هانى النقراشى يكتب: مصر سبقت الجميع فى منع الفحم وهذه هى مواصفات إطار كهرباء المستقبل

 

يقود بوريس جونسون رئيس وزراء إنجلترا فى الأشهر الأخيرة حملة لمنع استخدام الفحم فى توليد الكهرباء، بينما مصر نفذت هذه الأفكار قبل ذلك وتحديدا منذ نحو عام عندما قررت العدول عن بناء محطتين عملاقتين لإنتاج الكهرباء بالفحم المستورد. ولا عجب أن تكون مصر هي الرائدة في هذا المضمار حيث أن الرئيس السيسي لا يمل ذكر الاستدامة في كل مناسبة تسنح له. وتبين له فساد القول “تكنولوجيا الفحم النظيف” لأن هذه التكنولوجيا ليست إلا فصل ثاني أكسيد الكربون قبل خروجه من المدخنة وضغطه في فجوات في الأرض إلى أن تمتلئ في حوالي 20 سنة … وما عشرين سنة إلا غمضة عين في عمر دولة مثل مصر.
مصر وضعت بصمتها في تاريخ البشرية عندما أخذت خطوة استباقية لنبذ الفحم كحامل للطاقة تستعمله دول كثيرة لإنتاج الكهرباء، أكثر صور الطاقة انتشارا، و قررت مصر أن تكون أول دولة في العالم تبتعد عن استعمال الفحم لإنتاج الكهرباء، حتى قبل البدء فيه. والخطوة المنطقية التالية هي استخدام الطاقات الطبيعية لإنتاج الكهرباء … ولكن أي الطاقات الطبيعية تتوافق مع ظروف مصر؟ وهل لنا الخيار؟ وهل المتاح يكفي للطلب المتزايد؟
لو طلبنا المشورة من خبراء أوروبا لسمعنا من بعضهم: “أفضل شيء هو الطاقة المائية من مساقط المياه أو السدود على الأنهار” … نعم عندنا نيلنا العظيم ولكنه في داخل حدودنا هادئ مستأنس لأن انحدار الأرض قليل وإلا لجرف تربة الوادي الخصبة ولما نشأت الحضارة في هذه البقعة، فضلا عن أننا استخدمنا المتاح أفضل استخدام ببناء السد العالي وقبله خزان أسوان. قد نسمع من آخرين: “لقد استخدم جدودكم الرياح المنتظمة القادمة من الشمال الغربي لدفع السفن عكس تيار النهر، فيا لها من طاقة يحسدكم عليها غيركم لاستمرارها وانتظامها فهي ليست عاصفة مدمرة ولا هي متوقفة إلا للحظات” …
نعم، ولكننا نستعمل المصاعد في مقار العمل والسكن وكذلك الأفران لصهر المعادن فلا نستطيع الاعتماد على مصدر متقلب مثل الرياح، تأتي عندما تشاء وتتركنا حائرين عندما تسكن. فيقول آخرون: “عندنا نستعمل الخلايا الشمسية مع أن شمسنا أقل من نصف قوة شمسكم” … نعم ولكن مع قوة شمسنا تكون حرارة طقسنا أعلى من حرارة طقسكم فتنتج الخلايا الشمسية عندنا أقل من انتاجها عندكم، هذا غير أن طقسكم يغسل الخلايا بالمطر من وقت لآخر بينما طقسنا الجاف يتسبب في تراكم الأتربة على الخلايا، أما العائق الأكبر فهو أن الخلايا الشمسية لا تمدنا بالكهرباء ليلا ولا توجد للآن وسيلة اقتصادية لتخزين الكهرباء بالمقادير الكافية لتغذية مدينة مثل القاهرة طوال الليل، وعندما يبدأ انتاج السيارات الكهربائية فسنحتاج لشحن بطارياتها، وذللك يتم في أغلب الأحوال ليلا حيث تقبع السيارات في مواقفها لساعات طويلة تتيح أحسن الفرص للشحن بتيار منخفض لا يحتاج لكابل غليظ، ولكن الكهرباء يجب أن تكون متاحة وكذلك من مصدر متجدد، فلا تصلح الخلايا الضوئية للقيام بهذا العمل إذا تم توصيلها بالشبكة لتقوم أساسا مقام المحطات التقليدية والرابط المرفق يشرح شحن البطارية من وجهة نظر مالك السيارة دون أن يتطرق لطريقة الإمداد الكهربائي ومن البديهي أنه إذا أراد الشحن السريع فيجب أن يكون الكابل الذي يوصّل الكهرباء من الشبكة العامة إلى الشاحن يتحمل التيار الشديد الذي يمر في داخله وهذا عادة غير متاح في المناطق السكنية ولكنه متاح في بعض المناطق الصناعية.
