معقمات قاتلة في الأسواق المصرية.. رحلة البحث عن كحول معقم مضمون (تحقيق بالصور والفيديو)

اشترك لتصلك أهم الأخبار

من شارع الجامع الأحمر «نهاية ميدان العتبة» باتجاه شارع رمسيس بوسط القاهرة، تتفرع أزقة ضيقة، اصطفت المحال التجارية على جانبيها. بمجرد أن تخطو بقدمك حتى يلتقط أنفك رائحة كريهة صادرة من عبوات تم تجميعها وتفريغها من أدوية منتهية الصلاحية لإعادة استخدامها في تعبئة الكحول المفترض استخدامه للتعقيم ضد فيروس كورونا «كوفيد 19».

على أحد جانبي محل صغير، اصطفت أجولة بلاستيكية مليئة بالعبوات القديمة، في مقدمة المحل وقف رجل في عقده الخامس أشيب الشعر، أمامه «بانيو» يكسوه الصدأ، تعوم في مياهه القذرة عبوات من الفنيك، وهي مادة قاتلة تستخدم في القضاء على الحشرات، وتطهير بعض أرضيات المصانع والمستشفيات. يتوسط المحل الصغير، برميل ضخم تسبح في مياهه القاتمة عبوات فارغة، تنتظر تجفيفها بقطع قماش أكثر اتساخًا لإعادة استخدامها في تعبئة الكحول.

يُشير الرجل الأربعيني بيده إلى العبوات قائلاً: «هي صالحة لتعبئة الكحول بعد غسلها جيدًا. سعر القارورة الفارغة 4 جنيهات».

زجاجات قديمة تستخدم في تعبئة الكحول

مع ذروة انتشار فيروس كورونا المستجد في موجته الأولى، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن حتمية استخدام «الكحول الإيثيلي» كمطهر للأيدي والأسطح للوقاية من العدوى، فبدأ التهافت على استهلاك المعقمات بكافة أحجامها وأشكالها.

كغيري من المصريين، وأنا أم لطفلة لم تبلغ العام؛ أصابني الخوف وبدأت البحث عن وسيلة للحماية والوقاية، بدأت بالتزود بالمنظفات والكلور كما أشارت التعليمات وبقي العنصر الأكثر استخدامًا أي «الكحول المعقم».

كنت أعتقد أن الأمر بسيط. توجهت إلى الصيدلية أطلب زجاجة كحول بتركيز 70%، فأجابني الصيدلاني بتهكم: «لو لقيتي هاتيلي. مصر كلها معندهاش سيرة غير الكحول»؛ كان ذلك في 10 مارس الماضي.

خرجت وأنا على ثقة أنني سأجد طلبي لدى معارفي من الصيادلة لأبدأ رحلة البحث المضني عن قارورة كحول نسبة تركيزها لا تقل عن 70%، وكانت معها بداية هذا التحقيق الذي سيكشف غشاً مزدوجاً؛ أولاً على مستوى المواد المعقمة نفسها المخلوطة بالماء بحيث تنخفض نسب الكحول فيها إلى ما دون الـ 70% وهي النسبة الضرورية للحماية من كوفيد-19، وثانيًا على مستوى القارورات (المعنى واحد لكن كلمة زجاجة متداولة ومفهومة بالنسبة للجمهور أكثر من قارورة، وهى الأكثر استخداما خاصة في تعبئة الكحول) المعبئة يدوياً من دون أدنى شروط الصحة والنظافة.

كراتين مليئة بعبوات قديمة لاستخدامها في تعبئة الكحول

في تلك الشوارع الضيقة، زحام شديد وعمال منهمكون بنقل عبوات «مغسولة» في أكياس بيضاء وتوزيعها على المحلات ثم بيعها لتجار انتشروا في الشوارع يفاصلون الأسعار والأحجام؛ فهناك عبوات سعة 50 مل، 100 مل، و150 مل، تتراوح أسعارها بين 5 و10 جنيهات أي أقل من دولار واحد.

ويُعاد استخدام العبوات في تعبئة الكحول المخفف الذي لم يعد يقتصر بيعه على الصيدليات، بل أصبح يباع في السوبرماركت ومحال المنظفات والعطور، وعلى الأرصفة.

