سهم * حرف| محمد البهنساوي يكتب| محمود العربي هل يعود من جديد؟

لقطة يجب أن نتوقف أمامها كثيرا ، جنازة الراحل محمود العربي رجل الاعمال الشهير وهذه الحشود التي تجمعت لتشييعه ، واثق ان معظمهم لا يعرفه معرفة شخصية ، وهذا الإجماع الكبير علي رثاء الرجل ليتحول السوشيال ميديا إلي سرادق عزاء اجتمع فيه المصريون بمختلف طوائفهم ، إجماع على حب الرجل وقبل الحب احترام مسيرته ونجاحه وعطائه 

الوقفة التي أقصدها لا تتعلق بقصة كفاح محمود العربي ولا مواقفه الكثيرة التي تؤكد انه كان رجل مثابر و مخلص ومؤمن إيمان كبير بالله ، فهذا كله اصبح معروفا للجميع ، لكني قصدت أن يراجع الجميع معني ان تكون رجل أعمال ناجحا ومقومات و أسباب وتداعيات هذا النجاح ، ونتعلم فعليا منها 

 

رأس المال  والجبن الحقيقي  

 

” رأس المال جبان ” بعضنا يردد تلك المقولة مبررا أية تصرفات سلبية لرجال الاعمال او امتناعهم عن مواقف ايجابية ، ومحمود العربي أثبت كذب وزيف تلك المقولة ، وأنها مبرر فقط لانتهازية رأس المال والذي كان الراحل ابعد ما يكون عنها ، فالرجل اقتحم مجالات عديدة بجرأة وشجاعة منقطعة النظير ، غير نشاطه من التجارة إلى الصناعة في وقت كان الجميع يهرول هربا من الصناعة وكم مصانع أغلقت وعدد كبير غير من الصناعة لمجالات أخري مضمونة المكسب ومأمونة العواقب 

لم نجده مهادنا لمسئول أو راكبا موجة سياسية أو اجتماعية سعيا لمكاسب جديدة او حفاظا على أخرى قائمة ، في الوقت الذي يحمل تاريخ كثير من رجال الأعمال سجلا من التحولات الكبرى فيما يظنه البعض بثوابت فكرية لهم ولنا في ركوب موجة الإخوان في عامهم الاسود المثل من اعلانات مبايعة ومباركة للمرشد والعشيرة وتصريحات تحمد الله أنه وهبهم لمصر بردا وسلاما لينقلب كل ذلك للنقيض بعد ثورة الشعب عليهم وسقوط ورقة التوت عن سوءاتهم التي كان يعرفها أمثال هؤلاء جيدا ، ولا ضير بالطبع فالمصالح تتصالح ، لكن هذا بعيدا عن فكر وإيمان محمود العربي رجل الأعمال المستقيم 

ومن المعتقدات الخالدة للكثير من رجال الاعمال ان رأس مالهم يحتاج سلطة سياسية تحميه وابواق إعلامية تدافع عنه بالحق والباطل ، فذهبوا لأبعد مدى سعيا لكل هذا ، ركوب موجة لجنة سياسات الحزب الوطني ، واللهث وراء عضوية الحزب وإنفاق الملايين وصولا لعضوية البرلمان سعيا للحصانة فقط وليس حرصا على صالح الوطن ولا مصالح أبناء الدايرة ، هي الحصانة فقط وليذهب ما دونها إلى الجحيم ، ومن يفشل في الولوج إلى البرلمان كان يسعى بكل قوته للتقرب من سدنة الحزب الوطني ووضع الملايين تحت تصرفهم تمسحا في المتحصنين لتصيبهم بعض نفحاتها 

 

زواج سفاح 

 

 وشاهدنا اقتحام منظم من بعض رجال الأعمال للإعلام ، شراء قنوات وصحف وتسخيرها فقط لخدمة أغراضهم ، أيضا شراء بعض أبواق الإعلام الوليدة خربة الذمم ومشوهة المفاهيم الباحثة فقط عن المال وما اسهله من ثمن يدفعه الانتهازيون من رجال الأعمال وكانت الموجة الأشد ترابطا وفتكا بين رأس المال والاقلام و الابواق الاعلامية قبيل ثورة يناير لازال بعض بقاياها يشوه المشهد الخلاق بمصر حاليا ، والجميع يعرف حجم المكاسب التي استفادها عدد معروف من رجال الأعمال وسدنتهم وحوارييهم من هذا التزاوج بين رأس المال والسلطة اولا والإعلام زوجة ثانية من أراضي وقروض وعطايا لا حصر لها ، إلا أن محمود العربي المؤمن بالله وقدره كان منزها تماما عن كل هذا الفساد والإفساد ، ولم يتأثر الرجل ولم تهتز مملكته الاقتصادية التي كانت تتمدد وتكبر مستندة إلى أساس قوي من العمل المخلص والوطنية المجردة والمكسب الحلال بعيدا عن الثمار الحرام لزواج السفاح الذي اشرنا اليه 

 

السفه والاسفاف و واحد مننا  

 

