هاني النقراشى يكتب : حتشبسوت وتخزين الطاقة وابتكارات الحاضر

المستقبل يفتح أبوابه للشعوب التي تعمل بأيدي وعقول أبنائها ذكورا وإناثا وليس باستعارة أفكار الآخرين ومحاولة إقحامها في مجتمعنا.

ولا شك أن من يتطلع لمستقبل مزدهر يضع تأمين موارده المستقبلية في أولويات حساباته، كما فعلت الملكة حتشبسوت عندما أرسلت بعثة استكشاف منابع النيل وأمنتها بالجنود يحملون في يد سلاحهم وفي يدهم الأخرى غصن زيتون إشارة إلى: “نحن قادمون في سلام ولكننا لا نتورع عن مقاومة من يعتدي علينا” وبهذه السياسة الحكيمة عادت بعثتها سليمة ومعها نباتات وحيوانات غير معروفة في مصر بل جاءت معها أيضا ملكة “بونت” لتزور نظيرتها ملكة مصر لتتعرف على حضارتها وتقدمها العلمي وفوق ذلك لنظرتها المستقبلية لتأمين منابع النيل لشعبها. وتحقق هدفها جزئيا بأن أقنعت ملكة “بونت” بالحفاظ على نظافة ماء النيل الذي يمر ببلادها حيث أن الشعبين متشاركين في مياهه.

رؤية هذا التاريخ ببصيرة اليوم، تدفعنا دفعا لنترجم ما فعلته حتشبسوت في زمانها بتأمين مصادر الطاقة اليوم. وهذا هو ما فعلته الدول التي بنت اقتصادها على الطاقات الحفرية، فأمّنت هذه المصادر وكأنها تملكها. ولكن لا شك أن الطاقات الحفرية في زوال لأن الله وضع في الأرض ثروات البشر بحسبان، لذلك يجب علينا قدح عقولنا للبحث عن مصادر طاقة مستدامة يمكننا تأمينها. وهنا يتبادر إلى ذهننا ثلاثة مصادر متاحة في مصر وهي الرياح والشمس والماء.

المصدر الأخير سبقنا أسلافنا لاستخدامه خير استخدام، وما السد العالي بخزانه الهائل إلا دليل على حسن تدبيرهم. والمصدر الأول وهو الرياح استخدمه الوالي محمد على باشا في عهده لطحن الحبوب بدلا عن تكليف جنود الجيش بهذا العمل لاحتياجه إليهم في الجبهة ثم اندثرت الخبرة بهذه التقنية إلى أن أحياها زميلنا الأستاذ الدكتور أمين مبارك بتأييد من وزير الكهرباء الأسبق المهندس ماهر أباظة صاحب فكر الربط الكهربائي مع أوروبا وإفريقيا والشرق والغرب. وأحمد الله أن وفقني لحفظ تراثه هذا الذي كاد أن يندثر.

عندما بدأ أمين مبارك في إرساء علوم طواحين الرياح (هذا الاسم لصق بها منذ استعمالها الأول) منذ عدة عقود بدت كأنها المصدر الوحيد للطاقات المتجددة التي يمكنها أن تكون مكملة لطاقة المياه حيث أن طاقة المياه تصرف بحسابات الري قبل حسابات الكهرباء رغم وجود التخزين الذي يتيح التصرف فيها لتلبية أي طلب في لحظته.

أما الآن فلدينا أدوات تسمح بقياس سرعة الرياح – وهي مصدر الطاقة – ومدى استمرارها على مدار السنة. وامتد هذا العلم إلى توصيف بعض القياسات لتحديد أداء المعدات عند وضعها في مكان معين تختلف فيه شدة الرياح بين فصول السنة وكذلك لحظيا. لذلك عند ذكر عدد يشير إلى القدرة الإسمية لمعدة معينة وجب إضافة عدد آخر يبين حسن أداء هذه المعدة ليتمكن المستمع من تصور مدى تطابق أداء هذه المعدة مع قدرتها الاسمية التي ضمنها صانعها. لأن القدرة الإسمية لا تعطي مؤشرا لشدة الرياح أو استمرارها.

وينطبق هذا المبدأ على الخلايا الضوئية التي تمدنا بالكهرباء بمجرد سطوع الشمس عليها ولها ميزة فريدة وهي أنها تعمل تلقائيا دون أجزاء متحركة، فهي لا تحتاج لتشحيم ولا لقطع غيار. ولكن قدرتها الاسمية لا تبين لنا مدى استجابتها لضوء الشمس حيث أن هذه الاستجابة تقل مع حرارة الجو وهي كذلك لا تدلنا على السُحُب التي قد تحجب الشمس ولا تدلنا على مدى فقدها لقدرتها الاسمية مع التقادم. كل ذلك لا ينقص من تميزها في إمداد الكهرباء للأماكن النائية وكذلك لإمداد الكهرباء لطلب متوافق مع سطوع الشمس مثل الطلب على أجهزة التكييف.

الخلاصة ان الطاقات المتجددة المتقلبة مثل الرياح والخلايا الشمسية الضوئية تكون الاستفادة منها مرهونة بقدرة المعدة على التخزين

لذلك عند مقارنتهما بطاقة الشمس الحرارية التي تتيح تخزين طاقة الشمس بعد تركيزها لتحويل هذه الطاقة (المكتسبة والمختزنة) من صورتها كحرارة إلى الصورة التي تعودنا استعمالها وهي الكهرباء لوجدنا أنها الأوفق لاستعمالنا كأفراد وكمجتمع يتطلع لحياة كريمة ينبغي معها تأمين مصادر طاقته.

وأي تأمين أفضل من التأمين الإلهي من العلي الذي خلقنا وخلق معنا سبل معاشنا ووضع هذه السبل في أرضنا بسخاء إلى يوم الدين. فلنذكره ونحمده على هذه النعمة بدل البحث عن بديل نشتريه بأموالنا بدلا عن تخصيص هذه الأموال للتنمية التي يستحقها هذا الشعب المناضل.

After Content Post
You might also like