عاينت معدة التحقيق، عشرات المحال الممتدة في الشارع نفسه، لترصد صنفين من العبوات المعدة للتعبئة اليدوية. الأولى قديمة ومستخدمة، تُغسل لبيعها كتلك المذكورة سابقاً، وأخرى جديدة غير مستخدمة ومستوردة من الصين، ويصل سعر الأخيرة سعة 100 مل إلى 15 جنيهاً بحسب تجار شارع الجامع الأحمر وكلوت بك.

المشهد أشبه بمزاد علني؛ يقف بائعو العبوات على كرسي مرتفع فيما التجار حولهم يتزاحمون ويتسابقون للحصول على ١٠٠ عبوة بعدما كانوا قادرين على شراء 500 قبل وقت وجيز. فمع الإقبال الشديد على العبوات بدأ الاحتكار ورفع الأسعار وقرر البعض ألا يبيع أكثر من مئة عبوة دفعة واحدة كيلا تنفد البضاعة سريعاً، ولتحقيق مكاسب أكبر إذا ما ارتفعت الأسعار.

اللافت أن سعر العبوة البلاستيكية وشكلها، يتطابق مع علب الكحول (المخفف ليصل تركيزه 70%) المرخصة التي تباع بالصيدليات بـ 5 جنيهات وبغطاء رشاش.

لكن من أين تأتي هذه القوارير؟ ربما من جمع النفايات. توجهنا سريعاً بالسؤال إلى رئيس نقابة الزبالين شحاتة مقدس، لينفي نفياً قاطعاً ويؤكد أن «كل ما يتم تجميعه من عبوات بلاستيكية من القمامة يجري تكسيره ثم صهره، ليدخل في خطوط غسيل ويصبح كالخرز، وهي مادة يعاد تصنيعها (في مصانع إعادة تدوير البلاستيك في القاهرة) تحت درجة 3000 مئوية». فبقي السؤال معلق،، لنعود نبحث في المواد التي يتم تعبئتها فيها.

وخلال 3 ساعات قضيناها بين شارع كلوت بك والجامع الأحمر، علمنا أن السائل الذي يعبأ داخل القوارير يباع في «شارع الجيش» الموازي.

إحدى الزجاجات مملوءة بسائل يعبأ على أنه كحول

الوضع في شارع الجيش لا يختلف عن العتبة. هنا أيضاً محال صغيرة تراصت لبيع الكيماويات، ويصل سعر الجركن فيها إلى 3 آلاف جنيه، وهي جراكن بيضاء أو زرقاء لا تحمل أي بيانات أو ماركة مسجلة، لكن البائع يقول إن تركيز الكحول فيها 76%.

زجاجات قديمة مخزنة لتعبئتها بالكحول المخفف

وجدنا زجاجة لتر من شركة معروفة نسبياً تدعى «العالمية» كتب عليها إن تركيز الكحول فيها 95% وتباع في الشركة بـ 25 جنيهاً، لكن سعرها هنا وصل إلى ألف جنيه.

كحول مغشوش

سألنا أحد التجار عن إمكانية شراء كميات من تلك الزجاجات المعبأة، فأخذنا إلى غرفة في منزل متهالك يطل على الشارع الرئيسي لباب الشعرية. في غرفة بلا تهوئة، وجدنا شابين في العشرينيات يقومان بخلط برميل من المياه معبئة من الحنفية (نحو ٢٥٠ لتراً) بـ ٢٠ لتراً من الكحول لتعبئة ثلاثة آلاف عبوة، سعر الواحدة يتراوح بين ١٥ و٢٠ جنيهًا.

بانيو يكسوه الصدأ تعوم في مياهه عبوات من الفنيك

في الشارع نفسه، محل يبيع كل أنواع المنظفات والمطهرات المقلدة لشركات كبيرة وعالمية. نفس العبوات التي رصدناها في شارع كلوت بك تباع هنا على أنها المنتج الأصلي لشركة ديتول إذ يصعب تمييزها من حيث الشكل والتغليف ووضع تسعيرة واضحة أعلى الرف هو ٤٠ جنيهًا للعبوة الصغيرة.

استشاري التحاليل الطبية وصاحب إحدى شركات المواد الكيماوية الدكتور مصعب داود قال: «ما يباع في الأسواق ويروج له على مواقع التواصل، مجرد قارورات شفافة سعة ١٠٠ مل بلا اسم شركة مصنعة ولا أي معلومات، غطاؤها ليس مضغوطًا أو محكم الإغلاق كما هي عبوات الكحول المعروفة».