من مقارنة كلفة الاستهلاك تبين أن تكلفة استهلاك السيارة الكهربائية 60٪ أقل من تكلفة استهلاك وقود السيارة التقليدية حاليا مع توقع زيادة سعر كل أنواع الوقود الحفري مستفبلا. وهذا يعطي مؤشرا قويا لنمط الاستعمال، فعندما يكون استعمال السيارة خاصا تكون المسافات اليومية قصيرة ولكن عندما يكون استعمال السيارة مرتبطا بالعمل ومثال ذلك عمل السفراء وأعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي، تصل المسافات إلى آلاف الكيلومترات كل شهر مما يجعل الوفر في الاستهلاك ظاهرا في حساب التكاليف الكلية. بجانب ذلك تعطي السيارة الكهربائية – وهي لا تخفى للناظر ولا للسامع بسبب هيئتها المميزة ولأنها صامتة ولا يصدر عنها روائح كريهة – مهابة لصاحبها في صورة رسالة: “أنا أنتمي لدولة تعمل ما في وسعها لحماية المناخ، لذلك وضعت ميزانية خاصة لشراء سيارات كهربائية مصنعة في مصر لكل بعثة خارجية”
في ذلك التصرف مميزات كثيرة منها تأمين تصريف السيارات من المصنع الجديد، وانخفاض سعر السيارة إلى النصف مقارنة بأسعار السيارات المماثلة في دول أوروبا والوفر في المبالغ التي تدفع بعملة الدولة الأجنبية خاصة أن أسعار الوقود في ارتفاع يفوق ارتفاع سعر الكهرباء. ولكن الميزة الكبرى أنها تفتح مجال تصدير هذه السيارات إلى الدول التي تسير في شوارعها رافعة علم مصر وحاملة رجال وسيدات البعثة الدبلوماسية المصرية لتقديم أوراق اعتمادهم أو زيارة معرض للحضارة المصرية الحديثة أو لمقابلة أعضاء الجالية المصرية. طبعا يجب أن توفي هذه السيارة شروط الترخيص في الدول التي تصدّر إليها وأعضاء السلك الدبلوماسي أقدر من يستطيع إنهاء هذه المستندات بالسرعة المطلوبة.
ولكن ما الفائدة العائدة على المناخ من تسيير سيارة كهربائية، كهربائها تنتج من وقود حفري ملوث للبيئة؟ الفائدة الصغيرة هي أن كفاءة السيارة الكهربائية أعلى من كفاءة السيارة التي تعمل بالوقود فيكون استهلاكها من الوقود الحفري أقل، والفائدة الكبيرة هي أن الطلب على الكهرباء سيزداد وبالتالي يستوجب إنشاء قدرات كهربائية من الطاقات المتجددة وهنا تكون الفائدة قد عمّت على الجميع. ومع ذلك فاتخاذ القرار يكون صعبا في حالة السعر المبدئي المرتفع، لذلك تستعمل استراتيجية “التأمل الإيجابي” وهي ترك النواحي السلبية جانبا مؤقتا وبدء محاولة جادة لحصر الجوانب الإيجابية في المنتج المعروض للشراء. وبعد كتابة الجوانب الإيجابية كلها نتجه إلى الجوانب السلبية ونحصرها مثل حصرنا للإيجابيات، والخطوة الثالثة هي مقارنة الإيجابيات بالسلبيات مقارنة موضوعية غير منحازة، عندها تتضح الصورة بكل جوانبها، وعندها نستطيع أن نقول: “هذه السيارة أعطتني الدفعة لأشجّع نشر الطاقات المتجددة التي ستعود على وعلى أبنائي وأبناء عشيرتي وكذلك على كل العالم بالخير”
وكما رأينا من مناقشة السيارات الكهربائية، ولا شك أن العالم كله متجه نحو استعمال الطاقة الكهربائية في مختلف نواحي الحياة، وما الهيدروجين الأخضر سوى حامل للطاقة ينتج من الكهرباء الخضراء أي التي لا تسبب انبعاثات ضارة، إذن كلما زاد استهلاك الهيدروجين الأخضر كلما زاد الطلب على الكهرباء النظيفة. ومن البديهي أن هذا الطلب سيكون على مدار اليوم وليس متقطعا تبعا لسطوع الشمس أو نشاط الرياح. وهكذا نصل إلى المواصفات الإطارية لكهرباء المستقبل لتتعامل مع فترات الوفرة في الطاقة الطبيعية وكذلك مع فترات الندرة لهذه الطاقة الطبيعية:
اختيار المكان الجغرافي الذي يضمن وفرة الطاقة المتجددة على مدار السنة واختلاف المواسم
إنتاج الطاقة الكهربائية يجب أن يكون مستقلا عن التقلبات اللحظية والموسمية
ليتحقق ذلك يجب عمل تخزين على مقربة من موقع إنتاج الكهرباء يكفي لعبور فترات الندرة
يجب أن يراعى في التخزين ألا تكون عمليات تحويل الطاقة من صورة إلى أخرى تستنفد قسطا كبيرا من الطاقة المنتجة بسبب تدني كفاءة التحويل من صورة طاقية إلى أخرى.
