الطريق الواعد يبدأ من الغاز.. خطوات مصرية للارتقاء بالحياة
وتتبنى الحكومة خطة لتعظيم الاستفادة من الطاقة النظيفة، كضرورة مُلحة في ظل توجه عالمي في مواجهة ظاهرة تغير المناخ.
ينعكس ذلك التوجه على حياة الناس والارتقاء بها، لما للتوسع في استخدام الغاز الطبيعي من آثار بيئية واقتصادية هائلة تضع الحكومة المصرية نصب أعينها عليها، باهتمام وتكليفات مباشرة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أطلق مبادرة تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، ووجه بزيادة عدد محطات الوقود لتموين السيارات بالغاز في مختلف أنحاء الجمهورية “بهدف استيعاب أكبر كتلة ممكنة من المركبات على مستوى الدولة”.
وافتتح السيسي، الاثنين الماضي، المعرض الأول لتكنولوجيا تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، تأكيداً على الاهتمام الواسع الذي توليه الدولة لهذا المشروع الذي يستفيد منه الجميع، ويسهم في سياق متصل في الحد من التلوث والانبعاثات الضارة في الشارع المصري، إلى جانب آثاره الاقتصادية العريضة.
الآثار البيئية
يؤدي ذلك التوجه إلى “الارتقاء بنمط الحياة”، وينعكس بشكل مباشر على طبيعة حياة المصريين، لا سيما لجهة المساهمة في خلق بيئة نظيفة خالية من التلوث.
ويؤكد خبير الطاقة والبيئة، ماهر عزيز، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” من القاهرة، استهلها بالإشارة إلى أن الرؤية الاستراتيجية للطاقة في مصر أسهمت في حدوث تطور سريع في صناعة البترول والغاز المصرية، مما أدى إلى الوصول لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي والتحول إلى التصدير بفضل تطور هياكل البنية الأساسية وتشجيع الاستثمار في مجال الاستشكاف.
وأشار إلى أن “التوسع في استخدام الغاز الطبيعي يؤدي إلى تعظيم القيمة المضافة، كما يسهم مساهمة جوهرية في التحول إلى مركز محوري لتجارة وتبادل الطاقة، بما ينعكس على الاقتصاد القومي، ويؤدي لتوفير النقد الأجنبي وترشيد النفقات، ضمن جملة المزايا الاقتصادية الموازية للمزايا البيئية، لا سيما أن الغاز كوقود أرخص بأكثر من النصف من المنتجات البترولية.
يتزامن ذلك أيضاً مع مزايا تشغيلية مُتعددة، وفق عزيز الذي لفت إلى أنه “سهل الاستخدام في إطار نظم الأمان المتبعة”، إلى جانب مزاياه البيئية، إذ لا تخرج عنه سوى ملوثات ضئيلة، ويطلق عليه “الوقود الأحفوري النظيف”، كما هو أقل بالثلثين من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وأوضح الخبير البيئي، أن استخدام الغاز يؤدي إلى الحد من معدلات التلوث عن طريق تقليل الانبعاثات الضارة وتقليل انبعاثات الغاز الدفيئة، فعلى المدى الطويل، يمكن لاستخدام الغاز الطبيعي كوقود أن يسهم في الحد بنسبة من 90 إلى 97 بالمئة من انبعاثات أول أوكسيد الكربون الناتجة عن حركة النقل على الطرق، فضلاً عن تقليل نسبة أكسيد النيتروجين بنحو من 35 إلى 60 بالمئة، وتوفير أكثر من 25 بالمئة من الغازات الدفيئة.
وعلى المستوى العام، يؤدي ذلك إلى الارتقاء بنمط الحياة، ويحفز الاستهلاك، ويدعم الصناعة الوطنية في مجال الغاز الطبيعي، والسيارات العاملة بالغاز الطبيعي، والاستفادة من الطاقة غير المستغلة في صناعة السيارات والصناعات المستفيدة، مع تخفيف العبء عن الموازنة العامة من خلال الحد من استخدام المحروقات الأكثر عبئاً في التكاليف كالبنزين والسولار.
وكان وزير البترول المصري، طارق الملا، كشف عن أن عدد السيارات المحولة للعمل بالغاز الطبيعي بلغ 43 ألف سيارة خلال 2019 /2020، بما يمثل أعلى إجمالي تحويل سنوي منذ بداية النشاط بزيادة 30 بالمئة عن العام السابق. كما بلغ عدد محطات تموين السيارات في يونيو الماضي إلى 205 محطة مقابل ست محطات فقط في العام 1996. وأوضح الوزير أن هناك 80 مركزاً لتحويل السيارات و12 مركزاً لاختبار الاسطوانات على مستوى الجمهورية.
