اتجاهات السياسة النقدية في مصر: بين فرص التيسير وتحديات التمويل الخارجي

يتضح اتجاه لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري لدورة التيسير النقدي لأول مرة منذ 4 سنوات ونصف السنة والتي بدأها المركزي المصري في أبريل 2025 حيث خفض سعر الفائدة بنحو 2.25% وتبعه بخفض 1% في مايو لتنخفض إلى 24% للإيداع و25% للإقراض في حين أبقى على سعر الفائدة دون تغيير في اجتماعه الأخير الشهر الماضي وهو ما أرجعه المركزي إلى الحصول على المزيد من الوقت للتريث في المضي قدماً في دورة التيسير النقدي، والآن ومع أقتراب موعد الأجتماع الخامس المقرر في أغسطس 2025 والذي يصاحبه تغييرات كبيرة على صعيد انخفاض معدلات التضخم وأسعار المستهلكين؛ واستقرار الموارد الدولارية للاحتياطي النقدي؛ وارتفاع سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية؛ وزيادة حجم التدفقات الدولارية الناتجة من الأموال الساخنة التي يستهدف الحفاظ عليها؛ وكذلك  رفع المركزي المصري كافة القيود على تدبير الدولار الأمريكي للشركات ووصلت أيضاً على رفع كافة القيود للأفراد سواء لأستخدام بطاقات الدفع أو التدبير للمسافرين؛ والتحسن الطفيف في مؤشر مديري المشتريات؛ يضاف إلى ذلك التغيرات التشريعية المُعلنة الفترة الأخيرة ومنها تعديلات ضريبة القيمة المضافة؛ وكذلك ترقب بعض قرارات رفع الدعم على المحروقات قبل نهاية عام 2025 والتي تم تأجيلها مؤخراً؛ وإصدار مرتقب لديون بالعملات الأجنبية؛ وأيضاً التوترات الجيوسياسية وتداعياتها.

حيث تراجعت معدلات التضخم للشهر الثاني على التوالي فقد انخفض معدل التضخم السنوي خلال الشهرين الماضيين بنحو 290 نقطة أساس، ليسجل 13.9% في يوليو 2025 مقارنة بـ16.8% في مايو السابق له، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؛ وفي حال استمرار تحسن هذه المؤشرات قد يتراجع التضخم بقراءة أغسطس إلى 12% ويستهدف البنك المركزي المصري تراجع التضخم تدريجياً ليصل إلى 7% بزيادة أو أقل 2% بنهاية الربع الأخير من عام 2026. وعلى صعيد شهري سجل المؤشر القياسي لأسعار المستهلكين (CPI) تراجعاً في يوليو بنسبة 0.6% عن يونيو 2025. كما تراجعت عقود مبادلة مخاطر الائتمان (Credit Default Swaps) للديون السيادية المصرية بنسبة 7.1% منذ الاجتماع الماضي لتنخفض من 472.3 نقطة أساس إلى 438.5 نقطة أساس كما انخفضت الفائدة على أذون الخزانة الحكومية لأجلي ثلاثة وتسعة أشهر في العطاءات الأخيرة للمركزي المصري والذي قد يشير إلى انحسار ضغوط السيولة في سوق الدين المحلي كما أن الارتفاع في قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي يقلل من الضغوط التضخمية المستوردة أو يساعد في ابقائها عند المستويات الحالية بالتزامن مع أطلاق الحكومة لمبادرة لخفض الأسعار. كما نجد أن مؤشر مديري المشتريات في القطاع الخاص غير النفطي PMI قد أرتفع إلى 49.50 نقطة في يوليو من 48.80 نقطة في يونيو 2025. إلا أنه لا يزال دون المستوى المطلوب ويتطلب مزيداً من الحوافز ويدل على استمرار التباطؤ في نمو القطاع الخاص غير النفطي حيث بلغ متوسط قيمة 48.03 نقطة منذ عام 2012 حتى عام 2025، ووصل إلى أعلى مستوى على الإطلاق بلغ 52.50 نقطة في نوفمبر 2013 وأدنى مستوى قياسي بلغ 29.70 نقطة في أبريل 2020. كل هذه العوامل قد ترجح استئناف المركزي المصري لدورة التيسير النقدي التي اتجه  إليها منذ أبريل الماضي وتمثل نقطة دعم قوية نحو خفض الفائدة بمعدلات من 1% إلى 3% ويمنح المركزي المصري نطاقاً أوسع لتخفيف سياسته النقدية دون إثارة حالة من عدم الاستقرار في العملة سواء من حيث السعر أو من حيث التوافر.

ولكن على الجانب الآخر في ظل توقعات تحريك أسعار الكهرباء والغاز خلال الفترة المقبلة وكذلك مع طرح التوجه لإصدار صكوك بالدولار الأمريكي في سبتمبر أو أكتوبر المقبلين بالتزامن أيضاً  مع رغبة المركزي المصري في الحفاظ على حجم استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية أو مايطلق عليه الأموال الساخنة يشكل تحديا أمام المركزي للحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة لجذب المستثمرين وحماية تدفقات النقد الأجنبي. لذا نجد أنه تقضي اتجاهات انخفاض التضخم والارتفاع في قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي والتوجه نحو زيادة مؤشر مديري المشتريات لما هو أعلى من 50 نقطة إلى خفض أسعار الفائدة، في المقابل فإن احتياجات التمويل الخارجي والحفاظ على الأموال الساخنة وتوقيت إصدار الصكوك قد يدفعان البنك المركزي المصري إلى توخي الحذر أو تأجيل أي تيسير كبير للسياسة النقدية إلى ما بعد الإصدار.

After Content Post
You might also like