بعد جهد الحصول على الكهرباء النظيفة يجب المحافظة عليها من التطاير بسبب فواقد نقل الكهرباء. أي يجب أن يكون إنتاج الكهرباء قريبا من أماكن الطلب عليها.
مراعاة هذه المواصفات الإطارية تشير بقوة إلى الحزامين الشمسيين في الكرة الأرضية عند خطي عرض 20 إلى 30 شمالا وجنوبا حيث ساعات سطوع الشمس شتاء وصيفا تتراوح بين 10 ساعات و 14 ساعة وهو أنسب الأماكن لإنتاج كهرباء مضمونة ومأمونة وهي لذلك غير مكلفة لأنها لا تحتاج لنقلها مسافات طويلة تعرض جزءا منها للفقد.
وميزة الإشعاع الشمسي في هذه المواقع أن له عطاء مزدوج لأنه يسطع بنوعين أساسيين من الطاقة وهي طاقة الضوء والطاقة الحرارية بعكس سطوع الشمس في الأماكن المزدحمة بالسكان والنشاط الاقتصادي مثل وسط أوروبا حيث أن كثرة السحب هناك تحجب الإشعاع الحراري للشمس المتمثل في الأشعة المباشرة التي تسبب الظلال.
وكما نظرنا بحيادية إلى الموقف الاقتصادي للسيارات الكهربائية ووجدنا باستراتيجية “التأمل الإيجابي” – بعكس الانطباع المبدئي المتأثر بالسعر – أن ايجابياتها تفوق سلبياتها خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ارتفاع الأسعار المتوقع في المستقبل للوقود الحفري سنجد أننا نعيش فوق “بساط من ذهب”، ولا أقول “منجم من ذهب” لأنه منبسط أمامنا فلا نحتاج للحفر ولا للتنقيب لنصل إليه وما علينا إلا أن نشمر عن سواعدنا وننهل منه بعد إعداده الإعداد المناسب.
وإذا واصلنا الجهود وثابرنا على العمل الجاد والمتقن نستطيع أن نحول أشعة الشمس الحارقة إلى ماء عذب تفوق عذوبته عذوبة ماء النيل. وعلى صعيد آخر نستطيع أن نحول أشعة الشمس إلى زيت له صفات الزيت المعدني دون أضراره لأن عملية إنتاجه تحتاج بجانب تركيز أشعة الشمس إمتصاص بعض غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي لدمجه مع الهيدروجين الأخضر في عملية معقدة نهايتها سائل يسهل نقله وتخزينه وعند حرقه في محركات الطائرات ينتج عنه بخار الماء ونفس مقدار ثاني أكسيد الكربون الذي امتصه سابقا من الجو، أي أنه محايد في تأثيره على البيئة.
ترجمة هذه التطلعات إلى واقع ملموس يقودنا إلى مخطط خميسة الذي عرضته في مؤتمرات متعددة في نقابة المهندسين والجامعات المصرية، و
عند تطبيق هذا المخطط سيكون أيضا بصمة للحضارة المصرية في العالم تضاف إلى البصمات السابقة كاختراع الكتابة ومحاسبة الانسان بعد مماته لوزن حسناته مقابل سيئاته، وقليل من التطلع واستشراف المستقبل وما يأتي به من عالم افتراضي قد يغنينا عن عالما الحقيقي لأن الصور أمامنا ستكون مجسدة. حسنا … ولكن كل هذا يحتاج كهرباء … أي أن الكهرباء هي الأساس لكل هذه التصورات المستقبلية … والكهرباء النظيفة سيكون مصدرها الصحراء….

After Content Post
You might also like