الإمكانات المستقبلية لوقود الهيدروجين | صحيفة الاقتصادية

يرى العالم أن الهيدروجين إما أداة لتحقيق الأهداف الطموحة لإزالة الكربون أو فرصة اقتصادية للتصدير. الدول المصدرة للهيدروكربونات ذات الموارد الشمسية العالية في الشرق الأوسط، الدول الصناعية المستوردة للطاقة في آسيا وأوروبا، الدول الغنية بالغاز مثل روسيا، والدول الغنية بالفحم مثل أستراليا، تظهر جميعها اهتماما كبيرا بالهيدروجين. حيث يمكن تطوير الهيدروجين إلى مصدر طاقة يتم تداوله عالميا، مثل النفط والغاز.
لكن، يمكن أيضا إنتاجه محليا، ما يقلل الاعتماد على الوقود المستورد. الهيدروجين أساسا ليس مصدر طاقة، بل إنه ناقل للطاقة. يمكن إنتاج الهيدروجين عن طريق تفكيك الهيدروكربونات – الفحم والغاز والنفط – من خلال عمليات حرارية تعرف باسم الإصلاح التحفيزي Catalytic Reforming. يمكن أيضا استخدام تيار كهربائي لفصل الماء إلى مكوناته الأساسية من الأكسجين والهيدروجين باستخدام عملية التحليل الكهربائي. يتطلب الهيدروجين المنتج من الهيدروكربونات عزل الكربون بشكل مستمر ليكون منخفض الكربون. الهيدروجين المنتج من التحليل الكهربائي هو اليوم أكثر تكلفة، لكن مع زيادة الاستثمار في مشاريع كبيرة، ستنخفض التكاليف بسرعة.
في الواقع، بعد عقود من الركود، يبدو أن اقتصاد الهيدروجين مهيأ لانطلاق كبير. حيث يستثمر عدد متزايد من الدول والصناعات بشكل استباقي في تقنيات الهيدروجين، مع وصف الهيدروجين بأنه وقود المستقبل.
وفي الوقت نفسه، يتوقع خبراء الصناعة أن الهيدروجين يمكن أن يصبح مصدر طاقة يتم تداوله عالميا، تماما مثل النفط والغاز، في حين يقول بنك أوف أمريكا – سابقا يعرف بنك أوف أمريكا ميريل لينش -: إن الصناعة في نقطة تحول ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الهيدروجين إلى 11 تريليون دولار.
بالفعل قبل بضعة أشهر، وضع الاتحاد الأوروبي استراتيجيته الجديدة للهيدروجين كجزء من هدفه المتمثل في تحقيق الحياد الكربوني لجميع صناعاته بحلول عام 2050 وسيشهد قيامه بتطوير ما لا يقل عن 40 جيجاواط عن طريق التحليل الكهربائي داخل حدود الاتحاد وكمية مماثلة من طاقة الهيدروجين الخضراء في الدول المجاورة التي يمكنها التصدير إلى الاتحاد الأوروبي في التاريخ نفسه. والآن يتطلع القطاع الخاص إلى منح الاتحاد الأوروبي فرصة للحصول على أموال للاستثمار.
لقد تعاون قادة الهيدروجين الأخضر في العالم مع هدف طموح لرفع إنتاج الهيدروجين الأخضر 50 ضعفا في خلال الأعوام الستة المقبلة. من المثير للاهتمام، أن الهيدروجين يجمع بين منتجي الوقود الأحفوري التقليدي – مثل النفط، الفحم، والغاز – مع منتجي الطاقة المتجددة. الكهرباء، والأهم من ذلك الكهرباء المنتجة عن طريق طاقة متجددة، تثير الاهتمام السياسي وتسمح بالقبول السياسي والمستهلك.
على سبيل المثال: مبادرة الهيدروجين الأخضر Green Hydrogen Catapult Initiative تجمع شركاء من المجموعة السعودية للطاقة النظيفة أكوا باور، مطور المشروع الأسترالي CWP Renewables، عمالقة الطاقة الأوروبية Iberdrola و Ørsted، وشركة Envision الصينية لتصنيع توربينات الرياح، مجموعة الغاز الإيطالية Snam، وشركة يارا النرويجية المنتجة للأسمدة. تأمل هذه الشركات إنتاج 25 جيجاواط من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2026، وهذا يمكن أن يخفض بشكل كبير تكاليف الهيدروجين إلى أقل من دولارين لكل كيلوجرام، ما يجعل مصدر الوقود منافسا للوقود الأحفوري في توليد الطاقة. يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام مصادر الطاقة المتجددة كمصدر للطاقة في التحليل الكهربائي للمياه.
