مشاهد منسية فى دراما تصفية شركة الحديد المصرية

كتبت: ريم صبري

شركة الحديد والصلب المصرية قلعة الصناعات الثقيلة لإنتاج الحديد والصلب، فكرة أنشائها في مصر ولدت عام 1932 بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان، وظلت في إطار الحلم حتى تحققت على أرض الواقع حين أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراره بتأسيس شركة الحديد والصلب يوم 14 يونيو 1954 في منطقة التبين بحلوان كأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب في العالم العربي برأسمال 21 مليون جنيه، لتكون أكبر شركة للحديد والصلب في مصر والشرق الأوسط ، وكذلك قرر إنشاء مدينة سكنية للعاملين بها ببناء 550 وحدة سكنية (مدينة الحديد والصلب   لتكون أول مجتمع صناعي في مصر تتوافر فيه المرافق و الخدمات ” مدارس – نادي – سوق – مستوصف للخدمات الطبية وغيره الكثير من الخدمات “، بما يضمن للعامل مستوي اجتماعي جيد له ولأسرته مدي الحياة، ولضمان توفير العمالة المدربة الماهرة  تم انشاء مركز للتدريب المهنى ثلاث سنوات بعد الاعدادية ومدرسة التلمذة الصناعية بعد الابتدائية ثلاث سنوات ومدرسة صناعية فنية متقدمة وكلها تابعة للشركة ومزودة بالمعامل والورش التدريبية لتوفير عمالة مهنية مدربة علي أعلي مستوي والعمل بها بعد تخرجه  واستمر العمل في بناء المجمع علي الرغم من ظروف العدوان الثلاثي بفضل التعاون الكبير بين كافة أجهزة الدولة المختلفة حتي افتتحها الرئيس جمال عبد الناصر في 27 يوليو 1958 لتبدأ الإنتاج في نفس العام باستخدام فرنين عاليين صُنعاً بألمانيا، وزادت السعة الإنتاجية للمجمع باستخدام فرن عالٍ ثالث صناعة روسية عام 1973، حين وصل للمصنع الفرن الرابع بغرض زيادة إنتاج الشركة من الصلب عام 1979، ليضم المجمع بذلك أربعة أفران كهربائية عالية الجودة، وقد بلغ عدد العاملين بالشركة حوالي 28,000 عامل أواخر الثمانينات وقد مثلت الشركة النواة التي تأسست عليها مدينة الحديد والصلب السكنية التي شكلت مجتمعاً متكملاً متجانساً رغم الاختلاف الجغرافي لسكانها حيث أتوا من محافظات عدة باختلاف ثقافاتهم وعاداتهم بفضل انصهارهم في مجتمع صناعي واحد، ارتبط ازدهاره بتطور الشركة وتقدمها حتي بدأ تطبيق نظام المعاش المبكر في إطار برامج الهيكلة بما يشمل تقليص أعداد العاملين بالشركة بعد توقف بعض قطاعات الشركة عن الإنتاج تدريجياً ليصل عدد العاملين ليصل الي حوالي 7000 عامل وقت قرار التصفية النهائية للشركة في أول يونيو 2021 .

ذلك اليوم الذي انطفأت فيه لأول مرة منذ 67 عاماً الأفران العالية بالمصنع. وتوقف فيه العمل نهائياً هذا اليوم يبقي أسوأ يوم في تاريخ المدينة حسب وصف أهلها بأنه ليس يوم تصفية الشركة فقط بل هو يوم تصفية المدينة.

تجولت جسور بسوق المدينة بمحلاته ودكاكينه المغلقة ورصدت ردود أفعال قرار التصفية الصادم المفاجئ حسب وصف أهلها حيث كانوا و مازالوا يأملون بل يتعلقون بأمل قرار سيادي من الرئيس السيسي شخصيا بإعادة النظر في قرار التصفية وهو ما عبر عنه

عم سيد سعد وريث صاحب أول محل بقالة بالمدينة قائلاً:

