الكآبة تخيم على آفاق النفط الصخري في داكوتا الشمالية
منذ نحو عقد من الزمان استبدل كلينت هاكر درجات حرارة دون الصفر في شتاء داكوتا الشمالية بأشعة الشمس في ولاية أريزونا، عندما هاجر شمالا مع آلاف آخرين للانضمام إلى حمى ذهب من نوع جديد ظهرت مع طفرة إنتاج النفط في حوض باكن الصخري.
هذا العام اضطر إلى تسريح ثلثي العاملين في شركته لخدمات حقول النفط بعدما دفعت جائحة كوفيد – 19 قطاع النفط في الولاية إلى ركود غير مسبوق من حيث السرعة والحجم.
قال هاكر الذي يشغل حاليا منصب الرئيس التنفيذي لشركة نوداك لخدمات حقول النفط: “أعتقد أنها على الأرجح أسوأ الأوقات التي شهدها حوض باكن – أو ربما شهدتها صناعة النفط والغاز بشكل عام”.
كان انهيار الأسعار الناجم عن الوباء وحشيا بالنسبة لصناعة النفط في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ولكن ليس في أي مكان أكثر من داكوتا الشمالية. هنا، وضع النمو الهائل لحقل باكن – أول حقل نفط كبير ظهر خلال ثورة النفط الصخري – القطاع في قلب اقتصاد الولاية.
الآن، مع خروج داكوتا الشمالية من الركود، تبدو آفاق صناعة النفط أقل تأكيدا بكثير. جف الاستثمار، وتضاءل الدعم السياسي، وأصبح مستقبل خط أنابيب رئيس ينقل الخام من الولاية معلقا في الميزان.
وصلت آلام هذا العام بسرعة. دخلت ولاية داكوتا الشمالية 2020 بمستويات إنتاج قياسية. جاء الإنتاج في المرتبة الثانية بعد تكساس، بضخها نحو 1.5 مليون برميل من النفط يوميا، أي 12 في المائة من إجمالي الولايات المتحدة. قال لين هيلمز، مدير إدارة المصادر المعدنية في داكوتا الشمالية: “شهر مارس غيَر كل شيء”.
كان ذلك عندما اندلعت حرب أسعار النفط الخام وتم فرض أوامر البقاء في المنزل في جميع أنحاء البلاد لإيقاف انتشار فيروس كوفيد، ما أدى إلى إبعاد السيارات عن الطرق وإيقاف الطائرات، وبالتالي إصابة الطلب على النفط بالشلل. وتم تداول النفط الأمريكي في المنطقة السلبية للمرة الأولى.
أغلق مشغلو داكوتا الشمالية ربع آبارهم تقريبا، وتم تعليق أربع من كل خمس حفارات وتراجع الإنتاج 40 في المائة. قال هيلمز وفقا لمعظم المقاييس “أرقام 2020 هي أسوأ أرقام على الإطلاق”.
قال رون نيس، رئيس مجلس داكوتا الشمالية للبترول: “توقفت الصناعة بشكل أساسي في أول 45 يوما من انتشار كوفيد”. خفض المشغلون الإنفاق الرأسمالي وجف العمل لمقدمي الخدمات. وايتينج بتروليوم، إحدى أكبر الشركات المنتجة في باكن، كانت أول اسم كبير على الصعيد الوطني يقدم طلبا للإفلاس.
ولاية داكوتا الشمالية ليست غريبة عن دورات السلع. أثر الركود الاقتصادي في 2014 فيها بشدة، ما أدى إلى دفع كثير من القوى العاملة إلى توضيب أغراضها استعدادا للخروج. لكن حادث هذا العام مختلف. ليس فقط أنه كان أسرع وأكثر وحشية من أي وقت مضى في تاريخ الولاية، بل يأتي أيضا في وقت تتعرض فيه الصناعة التي ربطت بها الولاية حظوظها للضغط من جميع الزوايا.
كانت رقعة النفط الصخري تكافح بالفعل لجذب الاستثمار قبل انهيار هذا العام، بعدما سئمت وول ستريت من إسرافها وعائداتها الضعيفة. الآن المخاوف البيئية تجعلها حتى أقل جاذبية. يغلب على الأموال الموجودة هناك أن توجه نحو حوض بيرميان في تكساس ونيو مكسيكو، حيث ينظر إليه عدد متزايد من الشركات على أنه يتمتع بأفضل إمكانات النمو.
في غضون ذلك، تعهد جو بايدن، الرئيس المنتخب للولايات المتحدة “بالانتقال من صناعة النفط” وحظر التنقيب الجديد في الأراضي الفيدرالية – يوجد ثلث منصات الآبار في داكوتا الشمالية.
