تخزين الطاقة .. صانع التغيير في صناعة الكهرباء
أرايت لو أن فريقا لكرة القدم أراد تغيير خطة اللعب أو كان يرغب في الفوز في مباراة تتصارع فيها الخطط والأفكار، بلا شك سيكون هناك لاعب أسطوري يزج به المدرب ليكون بما يعرف بصانع التغيير (Game Changer) ومنه تتغير النتيجة إلى الأفضل. إن تقنية تخزين الطاقة تمثل هذا اللاعب في صناعة الكهرباء إذ أصبحت أهميتها متعارف عليها من قبل مشغلي الشبكات في جميع أنحاء العالم. يقوم مشغلو النظام الكهربائي على التنسيق والمراقبة والتحكم في المنظومة الكهربائية من حيث الموثوقية وأمنية الطاقة وجدولة المحطات، وتجب عليهم الموازنة بين العرض (التوليد) والطلب (المستهلك) بصورة آنية، أو بما يعرف بالتشغيل في الوقت الفعلي. بمعنى آخر، يجب استهلاك الكهرباء من قبل العميل أو تبقى في الشبكة، فقد فني وتدن للكفاءة. ولو نظرنا مليا إلى البضائع والمنتجات بكل أشكالها التي تصدر إلى العميل، لنرى أنها تكون في الرف أو دولاب التخزين وتنتظر العميل ليتم الشراء، وقس على ذلك الملابس والأغذية والأدوية وغيرها. ولو كان الاستهلاك آنيا، لتغيرت المعادلة الاقتصادية والمالية تماما. ما رأيك أن يكون هذا الرف السحري موجودا في صناعة الكهرباء؟ بل ما رأيك أن يكون هذا الرف السحري موجودا عند العميل ذاته؟ بكل تأكيد ستتغير رؤية سوق الكهرباء وسيرتاح مشغل النظام من عناء متابعة حالة الشبكة لوجود دعم وحليف قوي، حيث تتمثل إحدى طرق تحقيق التوازن بين التقلبات في العرض والطلب على الكهرباء في التخزين خلال فترات التوليد المرتفع وانخفاض الطلب، ثم إعادة إطلاقها إلى الشبكة خلال فترات انخفاض الإنتاج أو ارتفاع الطلب. ويمكن أن يساعد الشبكة الكهربائية على العمل بكفاءة أكبر، ويقلل من احتمالية حدوث انقطاع في الكهرباء أثناء ذروة الطلب، ويسمح ببناء مزيد من محطات الطاقة المتجددة وتقليل الانبعاثات الغازية، وسيتحسن منحنى الحمل اليومي (Daily Load Curve) ومعامل الحمل (Load Factor) وتقل الانقطاعات الكهربائية. وعليه توفر تقنية تخزين الطاقة مزايا اقتصادية وموثوقية وبيئية، ومنها يتمحور مفهوم المدرسة الكهربائية الجديدة نحو تفعيل الشبكات الذكية. تختلف تقنيات تخزين الطاقة بعدة طرق مثل تخزين الطاقة الحرارية والطاقة الكهرومائية والهواء المضغوط والحذافات، لكن الأشهر على الإطلاق هو البطاريات لأنها تدخل في تصنيع السيارات الكهربائية وصاحبة الجدل حديثا. وتوجد تقنيات قيد التطوير حاليا مثل بطاريات التدفق والمكثفات الفائقة وتخزين الطاقة المغناطيسية فائقة التوصيل والهيدروجين.