العوائد الاقتصادية
ولأنه وقود نظيف وحجم الانبعاثات الناتجة عنه أقل، فإن ثمة توجهاً دولياً في مواجهة تغير المناخ، عبر الاعتماد على الطاقة النظيفة ومصادر الطاقة التي تكون فيها حجم الانبعاثات أقل وكذلك معدلات التلوث الناجمة عنها.
هذا ما يشير إليه الخبير الاقتصادي، علي عبدالرؤوف الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” من العاصمة المصرية، تناول فيها الآثار الاقتصادية لخطة التحول للغاز الطبيعي وإحلال السيارات للعمل بالغاز، مشيراً إلى أن “الدولة حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز في العام 2018، وبالتالي تحقق فائض تم توجيهه للتصدير، ومن ثم هناك سعي لتعظيم الاستفادة من هذا المورد وتقليل الاعتماد على موارد أخرى لانزال نستوردها”.
ويسهم ذلك، وفق الإدريسي، في المحافظة على العملة الأجنبية، وكذا المساهمة في تعادل الميزان التجاري ومن ثمّ ميزان المدفوعات، وجميعها نقاط في صالح الدولة. وكذلك بالنسبة للمستهلك، فثمة العديد من الفوائد والآثار الإيجابية، على اعتبار أن “تكلفة الحصول على الغاز أقل بكثير من الاعتماد على البنزين، وتصل تقريباً إلى أكثر من الثلثين”.
وتابع: “حتى بالنسبة لسيارات النقل الجماعي، سوف تسهم خطة الإحلال في تقليل التكلفة، وبالتالي زيادة الأرباح التي تجنيها”، لافتاً إلى أن الإحلال ليس مرتبطاً باستخدام الغاز فقط، بل إحلال السيارات القديمة نفسها، بما يحافظ على البيئة ويسهم في علاج مشكلة الازدحام، وبالتالي ثمة عوائد بالنسبة للمستهلك وأخرى بالنسبة للدولة، من ذلك التوجه الذي يحقق مكاسب لجميع الأطراف، لا سيما وأن الدولة تتوسع في البنية التحتية لاستخدام الغاز ومحطات التموين.
إحلال السيارات
تتبنى الدولة المصرية خطة لتحويل 150 ألف سيارة للعمل بالغاز الطبيعي خلال الثلاث سنوات المقبلة. وطبقاً للبيانات التي أعلنت عنها وزيرة التجارة والصناعة، الدكتورة نيفين جامع، فإنه خلال العام الأول من مبادرة إحلال السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، يتم استهداف 70 ألف سيارة، منها 55 ألف سيارة ملاكي وأجرة و15 ألف ميكروباص.
في الوقت الذي كشفت فيه وزيرة البيئة المصرية، ياسمين فؤاد، في تصريحات إعلامية، عن أن تحويل ألف سيارة ميكروباص للعمل بالغاز من شأنه أن يوفر ثلاثة ملايين دولار للدولة المصرية.
وفي هذا الإطار، تسلط الخبيرة الاقتصادية الدكتورة بسنت فهمي، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” الضوء على خطة إحلال السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، مشيرة إلى أنها تستهدف تحسين حياة المواطنين وكذلك الحفاظ على البيئة، وأيضاً تعظيم الاستفادة من الغاز في مصر، في ظل الاكتشافات الكبيرة التي أعلنت عنها القاهرة، بما يدعم الاقتصاد المصري بشكل واضح.
وقالت إنه بموازاة تلك الاكتشافات ثمة مشكلات مرتبطة بالطاقة في مصر، لجهة افتقاد بعض المناطق للخدمات ذات الصلة، وبالتالي فإن الدولة تركز على إيصال الغاز الطبيعي لكل محافظات مصر وكذلك استخدامه في الصناعة بدلاً من البترول، وحتى خطة إحلال السيارات القديمة للعمل بالغاز، التي نظمت مصر بشأنها معرضاً خاصاً، بما يكشف عن اهتمام الدولة بهذا التوجه وحرصها على تعظيم الاستفادة من الغاز.
وأوضحت الخبيرة الاقتصادية أنه على مستوى المستهلك وتأثير ذلك على حياة الناس، فإن الجميع سوف يستفيد من ذلك التوجه، بداية من مواصلات النقل العام، وحتى سيارات الأجرة، وانتهاءً بالسيارات الخاصة، لافتة إلى مبادرة البنك المركزي المصري، الذي يقدم تسهيلات لقروض السيارات.
وأتاح البنك المركزي المصري مبلغ 15 مليار جنيه عن طريق البنوك بسعر عائد 3 بالمئة، عائد مقطوع يُستخدم في منح قروض للأفراد الراغبين في إحلال المركبات والملاكي والأجرة والميكروباص لتعمل بالوقود المزدوج. وتصل مدة القرض من سبع إلى عشر سنوات ويتم السداد على أقساط شهرية متساوية.