مع تصفية الشركة وقفل المصنع، حركة البيع والشراء وقعت خلاص  كان والدي كان يجي قبل الفجر وانا معاه قبل وردية الصبح كنت بحضر له ورق جنبه أيام الربع جنيه والنص جنيه كميات كبيرة للعمال، كنا بنشتغل الـ 24 ساعة شغل علي الورادي التلاتة والفلوس داخلة عليا وعلي الناس والرزق كان كتير، ولما الناس بدأت تطلع معاش من سنين كل ما يمشي حد من بتوع المدينة بتوع زمان أحنا بنتأثر والسوق كله، لما قرروا بالتصفية العملية بقت نايمة بطريقة رهيبة علي الناس كلها وحالنا كلنا في السوق واقف وعلي فكرة مش في الصلب بس ولكن في المنطقة الصناعية بعد بيع و تصفية القومية للأسمنت والكوك،

زمان كنت بقدر أجيب بضاعة واخزنها دلوقتي أجيب أي حاجة يدوب اعرف امشي نفسي بعينات بس وبصراحة انا بفكر اسيب المنطقة واقفل المحل مبقاش لينا رزق فيها ومش أنا لوحدي ناس كتير غيري بتفكر تقفل وتسيب المدينة لأننا مش قادرين ندفع ضرايب وتأمينات وكهربا ولا إيجار هندفع كل ده منين وبالرغم من ده كله عندي أمل أن الشركة ترجع تاني و ياريت الشركات كلها مش الحديد والصلب بس .

من جانبها تساءلت “ن.ف” من أمام دكانها الذي ورتثه عن والدها أحد مؤسسي سوق المدينة. قائلة:

“هنمشي نروح فين معندناش مصدر دخل غير ده لو المصنع ده اتصفي بيوت كتيرة هتتقفل وعيال كتيرة هتتشرد من أهاليها وأولهم أحنا، يعني أنا واحدة معايا تلات عيال ومفيش حد يعيلهم غيري، لازم اربيهم اطلع أبيع واشتري حبة الخضار دول، زمان قبل ما المصنع يتصفي وكنا بنبيع وكانت الدنيا ماشية كنا زمان أبيع 10 كيلو طماطم دلوقتي 3 كيلو مش هتباعوا ولا 10 عنب كانوا بيتباعوا وكانت الدنيا ماشية دلوقتي بيقعد بالأيام وكل الخضار كده برده لما كانت الشركة شغالة كنت ببيعهم كلهم والدنيا رايجة والناس بتقبض و معاها فلوس، الصبح وقت الوردية كنا بنبيع لنا شوية خضار وشوية فاكهة دلوقتي لا في وردية ولا في فلوس ولا في حاجة ولا حد رايح ولا جاي الدنيا نايمة تحسي أننا قاعدين في صحرا شوفي كل دي محلات مقفولة أصحابها قفلوها ومشيوها وروحوا فتحوا في مكان تاني،  أحنا كده مش قاعدين في سوق، ده مفيش رجل جديدة جاية  خالص ” زباين جديدة”  كأننا رجعنا زي زمان

 

وفي ذات السياق، أكدت ذلك مدام “ج.ع” حرم عم شعبان صاحب مطعم المدينة الوحيد “فول و طمعية” الذي ورثه من والده أحد مؤسسي السوق أيضاً قائلة:

بالنسبة لي عندي محل منظفات بسيط وانا ارملة يعتبر ده مصدر رزق ليا الوحيد لان المعاش مبيعملش حاجة بيجي عليا أوقات انزل افتح من الساعة 11 او 10 اطلع علي 4 مش بيبع حاجة خالص. و أضافت بحزن عميق جوزي قعد شغال 37 سنة ولما أتوفي مأخدناش فلوس صندوق الزمالة قالولنا الشركة أتصفيت والصناديق اللي كانت موجودة أتصفيت معاها ومفيش أصلا فلوس 37 سنة يخصموا  منه فلوس للصندوق والمبلغ زمان كان بيصرفوا للمحال للمعاش  200,000 جنيه دلوقتي 100,000 جنيه اللي كان بيأخدهم يجوز بيهم بنته أو ابنه وفي اللي كان يأخدهم يشتري أرض أو بيت أو “بقرة/جاموسة” تساعدهم علي خلق مصدر رزق تاني الناس بتطلع معتمدة أنها هتعمل حاجة بالفلوس دي أنما دلوقتي مفيش هيعملوا أيه !، آخر ناس خدت فلوس صندوق الزمالة اللي هما طلعوا في شهر 5 سنة 2018.

