“لغز يحير العلماء”… لماذا نستيقظ قبيل جرس المنبه مباشرة؟
الدماغ البشري مليء بالأسرار والقدرات الفائقة التي لم يتمكن العلم من فك شفرتها حتى الآن، لكنها تطل علينا أحيانا في مواقف بحياتنا اليومية.
على سبيل المثال، هل جربت أن تضبط المنبه عند الساعة الثامنة صباحا مثلا، لكنك تستيقظ قبل ذلك بفترة وجيزة ربما دقيقة أو أكثر قليلا؟.
لست وحدك في هذه الحالة. لكن لماذا يحدث هذا وهل هناك تفسير منطقي لذلك؟.
يقول الدكتور روبرت ستيكجولد، خبير علم الأعصاب في جامعة هارفارد، إن هذه الظاهرة “لغز علمي” يشغله كثيرًا.
وتابع في مقابلة أجرتها معه شبكة NPR: “في حين أنه من الواضح أن هذه ظاهرة شائعة، لكن العلم لا يزال يواجه صعوبة في شرح كيفية حدوثها للتو، وهناك من ينكرها تماما”.
عندما بدأ في مجال أبحاث الدماغ، سأل الدكتور ستيكجولد، الذي كان وقتها طالبا شابا، أحد محاضريه عن هذه الظاهرة.
وحسب قوله، قال المحاضر: “يمكنني أن أؤكد لكم أن جميع الباحثين في مجال النوم يقولون إن هذا هراء، إنه مستحيل”.
منذ ذلك الحين، مرت عدة عقود وتراكمت العديد من الدراسات حول دراسة النوم، لكن لم يثبت أي منها حقا وجود هذه الظاهرة، أو شرح كيف تحدث ولماذا.
ومع ذلك، لا يزال ستيكجولد متمسكا بموقفه القائل بأن هذه ظاهرة من المهم معالجتها، وقال: “أفاد مئات الآلاف من الأشخاص حول العالم أنهم استيقظوا قبل جرس المنبه – وأنا من بينهم”.
وتابع: “يمكن أن أستيقظ في الساعة 7:59، قبل دقيقة واحدة من انطلاق المنبه، وأطفئه قبل أن تستيقظ زوجتي”.
بطبيعة الحال، من الواضح أن لدى البشر نظام معقد من العمليات الداخلية التي تساعدنا على مواكبة العصر، وهو ما يشار إليه عموما باسم “الساعة البيولوجية”.
من المعروف اليوم أن نفس “الساعة البيولوجية” تتأثر بعوامل مختلفة مثل التعرض لأشعة الشمس والكافيين والنظام الغذائي والنشاط البدني وغير ذلك. كل هذا ينظم دورات النوم واليقظة ويؤثر بشكل كبير على الاستيقاظ في الصباح، لكن لا أحد منها يفسر الدقة التي لا يمكن تصورها للاستيقاظ قبل المنبه مباشرة
هل توترنا أكثر فعالية من المنبه؟
في أواخر التسعينيات، سعى باحثون من ألمانيا إلى فهم كيفية تأثير توقعنا للاستيقاظ في وقت معين على ما يعرف بمحور HPA، أي نظام الاستجابات الهرمونية التي تساعد الجسم على التعامل مع التوتر والقلق.
قال البروفيسور جان بورن، مدير قسم علم النفس الطبي في جامعة توبنغن، والذي قاد البحث في ذلك الوقت، إن فريقه سعى إلى التحقيق، من بين أمور أخرى، في نشاط هرمون يسمى ACTH، والذي يتم تخزينه في الغدة النخامية ويوجه الغدة الكظرية بإفراز الكورتيزول، المعروف باسم “هرمون التوتر” والذي يؤثر، من بين أمور أخرى، على مستوى اليقظة في الصباح.
أجريت الدراسة على مجموعة صغيرة من 15 شخصا، والذين عادة ما يستيقظون بين الساعة 7 و7:30. تم تقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات – في مجموعة استيقظوا في السادسة، وفي المجموعة الثانية في التاسعة، وفي الثالثة اعتقدوا أنهم سيستيقظون في التاسعة، لكن تم إيقاظهم بشكل مفاجئ في السادسة. فعلوا كل هذا لمدة ثلاثة أيام في مختبر النوم، أثناء أخذ عينات الدم لاختبار تركيز الهرمونات في أجسامهم.
أظهرت المعطيات أنه بالنسبة لأولئك الذين استيقظوا في السادسة، ارتفع معدل هرمون ACTH (قشر الكظر) في حدود الساعة 5. وصف البروفيسور بورن هذا بأنه حالة “عرف” فيها الجسم أنه بحاجة إلى الاستيقاظ في وقت مبكر، وأضاف أن “هذا هو نوع من التحضير التكيفي الذي يقوم به الجسم لمنحنا طاقة كافية للاستيقاظ”.
هذه الزيادة لم تظهر في أولئك الذين اعتقدوا أنهم سيستيقظون لاحقا، أو في أولئك الذين استيقظوا في التاسعة.
يعتقد بورن أن هذا يمكن أن يعلمنا أنه ربما عندما نستيقظ متأخرا، لا يشعر الجسم ببساطة بالحاجة إلى إفراز المزيد من “هرمونات التوتر”. وقال “هذا يعني أن النظام مرن، ويمكنه أن يتكيف مع التغييرات كل ليلة”.
يعتقد البروفيسور بورن أن توترنا وقلقنا لهما القدرة على “تجاوز” آليات معينة في الدماغ والسماح لنا بالاستيقاظ في الوقت المناسب. في رأيه، تلعب الهرمونات مثل الكورتيزول دورا مهما في يقظتنا الطبيعية، على الرغم من أنه ليس من الواضح تماما كيف يحدث ذلك بالضبط.
وخلص الدكتور ستيكجولد الذي أطلق على هذه الظاهرة اسم “نظام الإنذار الداخلي الغامض لدينا”، إلى القول: “إنه لغز علمي حقيقي (..) لا يزال لدينا الكثير لنتعلمه حول كيفية عمل عقولنا”.