وأضاف: «غالبية هذا الكحول ممزوج بماء، ويمكن قياس ذلك باختبار بسيط عبر رشه على اليد وملاحظة إنه لا يتبخر، كما أن رائحته مختلفة عن رائحة الكحول المعروفة ولا يشتعل بسهولة، ناهيك عن أن العبوة مجهولة المصدر».

وفقًا للمركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن الكحول الإيثيلي غاز شفاف عديم اللون يُعرف بالسبيرتو الأبيض، يجري تصنيعه من تخمير العنب، قصب السكر، التفاح، ويُسمح باستخدامه آدميًا، ويُستخدم بتركيز يتراوح بين 60 و95 في المئة في تعقيم اليد والقضاء على البكتيريا والفيروسات، والقضاء على فيروس كورونا، وأيضاً يستخدم في تطهير الجروح، وتعقيم الأسطح والأرضيات، وآثاره الجانبية، تتمثل في احمرار وحروق بسيطة عند استخدامه على الجلد. وتحدد منظمة الصحة العالمية النسبة المثالية بـ 70 في المئة، كما تضع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية اشتراطات وقياسات لمدى صلاحية معقمات الأيدي والكحول الإيثيلي.

تحليل مخبري

قامت معدة التحقيق بشراء 4 عينات عشوائية من الكحول والمطهرات المطروحة في الأسواق، لتحليلها بمصلحة الكيمياء وهي الجهة الحكومية المنوط بها تحليل الكحول. وقمنا بتسليمها إلى معمل مصلحة الكيمياء يوم 22 إبريل الماضي للكشف عما تحتويه.

كشفت نتيجة التحليل- والتي حصلنا عليها في اليوم التالي مباشرة- أن العينة تحتوي على «كحول الميثانول»، وحصلنا على تقرير رسمي من المصلحة بذلك.

وعلق رئيس مصلحة الكيمياء المهندس مجدي فهمي، قائلاً: إن المصلحة تستقبل يوميًا 500 عينة كحول للكشف عنها من الجهات الرقابية، مؤكداً أن 100 عينة من ضمن الـ500 تكون مغشوشة، ويتم إرسال نتائج التحاليل للجهات الرقابية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

ورفض فهمي توضيح ما إذا كانت العينات المغشوشة تتبع شركات حكومية أو خاصة، معللا ذلك بأنها «أسرار الجهات الرقابية»، مشيراً إلى أن هناك 8 فروع تتبع المصلحة على مستوى الجمهورية للكشف عن السلع ومعرفة إذا كانت مطابقة للمواصفات والجودة أم لا.

أبرز أصناف الكحولات في مصر

شركات إنتاج الكحول الحكومية

هناك جهات حكومية، تُنتج وتوزع الكحول الإيثيلي أولها، شركة التقطير والكيماويات التابعة لمصنع السكر والصناعات التكاملية بالحوامدية جنوب محافظة الجيزة، وأبوقرقاص بمحافظة المنيا جنوب مصر وهي فرع لمصنع السكر بالصعيد، وشركات أخرى تقتصر على التوزيع.

يبلغ إنتاج شركة مصنعي شركة التقطير اليومي 300 ألف لتر نقي، مقسمة بين مصنعي تقطير الحوامدية وأبوقرقاص بصعيد مصر، وكانت تُباع جميع هذه المنتجات في منافذ شركة السكر البالغ عددها 200 منفذ. وبعد أزمة كورونا، أرسلت الشركة مقترحاً لوزارة الصحة المصرية يفيد بإنتاج كحول مخفف بتركيزات 72% وأرسلت عينات لوزارة الصحة لنيل الموافقة على طرحه في الأسواق، ولم يبت في الاقتراح المقدم حتى الآن، بحسب تصريحات رئيس شركة السكر والصناعات التكاملية محمد عبدالرحيم.

أبرز أصناف الكحولات في مصر

ينتج مصنع السكر بالحوامدية- وهو إحدى شركات قطاع الأعمال ويتبع حاليا وزارة التموين- حوالي 300 مليون لتر سنويًا من الكحول النقي، يتم تصديرها إلى الدول الأوروبية والعربية خاصة وأنه المصنع الحكومي الوحيد بالشرق الأوسط لإنتاج الكحول من مولاس القصب.