تعد التكاليف المرتفعة السبب الرئيس وراء تباطؤ سوق الهيدروجين في وقت يزدهر فيه قطاع الطاقة المتجددة. في الواقع، يعد هذا سببا رئيسا لتحول المركبات الكهربائية بسرعة إلى الاتجاه السائد، بينما تظل مركبات خلايا وقود الهيدروجين محدودة الانتشار.
على سبيل المثال، تزويد سيارة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين في ولاية كاليفورنيا يكلف نحو 16.5 دولار للكيلوجرام الواحد مقارنة بـ 3.182 دولار لكل جالون من البنزين العادي في الولاية نفسها. عادة ما تكون خلايا وقود الهيدروجين خفيفة الوزن وأكثر كفاءة في استهلاك الوقود بمقدار 2.5 مرة مقارنة بالمركبات التي تعمل بالبنزين، ما يعني أن تحقيق التكافؤ في السعر مع البنزين يتطلب بيع كيلوجرام واحد من الهيدروجين بما لا يزيد على 8.08 دولار. في حين أن اقتصادات السيارات الكهربائية أفضل بكثير. حيث يدفع سائق المركبة الكهربائية في المتوسط حاليا 1.23 دولار لكل eGallon مقارنة بـ 2.16 دولار للجالون من البنزين العادي لسائق محركات الاحتراق الداخلي. وبالتالي، فإن خفض تكاليف الهيدروجين إلى أقل من دولارين لكل كيلوجرام، من المحتمل أن يغير اقتصادات نظام الهيدروجين بأكمله لأنه قد يعني أنه لأول مرة على الإطلاق، يصبح الهيدروجين أرخص من الغاز.
في الواقع، يشير تحليل حديث أجراه مجلس الهيدروجين إلى أن دولارين لكل كيلوجرام يعد نقطة تحول مطلوبة لجعل الهيدروجين الأخضر وأنواع الوقود المشتقة منه قادرة على المنافسة في توليد الطاقة، إنتاج الفولاذ والأسمدة والشحن البحري بعيد المدى. في الوقت الحاضر يتم اختبار الأمونيا الخضراء، المصنوعة من الهيدروجين الأخضر، في الصناعة البحرية وأيضا كبديل محتمل للوقود الأحفوري في توليد الطاقة الحرارية. مقارنة بأقرانها من الوقود الأحفوري، تنتج الأمونيا الخضراء صفر كربون عند حرقها، وتتميز بكثافة طاقة أعلى بنسبة 80 في المائة من الهيدروجين، وهي أكثر أمانا من الهيدروجين.
يقول اتحاد منتجي الهيدروجين الأخضر: يمكننا توقع رؤية دولارين لكل كيلوجرام من الهيدروجين في غضون أربعة أعوام فقط. حيث لا ترى الصناعة أي عوائق فنية أمام تحقيق ذلك، لذا فقد حان الوقت للاستمرار في جهود خفض التكاليف من خلال التوسع في عمليات الإنتاج. بالفعل، بعد النجاح في توفير الطاقة الكهروضوئية في مناطق جغرافية معينة بأقل بكثير من سنتين أمريكيين لكل كيلوواط / ساعة، يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة أكوا باور السعودية أن الإبداع الجماعي وريادة الأعمال في القطاع الخاص يمكن أن يوفرا الهيدروجين الأخضر في غضون أربعة أعوام بأقل من دولارين أمريكيين للكيلوجرام. في العام الماضي، دشنت أرامكو السعودية وشركة إير برودكتس، أول محطة لتزويد السيارات بوقود الهيدروجين في المملكة، ويتميز بخمس مزايا تمكنه من التفوق على بقية مصادر الطاقة الأخرى وتجعله وقودا بديلا للمستقبل، أبرزها أنه صديق للبيئة، غير مكلف ويمكن تزويد المركبة في خمس دقائق بعكس السيارات التي تعمل بالبطاريات وتحتاج إلى ساعة كاملة.
مما لا شك فيه أن الهيدروجين وقود نظيف خال من الانبعاثات، لا يصدر من احتراقه سوى رذاذ الماء، ويمكن إنتاجه بلا تلويث من أي مصدر متاح للطاقة. فهل سيكون الوقود الذي يحرك وسائل النقل في المستقبل؟

After Content Post
You might also like