من 15 مليار بطارية بحلول 2027.

لكن بطاريات الليثيوم الثانوية لا تخلو من العيوب، إذ تقل قدرتها على الاحتفاظ بالطاقة وتخزينها لفترات طويلة مع تكرار الشحن، ويتدنى أداؤها عندما يكون الطقس فائق الحرارة أو فائق البرودة.

وأثيرت مخاوف أيضا حول أمان هذه البطاريات وتأثيرها على البيئة فقد تحترق بطاريات الليثيوم الثانوية أو تنفجر في ظروف معينة، كما أن استخراج المعادن المستخدمة في تصنيعها قد يُسبب أضرارا جسيمة بالبيئة والمجتمعات وقد دفع ذلك علماء حول العالم لتطوير أنواع جديدة من البطاريات لتلافى هذه العيوب على أمل العثور على حلول جديدة لتوفير الطاقة للأجهزة الإلكترونية مستقبلا.

وتعمل بطاريات الليثيوم الثانوية عن طريق انتقال أيونات الليثيوم من الأنود إلى الكاثود أو العكس عبر محلول سائل موصل للتيار الكهربائي يعرف باسم “الكتروليت” وانتقال الإلكترونات في الدائرة الخارجية. وقد جذبت بطاريات الليثيوم الثانوية الأنظار إليها بسبب “الطاقة العالية” التي تتمتع بها، أي الطاقة القصوى التي تختزنها البطارية مقارنة بحجمها، وتمتاز بطاريات الليثيوم الثانوية بأنها ذات طاقة وفرق جهد أعلى مقارنة بالبطاريات المتوفرة في الأسواق.

وتتكون البطاريات من ثلاثة عناصر رئيسية، القطب السالب والقطب الموجب وبينهما محلول كهربائي، ويتبادل القطبان الأدوار أثناء عمليتي الشحن والتفريغ.

ويصنّع الكاثود في بطاريات الليثيوم الثانوية من أحد أكاسيد العناصر الانتقالية مثل أكاسيد المنجنيز، أكاسيد الكوبلت، أكاسيد المولبيديوم، أو محلول صلب من هذه الأكاسيد.

وعند الشحن، تنتقل أيونات الليثيوم والإلكترونات من الكاثود إلى الأنود، حيث تختزن في صورة طاقة كهروكيميائية، بفعل سلسلة من التفاعلات الكيميائية في المحلول الكهربائي، تحركها الطاقة الكهربائية التي تتدفق من دائرة الشحن.

وعندما تستخدم البطارية (التفريغ)، تتدفق أيونات الليثيوم في الاتجاه المعاكس أي من الأنود إلى الكاثود عبر المحلول الكهربائي، بينما تتدفق الإلكترونات عبر الدائرة الكهربائية الخارجية للجهاز الذي تمده البطارية بالطاقة وقد تغيرت على مدى سنوات المواد التي تصنع منها الكاثود والأنود، مما أسهم في تحسين سعة وطاقة بطاريات الليثيوم الثانوية، وانخفضت تكلفة البطاريات كثيرا مقارنة بالماضي.

وقد نجح الفريق بالمركز القومي للبحوث تحت إشراف الدكتور أحمد محمد هاشم في تحسين كفاءة بطاريات الليثيوم الثانوية من خلال التعاون مع المدارس العالمية في كل من المانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

وقبل تسويق السيارات الكهربائية، لابد أن يلتزم المصنعون باتباع معايير تصميم محددة تضمن في غالبها أن السيارة آمنة للقيادة، غير أن مصدر الطاقة في السيارة الكهربائية يُمثل مصدر خطورة، وتعمل الشركات المصنعة على تطوير ضمانات السلامة اللازمة لمقابلة مثل هذه المخاطر.

