بعد 10 سنوات.. كرسي ذهبي متهالك وقبر مجهول وأنصار في جنح الظلام

يمكن وصف ما حدث في ليبيا عام 2011 بأنه “زلزال مدمر” لم يسفر فقط عن إسقاط نظام القذافي العتيد، بل أسقط توازنات البلاد واتزاناتها وأدخلها في فوضى عارمة.
مرت ليبيا منذ النصف الثاني من فبراير 2011 بمخاض عسير، تحول إلى أعمال عنف دموية انتشرت بسرعة، وزاد من أوارها تدخل حلف الناتو، وأخطاء النظام في معالجته للأزمة، ما تحول إلى حرب شعواء، انتهت بإسقاط النظام بعد 7 أشهر من القتال والغارات الجوية المدمرة، ومقتل القذافي و3 من ابنائه.
ولم تهنأ البلاد بالتغيير، وبدأ أمراء الحرب ومراكز القوة في التنافس على السلطة في جولات عديدة انتهى بها المطاف إلى إقامة سلطتين واحدة في الغرب وأخرى في الشرق.
وبعد أن انتهت حملة المشير خليفة حفتر على طرابلس بالفشل، عاد النشاط إلى المجال السياسي، ونجحت الأمم المتحدة بصعوبة بالغة مؤخرا في انتخاب سلطة تنفيذية مؤقتة واحدة للبلاد.
تأتى ذلك بخطة مبتكرة نجحت في التغلب على شلل محلس النواب، بتأسيس ملتقى الحوار السياسي الليبي المكون من 75 عضوا يمثلون مختلف أطياف المجتمع الليبي، والذي أوكلت إليه مهمة عملية انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة.
الخطوة تكللت بالنجاح حتى الآن، وهي بمثابة اختراق حقيقي في الأزمة الليبية المستعصية، لكنها لن تكتمل عمليا إلا بعد منح مجلس النواب الثقة للحكومة الجديدة التي ستتولى إدارة البلاد حتى موعد الانتخابات في ديسمبر المقبل.
تشكيل حكومة واحدة في ليبيا يعد إنجازا كبيرا بلاشك، إلا أن المشكلة تكمن في أن الخطوة وحّدت القمة فيما بقيت القاعدة منقسمة عمليا بسيطرة القيادة العامة للجيش بقيادة حفتر على مناطق الشرق وقسم من الجنوب، وسيطة قوات طرابلس على مناطق الغرب الليبي، فيما لا تزال مناطق في جنوب ليبيا خارجة عن نفوذ السلطتين، وهي لآن في قبضة عصابات إجرامية وقوات من المعارضة السودانية والتشادية.

المشكلة الثانية في عملية التسوية الجارية في ليبيا أن أنصار القذافي خارجها حتى الآن، وهولاء يعيش معظمهم في المنافي في دول الجوار وخاصة في تونس ومصر، حيث تقيم أهم قياداتهم.
ويبدو أنه حتى الآن لم تنضح مسألة التصالح بين أرباب السلطة الجديدة في ليبيا والقيادات السياسية التي تتحدث باسم النظام السابق.
كما أن أطرافا في السلطة القائمة في طرابلس لا تزال حتى الآن ترفض أي دور للمشير خليفة حفتر في مستقل ليبيا، ما يفتح الياب أمام جميع الاحتمالات.
ما تحقق في ليبيا عبر بوابة جنيف، يبعث على التفاؤل بإمكانية إعادة توحيد البلاد، وحل المشكلات الحياتية المستعصية، وعودة الأنشطة الاقتصادية واستعادة الأمن، وتحقيق المصالحة، إلا أن كل ذلك ليس بالأمر الهين، ويحتاج إلى جهود كبيرة ووقت طويل، خاصة أن المليشيات المسلحة غربا وشرقا وجنوبا لا تزال على حالها، تملك من القوة والنفوذ ما يجعلها خطرا يمكن أن يقطع بسهولة ما يعاد وصله.
فماذا تبقى من القذافي بعد 10 سنوات من بدء الزلزال الكبير الذي دمر النسيج الاجتماعي الليبي واستنزف ثروات البلاد، وأدخلها في حالة قريبة من الشلل؟
لم يتبق من القذافي عمليا إلا أنصار بالداخل يخرجون في جنح الظلام في مناسبات وطنية، وخاصة للاحتفال بذكرى وصول العقيد للسلطة في الأول من سبتمبر، وأعداد كبيرة تعيش في المنافي من دون ضوء في آخر النفق لعودتها وعودة الحياة الطبيعية إلى البلاد.


لم يتبق من القذافي إلا كرسي ذهبي متهالك، وقبعة عسكرية ومقتنيات تعرض بإحدى صالات معرض في إحدى المدن الليبية، علاوة على قبر مجهول، دفن فيه نكاية بأنصاره، وأبناء بتوزعون بين المنفى والسجون.


تحتاج ليبيا إلى الكثير من الجهد والوقت حتى تستعيد عافيتها وتضمد جراحها الغائرة، ولا تزال الطريق طويلة لتحقيق مثل هذا الهدف، بل لا تزال الأخطار محدقة، وقد تعود بها إلى دوامة الاقتتال والفوضى إذا لم تُنزع جميع الفتائل المتفجرة، وتسوى القضايا الكبرى، ويجمع السلاح، وتحل التشكيلات غير النظامية، ويفرض القانون هيبته وتكون للبلاد سلطة واحدة محددة لا سلطات وأمراء وقوى تدير البلاد من خلف الستار، وهنا يكمن مربط الفرس.