أما الجهة الحكومية الثانية المنوط بها التوزيع فهي الشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية، إحدى شركات قطاع الأعمال العام التابعة لوزارة قطاع الأعمال. وتقوم 5 شركات تابعة للشركة القابضة بتوزيع الكحول الإيثيلي؛ «النيل للأدوية والصناعات الكيماوية، وممفيس للأدوية والصناعات الكيماوية، والشركة العربية للأدوية والصناعات الكيماوية، وشركة النصر للكيماويات الدوائية، وشركة الجمهورية للأدوية»، بحسب الموقع الرسمي للشركة.

بحسب بيان صادر عن وزارة قطاع الأعمال العام، يبلغ إنتاج الشركات من المطهرات 4 أطنان يوميًا من الكحول بتركيز 70%، 75 ألف عبوة يوميًا سعّة 110-200 مللي للاستخدام الشخصي، بالإضافة إلى 20 ألف عبوة سعة 1 لتر.

وفي إبريل الماضي، حين اشتدت أزمة فيروس كورونا، اتفقت نقابة صيادلة الإسكندرية مع شركة التقطير بالحوامدية على توفير 40 عبوة سعّة لترًا، بعد تقديم إخطار ضريبي، وفق تصريحات الدكتور محفوظ والصيدلي على أحمد ورئيس شركة السكر.

أبرز أصناف الكحولات في مصر هي:

كحول إيثيلي وهو مصرح للاستخدام البشري كمطهر بعد تخفيفه إلى 70% ويدخل في صناعة المشروبات الكحولية.

كحول ميثانول وهو غير مصرح به إلا في الصناعات الكيماوية، ولا يصلح للاستخدام الآدمي لاحتوائه على مادة سامة قد تسبب أضراراً بالغة تصل إلى العمى أو سرطان الجلد.

كحول الايزوبروبانول يتم استيراده بكميات قليلة للأغراض البحثية داخل كليات العلوم بالجامعات المصرية ولبعض صناعات مستحضرات التجميل.

وذلك وفقا لتصريحات رئيس شركة السكر المهندس عبدالرحيم، والدكتور محفوظ ومسؤولة شركة الجمهورية القابضة أثناء إجراء التحقيق.

رئيس لجنة تصنيع الدواء بنقابة الصيادلة الدكتور محفوظ رمزي، هو أيضاً عضو مجلس إدارة غرفة الدواء باتحاد الغرف التجارية، أكد أن «50% من الكحول بالسوق مغشوش»، ما رصده «من خلال شكاوى الصيادلة بالإضافة إلى متابعته من خلال مضبوطات حماية المستهلك». وشرح رمزي أنه حاول أكثر من مرة شراء كحول لكنه كان يقوم باختباره عن طريق اللهب، وهي طريقة أخرى لكشف الفاعلية.

لهب الكحول الأصلى

أرجع محفوظ ما يجري إلى أن «شركة السكر» المنتجة للكحول الإيثيلي باعت كميات ضخمة للتجار الذين قاموا بغشه وإضافة مياه إليه لكسب أرباح ضخمة، بالإضافة إلى نوع آخر من الغش وهو إضافة كحول الميثانول السام وبيعه للجمهور. ولم تتخذ النقابة أي إجراء «لأنها ليست جهة رقابية على التجار» حسب قوله.

حدد قانون الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 وتعديلاته، كمية الكحول درجة تركيز 95%، وكمية الكحول العادي، التي يجوز تخزينها داخل الصيدلية بـ50 لتراً من كل نوع.

ووفقًا للمادة 63 من القانون أيضًا، فإن الكحول والمطهرات يعدّ من المواد الدستورية التي يجوز تعبئتها وتجهيزها بالصيدلية مع لصق البيانات الاسترشادية اللازمة على العبوة وتسجيلها بدفتر التركيبات؛ ما يُعطي الحق للصيدلي في تحضيرها بنفسه داخل الصيدلية.

لذا توجهنا إلى رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، على عوف فقال: «متوسط سعر لتر الكحول حاليًا يتراوح بين 60 و65 جنيهًا»، لافتًا إلى أنه «من حق الصيدلي شراء الكحول من أي شركة توزيع مثل شركة الجمهورية أو النصر أو غيرهما».