بطاريات الليثيوم الثانوية قابلة للاشتعال ويُمكن أن تتسبب في اندلاع الحريق لأن بها خلايا طاقة قد تُسبب ماسا كهربائيا إذا تعرضت البطارية للتلف، غير أن بطاريات الليثيوم الثانوية مُعرضة على نحو أقل لمخاطر اشتعال النار مقارنة بالوقود في السيارات التقليدية.

ولمنع التلف أو الماس الكهربائي، تُوضع بطاريات السيارات الكهربائية عادة في داخل غلاف تبريد يُملأ بسائل مبرِّد وذلك لحمايتها، وبالإضافة إلى ذلك، ورغم التبريد الخارجي والحماية للبطارية، نجد أن جميع السيارات الكهربائية مُزوّدة بمجموعة من خلايا الليثيوم متصلة على التوالي لتعطى بناء بطارية ليثيوم بالجهد المطلوب لتسيير المركبة حيث تمثل الخلية وحدة بناء البطارية بحيث يمكن تلافى الأعطاب الناتجة عن استخدام بطارية ليثيوم واحدة ضخمة.

وأكثر ما يميز السيارات الكهربائية المطروحة بالأسواق عن بعضها قدرات بطارياتها، وما تمنحه من قوة للمحرك لتجعله قادرا على قطع أطول مسافة ممكنة مع وقت شحن قصير.

ووفقا لدراسة أجراها مركز الدراسات المختص بالسيارات الكهربائية Cox Automotive ، فإن 46% من المهتمين بشراء السيارات الكهربائية أكثر ما يخيفهم حول هذا الأمر العمر الافتراضي للبطاريات، حيث تخشى هذه النسبة من المستهلكين أن يصل العمر الافتراضي لبطارية سياراتهم الكهربائية عند 65,000 ألف ميل كحد أدنى للاستهلاك، وذلك لارتفاع تكلفة استبدال بطاريات السيارات الكهربائية في المجمل، فعلى سبيل المثال تصل تكلفة استبدال بطارية طراز بولت الكهربائي من شيفروليه إلى 15,000 ألف دولار للبطارية الجديدة، كما يميز بطاريات السيارات الكهربائية قدرتها على الحفاظ على الطاقة المخزنة بها عند عدم استخدامها، بعدم تسريب هذه الطاقة.

ويفرق بين كل بطارية وأخرى معدل الطاقة التي تنتجها بمقياس الكيلووات لكل ساعة، فحين يقوم المستهلك بشراء سيارة كهربائية ببطاريات تنتج معدل طاقة عاليا كمن يقوم بشراء سيارة تتمتع بخزان وقود ذي سعة كبيرة. داخل الولايات المتحدة يصل الحد الأقصى للعمر الافتراضي للبطارية في مذكرات التأمين على السيارة إلى 8 سنوات، أو معدل استهلاك 100 ألف ميل.

ويختلف هذا المعدل من ماركة سيارات لأخرى، فنجد أن شركة كيا يصل العمر الافتراضي الخاص بسياراتها الذي يغطيه التأمين لـ10 سنوات.

وتقدم شركات سيارات مثل شركة هوندا خدمة تأمين على البطاريات مدى الحياة بخلاف الشركات الأخرى التي تحدد مرحلة معينة.

لذلك أكدت دراسة أجراها مركز Plug In America المختص بدراسة السيارات الكهربائية أن بطاريات طراز تسلا موديل S تبدأ في تسريب نسبة تصل إلى 5% من طاقتها رغم شحنها بالكامل، بعد 50 ألف ميل من الاستعمال.

وفي المجمل كشفت دراسة أجراها مركز رعاية المستهلكين بالولايات المتحدة أن بطاريات السيارات الكهربائية بمختلف الماركات من المفترض أن تتحمل الاستهلاك حتى 100 ألف ميل قبل أن يلحظ تسريب جسيم في طاقتها رغم الشحن، وقد يصل تحملها لمواصلة العمل حتى 200,000 ألف ميل، ما يعادل 17 عاما من الاستهلاك، في هذه الحالة يلزم تغيير البطاريات.

 

After Content Post
You might also like