 وحتي تكتمل الصورة بل والفكرة المشوهة عن رجال الأعمال والتي ساهم كثير منهم على ترسيخها ،وجدنا سفها لا مثيل له في كل أوجه حياتهم ، تشييد قصور ولا في الاحلام ، وتتعدد القصور في كل مدينة جديدة و بالعاصمة أو سواحل البحرين الأبيض والأحمر ، وحفلات حدث ولا حرج عما تشهده من اسفاف وسفه في الإنفاق ، وحرص على تناقل أخبار تلك الحفلات في سباق مذموم بين كثير من رجال الأعمال رافعين شعار ” علي وانا اعلي عليك ” دون أدني مسئولية عن الغالبية الكاسحة من المواطنين التي بالكاد تستطيع توفير لقمة خبز تسد رمق أسرهم ، والمؤسف أن هذا السفه غاب تماما عما ينفع الناس إلا في حالات تحقق فقط مصالح أمثال هؤلاء ، وعلى النقيض تماما جاء رجل اعمال محمود العربي وعائلته ، الرجل زهد في الإعلام وخاصم السياسة ، لم يصبهم رذاذ هذا السفه ، عاشوا حياتهم كأسرة ميسورة الحال وليست ثرية او ربما فاحشة الثراء ، أقاموا جميعا في عمارة بمصر الجديدة ، ولم نجد اخبارهم متداولة إلا في مشروعات ناجحة وأعمال خير عديدة ومعظمها حرصوا على سريته وكتمانه ، الإسراف الوحيد المعروف عن الرجل كان في فعل الخير وما أكثره وكله في صمت ودون ضجيج لأنه يفعله لوجه الله دون غيره ، ولعل زيارة لبلدته وحديث مع عمال مصانعه ورصد لنعي صندوق تحيا مصر للراحل وتأكيده أنه كان شريكا في فعل الخير نتأكد من كل ما سبق 

كنت تشعر أن الحاج محمود العربي ” واحد مننا ” وليس من طبقة و طينة غير طينة معظم المصريين مثل غيره من رجال الأعمال رغم أنه انجحهم ، لذلك جاءت تلك المظاهرة الشعبية الرهيبة في وداع واحد مننا 

 

الأسرة الواحدة  واعظم استفادة 

 

 وإذا وصلنا للمسئولية المجتمعية التي يجب نظريا أن يتحلى بها رجل الاعمال نجدها عمليا تنطبق علي الحاج محمود العربي ، كان حلمه أن يوظف ألف شاب في العام وأن يصل العاملون في مصانعه إلى ١٠٠ ألف عامل يفتحون بيوت وأسر ضعف هذا العدد ، لم يسع إلى الحصول على أهم التوكيلات اليابانية رغم ربحها الوفير له ، لكن كان يعلم أن إقامة مصانع لها في مصر أعظم استفادة لمصر والمصريين وكان له ما أراد ، و لنتابع إدارة مصانعه وكيف جعل تلك المصانع ومنافذ البيع والصيانة وغيرها ورغم الجيش الجرار من العاملين فيها أسرة واحدة يرعاهم في وقت العثرات بشكل أكبر من وقت الرواج ولنا فيما حدث خلال أزمة كورونا المثل ، 

 

العزة بالاثم 

 

يا سادة ما احوجنا ان نقف كثيرا أمام هذا النموذج الفريد الذي كان ولا يزال وسيظل الحاج محمود العربي مثالا له ، وأن يدرس رجال اعمال مصر وما أكثرهم قصة حياة ومبادئ محمود العربي ، لا تأخذهم العزة بالإثم غير عابئين بما كان يقوله ويفعله حتى بنظرية المصلحة فتطبيق هذا النموذج يفيدهم كثيرا ولو نظروا بإخلاص وتجرد ونية التعلم سنجد محمود العربي بيننا من جديد ليعم الخير للجميع وهذا ليس كلاما نظريا وإنما واقعا نتمناه ، سيجدوا من أهم دروس محمود العربي أن أموال البنوك وسيلة لبناء المشاريع يجب سدادها في مواعيدها وليست غاية للاستيلاء عليها والهرب بها ، وإن دفع الضرائب وبدون تزوير في أوراقها  فرض عين وإن دفعها لا يغني مطلقا عن التبرع لأوجه الخير الأخرى بوطننا ، وأن المكسب القليل وعدم المبالغة فيه يحقق أرباحا أكثر ، وأن الإبداع في العمل والإيمان بالله و تطبيق صحيح الدين والإعمار في الأرض هو الأنفع والأبقى لو كانوا يعلمون 

وختاما ولرجال الأعمال نهدي بعضا من كلمات محمود العربي لعلهم يفقهون 

” اتعلمت في الكُتاب أن الشركة اللي ناسها بتحب بعض ربنا بيكون معاها.. و لما ربنا بيكون معاك بيكرمك و بيفتحها في وشك.. أما الشركة اللي فيها زعل و خيانة ربنا بيخرج منها و بيجي مكانه الشيطان “

” أنا معرفش بقيت كده ازاي, مش شطارة مني و لا حاجة، هو ربنا اللي عمل كل ده “

” الناس اللي شغالين معايا بشوف ان ليهم رزق هيجي عن طريقي ..عمري ما قولت حد شغال عندي, بقول شغال معايا دايما لأن ربنا اللي باعتهولي “

” في مرة قابلت الرئيس مبارك و قالي نفسك في ايه؟ قلت له نفسي كل سنة اشغل ألف شاب جديد, و فعلا كل سنة بقيت اشغل ألف شاب.. و بقيت مستغرب إن كل ما العدد يزيد .. كل ما الشغل يزيد و الرزق يكتر ” 

After Content Post
You might also like