وفقا لوزارة الطاقة الأمريكية، تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 25 جيجاواط من سعة تخزين الطاقة الكهربائية في مارس عام 2018 نحو 94 في المائة في شكل تخزين كهرومائية، وتم تركيب معظم هذه السعة عام 1970، و 6 في المائة من سعة التخزين الأخرى في شكل بطاريات وتخزين حراري وهواء مضغوط وحذافات مختلفة الأشكال. في ويلز البريطانية، يتم تطوير مشروع بطاريات بسعة 22 ميجاواط مع مزرعة رياح بسعة 228 ميجاواط لتحسين الخدمة وضبط التردد الكهربائي. وفي ولاية هاواي الأمريكية، قام مشغل شبكة Maui بدمج بطارية تتسع لـ 10 ميجاواط مع محطة طاقة رياح ذات سعة 22 ميجاواط من أجل تقديم خدمة مستمرة، رغم حالات الرياح المتغيرة. وتم الانتهاء من العمل على أول شبكة صغيرة (Micro-grid) على نطاق المرافق حيث توفر الطاقة من مصادر مختلفة مثل الرياح والطاقة الشمسية، لكنها مدعومة ببطاريات ليثيوم – أيون (Lithium-Ion)، وعليه لن يواجه المستهلكون أي أعطال في الخدمة لأن البطارية هي الحل الأمثل لاستدامة الخدمة. سيؤدي استخدام تخزين الطاقة في القطاع السكني إلى نتائج جيدة من خلال دمج الألواح الكهروضوئية الشمسية مع تخزين الطاقة (البطاريات) وتشريع التعامل بهما معا، ليكون العملاء قادرين على إنتاج الطاقة واستهلاكها بدلا من إعادتها إلى الشبكة. بمعنى آخر بإمكان العميل محليا تملك خزان للمياه في سطح البيت وخزان آخر (بطارية) للكهرباء، لكن الأخيرة تغذي من الألواح الكهروضوئية الشمسية وليس من الشبكة. وهذا التوجه سيدعم المشاريع السكنية العملاقة ذات الأراضي المترامية والمساحات الشاسعة في تحقيق معادلة النمو والاستدامة.
رغم أن تخزين الطاقة له مزاياه في نمو الصناعة وتطورها، إلا أن له أيضا عقباته. فقد حددت وزارة الطاقة الأمريكية أربعة تحديات رئيسة لنشر تخزين الطاقة الكهربائية على نطاق واسع: موثوقية أداء وسلامة أنظمة تخزين الطاقة عند مشغلي النظام، توافر البيئة التنظيمية بما يؤول إلى جدوى تقنية تخزين الطاقة وتقليل مخاطر الاستثمار، جدوى التكلفة الرأسمالية لتقنيات تخزين الطاقة، وأخيرا قبول أهل الصناعة. رغم ارتفاع تكلفة البطاريات التشغيلية حاليا (تراوح بين 200 و400 دولار لكل كيلو واط ساعة وفقا إلى مصادر مختلفة)، إلا أن المشاهد هو انخفاضها بشكل كبير حيث ارتفع إنتاج البطاريات لمواجهة الطفرة المتوقعة في السيارات الكهربائية، وانخفضت أسعار بطاريات الليثيوم-أيون بنحو 80 في المائة على مدى الخمسة أعوام الماضية وفقا لأرقام “بلومبيرج نيو إنيرجي فاينانس”. وسيؤدي إنشاء المصانع لتلبية الطلب إلى مزيد من الانخفاض حيث تقدر شركة لازارد Lazard انخفاض تكلفة البطارية بنحو 50 في المائة خلال الخمسة أعوام المقبلة. ختاما، يجب أن تعمل مرافق الكهرباء المحلية على تثبيت تقنيات تخزين الطاقة في مواقع تجريبية ومراقبة الأداء من ناحية التحكم والسلامة واستدامة خدمة الكهرباء، خصوصا في المناطق النائية أو الجزر، مثل جزيرة فرسان أو مشاريع شركة البحر الأحمر، بدلا من نقل الوقود السائل. وستدعم تقنية تخزين الطاقة جهود مشاريع الطاقة المتجددة المحلية ويظل البحث والتطوير مجالا خصبا لتوطين التقنية وزيادة مخزون المعرفة.