اما بالنسبة لمطعم جوزى فان والده عم إبراهيم من أول الناس اللى سكنوا المدينة وعمل  المطعم قبل الناس ماتسكن عمله “المقاولين العرب” اللي بيبنوا المساكن القديمة “مدينة الصلب القديمة” هنا كانوا بيعملوا طبيخ و وجبات في المطعم للعاملين في البناء، أيام الشركة ما كانت في عزها في أوائل التسعينات كانت بتيجي العربيات اللي جاية من 15 مايو ومن  “القاهرة” والصف  ومن الريف من غرب النيل كانوا بيجوا يأخدوا الفطار الساعة 6 والساعة 8 بتاعت الورادي مكنش حد بيعرف يقف هنا الدنيا كانت حيوية ، لما الشركة قفلت قفلت الدنيا كلها معاها نأمل انها ترجع تاني لان دي حاجة عمرها ما هتتعوض تاني أو حد يعرف يبني مصنع زي ده تاني. دلوقتي الدنيا بقت صعبة، القوة الشرائية انخفضت بشكل كبير وواضح

وأثرت علي مدارس التدريب و الصنايع اللي تلات وخمس سنين مع القرار التصفية الدفعة اللي دخلت السنة اللي فاتت هي آخر دفعة هتكمل في المدرسة لأن الطلبة كان ليهم تدريب في الشركة والشغل بعد ما يتخرجوا دلوقتي هيتخرجوا يروحوا فين، يعتبر المدينة ماتت مع موت الشركة ” يعتبر تصفية الشركة هي تصفية المدينة” بكل أنشطتها “مدارس ونادي” أحنا يعتبر أتدفننا في قلب المدينة هنقعد نعمل أيه مبقاش فيها حياة

من جانبه أيد قرار التصفية عم خالد صاحب محل “شوي سمك” رغم تأثره الشديد بهذا القرار فقال: المصنع أصبح عبء علي الدولة وقرار التصفية سليم رغم أنني متضرر منه لتأثيره علي البيع والشراء فالعمال كانوا حوالي 26 ألف مثلا كانوا يطلبوا مني وهم داخليين الوردية الصبح خمس أو ست طلبات

وكنت أجهز طلبات علي ما يخرجوا ، من بعد خروج الناس المعاش المبكر بأعداد كبيرة والطلبات عددها قل بشكل كبير، مبقاش في عمال ولا بقي في بيع، نسبة المبيعات انخفضت لـ 50%، ومع تعويم الجنيه، الأسعار أرتفعت اللي كنت ببيعوا ب 20 جنيه بقي يتباع ب 50 جنيه بناء عليه النسبة المبيعات  قلت 20% كمان المجموع كله بقي 70% أنا كنت بجيب مثلا كل خمس أيام 5 كراتين النهاردة الخمس دول يقعدوا من  15 يوم ل 20 يوم، الأول الكرتونة كنت ببيع في اليوم 20 كيلو دلوقتي من 6 ل7 كيلو في اليوم ما تبقي ماشية أوي يعني من 10 ل 12، ب 100 جنيه كنتي تأخدى 5 كيلو سمك الكلام قبل ما يعوموا الجنيه النهاردة ب 100 جنيه تاخد 2 كيلو الا ربع “بمعني أبو 100 جنيه هتأخده 250 جنيه”، والناس دخولها علي قدها وده غير مصاريف العيال والمدارس ودروس “لبس اكل ولا علاج” كل الحاجات دي غليت، الزباين مكنوش من المدينة بس لا من بلاد جنبنا برده وشغاليين جوه المصنع تيجي تحجز شغل وتأخده وهي مروحة وتربية الزبون دي مش سهلة عشان أغير مكان من سنتين تلاتة عشان الزبون يعرفك ويشتري منك ولازم تكون مميز عن غيرك عشان تربي ليك زبون. أصبح الواحد بعد ما كان يقدر يجيب فلوس ويحوش بقي يجيب مصاريفه بالعافية، عشان تعملي حاجة لازم تمشي من المنطقة وتروحي منطقة تانية وده مش بالساهل، ده عايز فلوس و السكن هأصرف مواصلات لو كان بعيد أو أبيع شقتي ومكاني وأمشي أسكن في مكان تاني وعشان أخد محل في حتة تانية يكلفني كتير “إيجار أو تمليك هيكون غالي دي “مشكلة اقتصادية علي الواحد”.