يرى عوف، أن الصيدلية المنفذ الرسمي الوحيد لبيع الكحول، لأن الصيدلاني ملزم بتقديم فواتير شراء الكحول التي توضح جهة الشراء والأسعار للتفتيش الصيدلي التابع لوزارة الصحة المصرية، وأي غش سيعرضه لغرامة تتراوح بين 20 و50 ألف جنيه وعقوبة بالحبس لا تقل عن سنة.

ولكن، في مكاتب المستلزمات الطبية بشارع القصر العيني في وسط القاهرة، أحد أهم شوارع العاصمة لتمركز مكاتب وشركات المستلزمات الطبية، وجدنا بعض أنواع الكحول غير المعروفة، معبأة بطريقة بدائية، تحمل لاصقاً أبيض يستخدم لالتئام الجروح مكتوب عليه بقلم حبر: «كحول تركيز 70%».

بسؤال أحد العاملين عن مصدر العلبة أكد أنها «معبأة في شركات مستلزمات الأدوات الطبية؛ لأن أصحابها استطاعوا منذ بداية الأزمة الحصول على كميات كبيرة من الكحول».

ويشرح الصيدلاني على أحمد صاحب صيدلية بمنطقة أكتوبر: «معظم الصيادلة امتنعوا عن بيع الكحول في الفترة الأخيرة بسبب نقصه عبر الموردين المعتمدين المضمونين مثل شركة الجمهورية والنصر، حيث نفدت الكميات مع بداية الأزمة».

أضاف: «أصبحنا عرضة للنصب من قبل التجار الذين استحوذوا على الكميات المتبقية في السوق حتى وصل سعر اللتر إلى ألف جنيه أحياناً».

ولفت إلى أن المصدر الوحيد المضمون حاليًا هو شركة السكر والصناعات التكاملية: «لكن هناك زحاماً شديداً والكحول غير متوفر لصيادلة المحافظات والأقاليم، وقد ينتظر الصيدلي 48 ساعة أمام الشركة كما حدث الفترة الماضية لكى يحصل على 40 لترًا فقط بتكلفة تتعدى ٢٠٠٠ جنيه بعد إضافة أسعار النقل والتوصيل، لذلك امتنع البعض عن البيع، وتُركت السوق للتجار والمحلات الكبرى.

وأوضح أحمد أن «الشركات رفعت سعر التوريد فيما كثفت الأجهزة الرقابية التفتيش على الصيدليات على رغم أنها الجهة الوحيدة بالسوق التي تمسك دفاتر وفواتير، وتجاهلت محلات بيع العطور والمنظفات التي سيطرت تماماً على البيع وأصبح الصيدلى هو المتهم بالجشع».

سائل مغشوش يعبأ على أنه كحول

من جهته، يرى الصيدلي هاني سامح، أحد الناشطين في المجال الصيدلي، أن الكحول في الأسواق مغشوش ولا يتعدى تركيزه نسبة 30%، مدللاً أنهم اكتشفوا الأمر بعد شكوى عدد كبير من الصيادلة، بعدما اشتروا كميات من الكحول من بعض التجار.

كان التفتيش الصيدلى بمحافظة البحر الأحمر، أعلن يوم 14 مارس الماضي على صفحته الرسمية، ضبط 2393 عبوة كحول معبأة مخلوطة بمادة التنر السامة، في إحدى المحلات الكبرى لبيع المنظفات وذلك بعد تقديم شكوى من أحد المواطنين.

«سامح» يقول إن شكوى الصيادلة كشفت أن الكحول مغشوش حيث تم خلطه بمياه بنسبة أعلى من المقررة حسب المواصفات القياسية المصرية، أو أنه يحتوي على كحول من نوع «الميثانول» السام، ويستعين به التجار لرخص ثمنه، إذ لا يتعدى سعر اللتر 8 جنيهات.

يوضح، أن الكحول الإيثيلي يُستخرج من تخمير القصب والعنب، مقارنة بكحول الميثانول السام المستخرج من الخشب، لافتا إلى أنه يمكن التفرقة بينهما عن طريق إشعال النار في جزء من الكحول، وهي التجربة الأكثر شيوعًا. ويُتابع: أن الكحول الإيثيلي يتميز بأنه «برتقالي هادىء»، أم الميثانول فذي لهب «شفاف».

https://www.youtube.com/watch?v=5ojzsJjZcE8

رد الجهات الرقابية

تحدثنا إلى رئيس «شركة السكر» الحكومية، المهندس محمد عبدالرحيم، فقال: «حجم إنتاج الكحول الإيثيلي يبلغ ٣٠٠ ألف لتر يومياً توزع على شركات تصنيع الدواء ومستحضرات التجميل ومصنع الشبراويشي للعطور، وشركات أخرى تستخدم الكحول في أغراض صناعة الدواء»، مؤكدًا أن «أولوية التوزيع للعملاء القدامى فقط، تجنبًا لبيع الكحول للتجار وغشه».