قد تسوء الأمور. مستقبل خط أنابيب الوصول إلى داكوتا، وهو الطريق الأساسي الذي يخرج من خلاله النفط من الولاية، معلق في الميزان. كاد قاضٍ فيدرالي أن يغلقه هذا العام بعد أن وجد إدارة ترمب قد سرَعَت إقرار تصريح بيئي رئيس. سيؤدي إغلاقه، الذي يسعى إليه النشطاء وجماعات السكان الأصليين، إلى إجبار الكثير من صادرات الولاية من النفط على استخدام عربات السكك الحديدية باهظة الثمن، ما يؤدي إلى ارتفاع السعر المطلوب للمنتجين للعودة إلى الحفر بمقدار سبعة دولارات أخرى، ليصل إلى 60 ـ 65 دولارا للبرميل، وفقا إلى دائرة المصادر المعدنية، وهو مستوى أعلى بكثير من متوسط الأسعار هذا العام.
أعربت كامالا هاريس، نائبة الرئيس المنتخب، عن دعمها لإغلاق خط الأنابيب. وحضرت ديب هالاند، التي اختارها الرئيس المنتخب لتكون وزيرة الداخلية، التي تتولى وزارتها مسؤولية تصاريح البنية التحتية، احتجاجات ضد الخط، حيث كانت تطهو الفلفل الأخضر والتورتيلا للمتظاهرين.
مع تصاعد المشكلات للقطاع، كانت هناك دعوات جديدة لتنويع اقتصاد الولاية بعيدا عن الاعتماد على “التربة والنفط”.
قال ديفيد ريبلنجر، أستاذ الاقتصاد في جامعة ولاية داكوتا الشمالية: “أصبحت صناعة الطاقة، خاصة الحديث عن تطوير النفط والغاز، أساسا لاقتصاد ولايتنا”، مشيرا إلى أن الجهود المبذولة للتنويع موجودة منذ أعوام، لكنها قد تصعد الآن على جدول الأعمال.
أضاف: “هناك بالتأكيد مخاوف بشأن استخدام البترول على المدى المتوسط والطويل. إذا توقفت مستويات استخدام النفط ثم بدأت في الانخفاض، فنحن نوعا ما في وضع صعب”.
تتناقض الصعوبات التي تواجهها الولاية مع نمو مزدهر في العقد الماضي. بين 2009 وبداية 2020، ارتفع إنتاج النفط في داكوتا الشمالية من أقل من 200 ألف برميل يوميا إلى نحو 1.5 مليون برميل. أصبح النفط والغاز أكبر صناعاتها، حيث زودا أكثر من نصف إيرادات الأموال العامة للولاية.
أدت الطفرة إلى تدفق العاملين من جميع أنحاء البلاد، مثل هاكر، في الوقت الذي وجد فيه الأمريكيون أنفسهم عاطلين عن العمل في أعقاب الأزمة المالية، ما أدى إلى توجههم شمالا بحثا عن حياة أفضل. بعد سبعة عقود من التراجع، ارتفع عدد سكان داكوتا الشمالية إلى مستويات قياسية، الأمر الذي غير وضعها من كونها الولاية التي تضم أعلى نسبة من كبار السن إلى الولاية التي تضم أعلى نسبة من جيل الألفية. قال هاكر: “كانت بالتأكيد مكانا مختلفا، وعالما مختلفا”.
تبدو تلك الأيام وكأنها ذكرى بعيدة. لكن هناك تفاؤلا بأنه على الرغم من التحديات، فإن القطاع لديه انتعاش آخر موجود فيه. قال نيس، من مجلس نفط داكوتا الشمالية: “سنشهد الانتعاش. سيعتمد ذلك على السعر والاستثمار، لكن من المؤكد أن حوض باكن مورد عالمي المستوى ولا يزال هناك قدر هائل يمكن أن نجنيه منه”.
بدأ الإنتاج في الارتفاع مرة أخرى حيث تم تفعيل مخزون باكن من الآبار “المحفورة ولكن غير المكتملة”، بدعم من المنح الفيدرالية. لكن مع الحد الأدنى من عمليات الحفر الجديدة الجارية، سينخفض الإنتاج هذا العام. فقط الارتفاع الكبير في أسعار النفط سيؤدي إلى نشر المشغلين كثيرا من الحفارات الجديدة مرة أخرى.
عندما يعود النمو، وفقا لدائرة المصادر المعدنية، سيكون بوتيرة أبطأ بكثير، حيث يتجه صعودا للوصول إلى ذروة تبلغ مليوني برميل في اليوم بحلول 2035.
قال هيلمز، من إدارة المصادر المعدنية في الولاية: “نحن نسعى جاهدين من أجل معدل نمو أبطأ وأكثر استدامة، حيث تستمر البنية التحتية في التحسن. أيام المجد رفيعة المستوى للنمو المتطرف والسريع باتت وراءنا”.