الدكتور محمود أبو العيون يكتب| سعر الفائدة بين التثبيت والتحريك

 

 

يتساءل الكثيرون ما الذي يدعو لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي إلى تثبيت أو تحريك أسعار الفائده في مصر؟ هل هو معدل التضخم في الماضي أم معدله المتوقع أم ذلك المستهدف؟ هل هو الأثر على سعر صرف الجنيه المصري؟ هل هو الأثر على معدل النمو الاقتصادي الذي يستهدفه اقتصادنا؟ هل هو مستوى السيولة المحلية السائد؟ هل هو التأثير المتوقع على عائد اذون وسندات الخزانه العامه وتأثير عوائدها على تدفقات الاستثمارات الاجنبيه في تلك الاذون والسندات؟ هل هو الاثر علي مدفوعات خدمة الدين العام الداخلي في الموازنة العامة للبلاد؟

قرأت تقرير تقييم أداء الاقتصاد المصري الصادر في يوليو الماضي عن صندوق النقد الدولي، وقرأت أيضاً تقرير مؤسسة فيتش سوليوشنز الصادر مؤخراً عن الرؤيه المستقبلية للاقتصاد المصري في عشر سنوات، كما اطلعت اليوم على البيان الصحفي الموجز جدا والصادر عن اجتماع لجنة السياسات النقدية في 16/9/2021 وقرارها بتثبيت أسعار الفائدة.

لقد أفادت التقارير الدولية بأن السياسه النقديه المصريه حكيمه ومتزنه وتحقق هدفها المتعلق بمستوى التضخم، وإن كانت قد أجمعت على حاجة تلك السياسة لأن تكون أكثر مرونه في ما يتعلق بتحريك سعر الفائده و سعر الصرف، بهدف تحسين درجه فعاليتها من خلال قنوات تأثيرها. ولذلك أتساءل كغيري من المواطنين عن السبب في عدم تحريك سعر الفائده طوال الفترات السابقه حتى اجتماع الأمس رغم كثرة مُفَعلات قرارات لجنة السياسة النقدية.

رغم أن بيان لجنة السياسات النقدية في اجتماع الامس قد أقر بانخفاض معدل التضخم الأساسي (الذي لا يتأثر بالتغيرات السعرية الموسمية أو بالاسعار الإدارية)، وأقر ايضا بارتفاع معدل النمو الاقتصادي الحقيقي خلال الربع الثاني من عام 2021، إلا أنه لم يفصح عن العديد من الآسباب والتحليلات الكامنة وراء قرار اللجنة بالتثبيت، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة.

لم يبين البيان الصحفي ما إن كانت هناك موجه تضخم سوف تأتي مستقبلا وأن المطلوب هو تفادى أثرها علي معدل التضخم المستهدف (7% +/- 2%)، وهل رأت اللجنة أن سوق الانتربانك لا يعاني من فائض في السيولة، وأن حجم معاملاته مستقر وأسعاره لا تخرج كثيرا عن حدود الكوريدور؟ هل رأت اللجنة أن أسعار الفائدة على الودائع التي تقل عن 3 سنوات لدي البنوك متناسبة مع حدي سعر الكويدور وهو ما يشكو منه الجميع؟  ثم هل تخوفت اللجنة من تأثير خفض أسعار الفائده على أصحاب الودائع، أم أن قرارها يعكس التخوف من تحول هذه الودائع من البنوك إلى قنوات أخرى للاستثمار لا علاقة لها بالجهاز المصرفي المصري؟

هل رأت اللجنة أن هناك تخوف من هروب رؤوس الاموال الاجنبيه في حاله انخفاض اسعار العائد على أذون وسندات الخزانة العامة مما سيؤثر على أوضاع ميزان المدفوعات المصري؟  ام إنها قد رأت أن هناك تخوف من ارتفاع سعر صرف العملات الاخري مقابل الجنيه عندما يخرج هؤلاء المستثمرين من مصر لو تم تخفيض سعر الفائده؟ هل ترى اللجنة أن مستوى أسعار فائده الاقراض في البنوك المصريه حالياً جاذبة للاستثمار الخاص؟ وما هو حجم الائتمان الجديد الذي يتوقع أن يستمر بمثل هذه الاسعار الحالية؟ أليست مصر – كما تنادي القيادة السياسية – في حاجة للمزيد من مشاركه القطاع الخاص في تحديث الاقتصاد المصري والاضافه لمعدلات نموه إلى جانب الاثر الانمائي الجيد للاستثمارات الحكوميه في الطرق والبنية التحتية واستصلاح الاراضي ومشاريع الضمان الاجتماعي وتحسين مستوي الريف المصري وغيرها؟ أم هل اكتفى البنك المركزي بالمبادرات السخيه ذات أسعار الفائدة المدعمة التي قدمها للمجتمع المصري لتعزيز أدوار قطاعات وأنشطه معينه؟

ولماذا ندعم أسعار الفائدة أصلا رجوعا لأسعار الفائدة القطاعية – التي سادت تسعينيات القرن الماضي وشوهت هيكل أسعار الفائدة آنذاك- بينما لدينا الآن سعر الكوريدور الممكن تحريكه صعودا وهبوطا لتثبيط أو لتنشيط أداء الاقتصاد الوطني ككل وللتمكين من كبح جماح التضخم أو بالسماح بالقليل منه؟ أليست الموازنة العامة هى الكفيلة بتقديم كافة أشكال الدعم؟ والحديث عن الموازنة العامة يدعونا للتساؤل، هل قامت اللجنة بتحليل أثر مستوي الفائدة الحالي على أسعار أذون وسندات الخزانة العامة؟ أم لم يهم اللجنة أثر هذا السعر على تكاليف خدمه الدين العام الذي يثقل كاهل الموازنة العامة المصرية؟

أسئلة كتلك تحتاج إلى مراجعة بعض السياسات المطبقة، كما تحتاج بشدة لأن يكون البيان الصادر من لجنه السياسات النقديه أكثر وضوحاً وإفصاحا وشفافيه لعلمي بأن اللجنة تدرس العديد مما سبق في تقاريرها الداخلية، ليكون الهدف من الافصاح هو تعريف الجميع بكيفية إدارة السياسه النقديه في مصر.

 

*استاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق المعار.

After Content Post
You might also like