البنك الدولي يضع روشتة لمواجهة معدلات التضخم عالميًا
وضع البنك الدولي روشتة لمعالجة تفاقم مستويات التضخم على مستوى العالم، وشملت الروشتة ثلاث سياسات تعالج ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض معدلات النمو إلى جانب دعم الفئات الأقل دخلاً، وهي تحسين جودة الإنفاق العام، حيث أن كثيرٌ من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما المستوردة للنفط منها، تثقل كاهلها ديون عامة ضخمة وتعاني من ضيق الحيز المتاح للإنفاق في إطار ماليتها العامة، لكن لديها احتياجات للإنفاق مثل توسيع نطاق الأنظمة الحديثة للحماية الاجتماعية والاستثمار في تدابير التكيف مع تغير المناخ. ويتعين عليها الارتقاء بجودة النفقات العامة الجارية وإعادة توجيهها.
وفي الوقت الحالي، تُهيمن أجور العاملين في القطاع العام، وأنظمة الدعم غير الموجَّهة لفئات بعينها، وأعباء خدمة الديون على الإنفاق العام، وتُسهِم جميعاً في أوجه الجمود في الموازنة. ومع أنه قد لا يوجد خيار يُذكَر أمام البلدان المعنية في الأمد القصير، ويساعد البنك الدولي مختلف البلدان في هذه الجهود من خلال استعراضات الإنفاق العام، وتحليلات أثر الضرائب والإنفاق الحكومي على الدخل الحقيقي، وإسداء المشورة بشأن تمويل البنية التحتية وإدارة الديون، وهو ما يجري الآن في مصر والمغرب ولبنان وغيرها.
وتعزيز شفافية الديون وتفادي “الديون الخفية”، فبالنسبة للبلدان التي تنشط في أسواق التمويل السيادي، وهو حال معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المهم عدم مفاجئة الجهات الفاعلة في الأسواق الدولية. وخاصة في السياق السائد حالياً من ارتفاع مستويات الديون والإحجام عن تحمل المخاطر (في بلدان الأسواق الناشئة)، يجب على تلك البلدان ضمان الثقة في بيانات ديونها. وتُظهِر الخبرات العالمية أن “الديون الخفية” غالباً ما تصبح معروفة في أسوأ وقت ممكن، وذلك عندما تحدث بالفعل أزمة.
ومع أن شفافية الديون تُشكِّل تحدياً عاماً في مختلف بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن لدى المنطقة إحصاءات جيدة إلى حد ما بشأن الديون، والديون الخفية مثل ما أصبح معروفاً في بلدان كموزامبيق لم تشهدها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولكن يجب على مختلف البلدان توخي الحذر من الالتزامات الطارئة سواء كانت ناجمة عن ضمانات حكومية لشركات مملوكة للدولة أو مشروعات القطاع العام، أو ضمانات ضمنية كما يحدث حينما تقترض شركة مملوكة للدولة على أساس دعمٍ مُتصوَر من الحكومة، أو التزامات أخرى. ومن الأمثلة المهمة في هذا الصدد اتفاقيات شراء الكهرباء: فهي في الغالب لا يتم الإفصاح عن تفاصيلها، وتُبرَم في سياقات ضعف استرداد التكاليف، مع احتمال أن تصبح التزامات على الحكومة.
وتفادي “ھيمنة المالية العامة” والاعتماد المفرط على البنوك المركزية، حيث تشير ھيمنة المالية العامة إلى وضْعٍ يصبح من المتوقع فيه أن يتم تمويل عجز الموازنة العامة والديون الحكومية بزيادة عرض النقود بمعنى تمويلها من خلال “طبع النقود”.
وفي الظروف العادية، تظل الديون العامة التزاماتٍ يُمكن تحملها وتحت السيطرة من خلال مزيج من النمو الاقتصادي وفرض الضرائب. ولكن الصدمات والسياسات السيئة قد تدفع الديون إلى مستويات لا يمكن الاستمرار في تحملها، وتؤدي إلى توقعات أو تطلعات بأن الخزانة العامة ستعتمد على البنك المركزي. ولا يبدو هذا وضعاً جيداً، ولبنان هو أصدق مثال على هيمنة المالية العامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وليس بمقدور البنوك المركزية أن تفعل الكثير إلا من خلال احتياطياتها من النقد الأجنبي وإدارتها لأنظمة العملة والقطاع المصرفي، ولكن لا يمكنها الحفاظ على استقرار الأسعار (التحكم في التضخم) إذا أصبحت الملاذ الأخير لإقراض الحكومات.
وحينما يتداعى استقرار الأسعار، تتلاشى احتياطيات النقد الأجنبي بسرعة. ولتفادي هذا الوضع، تجد البنوك المركزية أنه لا بد من اللجوء إلى تقنين النقد الأجنبي، وهي ممارسة ذات تأثيرٌ تشويهي بدرجة كبيرة لا تفعل سوى تأجيل ما هو حتمي، مثلما حدث حينما تخلفت سري لانكا عن سداد ديونها الخارجية للمرة الأولى في تاريخها الشهر الماضي.
ويدعو بعض محافظي البنوك المركزية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى التحرك على وجه السرعة لإجراء إصلاحات هيكلية. وهذا أمر مفهوم ومفروغ منه. فإذا ساءت أوضاع المالية العامة، ولم يبدأ إجراء إصلاحات هيكلية، فإن أدوات البنوك المركزية تصبح غير مجدية.