وأشار عبدالرحيم إلى أن الكحول يجري تصنيعه من مولاس القصب وهو أنقى أنواع الكحول ونسبته لا تقل عن ٩٥%، مشيرًا إلى أن «المواد المغشوشة المنتشرة بالسوق سببها جشع التجار ورغبتهم في تحقيق مكاسب باهظة، لذلك أصدر تعليمات بعدم بيع الكحول إلا لشركات الدواء أو الشركات التي تقدم سجلها الصناعي الذي يفيد أنها تستخدمه لأغراض محددة».

وعلى رغم تأكيد عبدالرحيم، أن المصنع لا يُنتج سوى الكحول الإيثيلي، إلا أننا علمنا أن المصنع كيماويات الحوامدية التابعة لشكر السكر والصناعات التكاملية يُنتج مذيبات وأحبار تستخدم كمطهرات، بحسب دراسة للمهندس حسن كامل حسن، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة أسيك الصادرة في 2012.

ويُعلق عبدالرحيم قائلاً: «يمكن لأي عميل شراء الأحبار والمذيبات ثم بيعها للجمهور على أنها كحول إيثانول نقي» هذه مسؤولية الجهات الرقابية ومباحث التموين، ونحن كمصنع لا دخل لنا في غشه أو الرقابة عليه مجرد خروجه من باب الشركة».

كما يقول اللواء راضي عبدالمعطي، رئيس جهاز حماية المستهلك السابق، إنه بالتعاون مع التموين قاموا بـ «حملات للسيطرة على السوق، خاصة بعد وصول معلومات بغش الكحول، وضبط مصنعًا بمنطقة قليوب بمحافظة القليوبية وآخر بمحافظة بني سويف»، كما «جرى إغلاق مصنع آخر لإنتاج المنظفات والمطهرات بدون ترخيص وبداخله من عبوات الچل وكميات كبيرة من مواد خام من نفس المطهرات وعبوات فارغة معدة للتعبئة».

ويُضيف، أنه من خلال الحملات التي شنها الجهاز جرى ضبط مخزن بمدينة العاشر من رمضان به 3 أطنان من كحول الميثانول لبيعه على أنه إثيلي، بحسب أقوال المتهمين في تحقيقات جهاز حماية المستهلك. وناشد عبدالمعطي المواطنين «بالإبلاغ عن أي كحول أو مواد مطهرة مغشوشة من خلال الخط الساخن 19588».

تابع: «هناك تنسيق على مدار الساعة بين الجهاز ومفتشى التموين لضبط السوق وتحرير محاضر للمخالفين انطلاقاً من شكاوى المواطنين»، بالاعتماد على «شك المواطن في رائحة الكحول أو وجود عكارة بالقارورة».

وأصدر الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء قرارا رقم 17 لسنة 2020 حصلنا على نسخة منه يقضي «بتغليظ عقوبة غش الكحول والمطهرات وهي الحبس عاما، ودفع غرامة مليون جنيه بدلا من 10 آلاف جنيه كما كان معمول به حتى يوم 16 إبريل الماضي». وشدد القرار على تحديد تسعيرة جبرية للكحول، وهى 55 جنيها للكحول النقي، و35 جنيها لتركيز 70%.

اتصلنا مرة أخرى برئيس شركة السكر بعد أسبوع من صدور قرار رئيس مجلس الوزراء لمعرفة مدى تطبيقه، والذي كان مفترض أن ينفذ بعدها بثلاثة أيام من إعلانه ونشره بالجريدة الرسمية، إلا أنه أكد «لم يتسلم أي قرار بشكل رسمي، وملتزم بالتسعيرة القديمة حتى يجري تغيير قيمة الضرائب». وذلك حتى نشر التحقيق.

** هذا التحقيق أعد بالتعاون مع مؤسسة «أريج» للصحافة الاستقصائية

  • الوضع في مصر

  • اصابات

    133,900

  • تعافي

    110,436

  • وفيات

    7,466

After Content Post
You might also like