أما جزار المدينة محمد عنتر يرصد اول سلبيات قرار التصفية وانعكاسه على أسعار بيع شقق مدينة الصلب وما حولها مؤكدا ان المنطقة كلها  تأسست علي أساس وجود الشركة سواء “الحديد والصلب او المساكن او الحكرين او العرب او التبين ” وان قرار تصفية المصنع هو تصفية مدينة  ده تأثير جذري “مميت” مثلا الشقة كانت تقدر300,000 جنيه النهاردة بتجيب 250,000 جنيه ومحدش بيبع لان اللي كان بيجي يشتري ويسكن كان بيجي علي حس انه جاي يشتغل جوه الشركة “المصنع” يعنى” الدنيا بقت خرابة ”

سواء سوق ومنافع وتكاتك مش بتشتغل الأول الناس كانت تقبض تلاقي عند سلم بوابة المصنع الناس كانت كتيروقت الورادي الدنيا بتكون عمرانة  دلوقتي كل ده اتمنع ولا مطعم ولا محل شغال دلوقتي وكله تبع ارزاق ربنا الأول كان الناس رايحة والناس جاية و كان في فلوس ، الناس الشغالة وواخدين شقق هنا جايين من بلاد كلهم مغتربين جايين بيعلموا عيالهم علي حس الشركة ومرتباتها حاليا دلوقتي مفيش فلوس في فرق انك عملتي شركة في وسط منطقة الشركة بتزدهر انما هنا كل اللي اتبني  هنا اتعمل بعد ما الشركة اتبنيت

وكل الناس المغتربين مستنين ياخدوا فلوسهم ويمشوا وانا واحد مولود هنا

هافضل هنا لانى اتوقع ان الشركة هتشتغل تاني وهتنتج تاني بس علي نظام جديد لان الريس السيسى بيحب المكسب ومش الخسارة عشان كده مش هيفرط فيها وهيشتغلها بطريقته وهتبقي احسن من الأول.

وأخيرا التقت جسور بأحد العاملين بالشركة هو صادق آمين فبادرنا من أمام الكشك الخاص به مصدر رزقه بعد خروجه من الشركة قائلا:

انا راجل عندي 54 سنة وباقي لي 6 سنين علي المعاش وقرار التصفية قعدوني في البيت بانتظار صرف مبلغ التعويض وماليش معاش لحد ما اتم الـ 60 ، اعتقد أن التعويض مش هيبقي مجزي ومش هيعيشني ال 6 سنين دول هيعيشني ازاى، وانا عملت الكشك ده قبل ما اخرج منها وعندي 8 عيال جوزت 4 وباقي 4 اعمل ايه؟.

انا صنايعي كبير “كهربا كنترول” صنعتي ممكن اشتغل بيها في  شركات الحديد بره وفيه صنعة ملهاش مثيل بره يعني بتاع صك الحديد و قطع الغيار والصب المستمر مش هيلاقي شغل بره وبعدين مين اللي هيجيب اللي في سني يشتغل! انا روحت شركة حديد تانية قالي يا عم ده انت متأمن عليك آمن عليك انا ازاي! هاتعامل معاك باليومية.

في القانون القديم لو خدمت 36 سنة في الشركة تطلع تاخد معاش كامل انا بقي كملت الـ 37 ..أزاي اطلع واقعد 6 سنين من غير معاش  وأخيراً عايز أقول حاجة مهمة انتوا صفيتوا الشركة و طلعتونا ولكن احنا عايزينكوا بس متبعوش الشركة اللي دفعنا فيها عمرنا بتراب الفلوس الشركة بما فيها من أصول ومعدات وأراضي 2500 فدان و جبال من الخردة وميناء ع

لي النيل بمساحة 20 فدان تساوي تريليونات تدخل خزينة الدولة وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

After Content Post
You might also like