د. عمرو حسن في المؤتمر الدولي للنساء الطبيبات: “وفيات الأمهات ليست قدرًا… بل مسؤولية يمكن الوقاية منها”

شارك الأستاذ الدكتور عمرو حسن، أستاذ أمراض النساء والتوليد بكلية طب جامعة القاهرة، والمقرر السابق للمجلس القومي للسكان، وأحد أبرز الخبراء الإقليميين في قضايا السكان و التنمية في الشرق الأوسط وإفريقيا، في جلسة رفيعة المستوى بعنوان: “من أجل أمومة آمنة: تمكين مقدمي الرعاية الصحية لحماية حياة الأمهات”، برعاية صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، وذلك ضمن فعاليات المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين للجمعية العالمية للنساء الطبيبات (MWIA) بالتعاون مع القمة العالمية لصحة المرأة (WISH)، والمنعقد في القاهرة خلال الفترة من 12 إلى 14 أكتوبر 2025، بمشاركة نخبة من القيادات الصحية وممثلي المنظمات الدولية والقطاع الأكاديمي والخاص.

 

– عرض بالأدلة والأرقام: ثلثا الوفيات يمكن الوقاية منها

استعرض د. عمرو حسن نتائج المراجعة الوطنية لوفيات الأمهات لعام 2022، التي أعدّها استنادًا إلى بيانات اللجنة القومية لمراجعة وفيات الأمهات، والتي كشفت أن 64.5٪ من الوفيات كانت قابلة للوقاية،

وأوضح أن “معظم وفيات الأمهات لا تعود إلى أسباب طبية معقدة، بل إلى فجوات في جاهزية النظام الصحي والاستجابة السريعة للحالات الحرجة”، في حين كانت 15٪ فقط غير قابلة للوقاية، و20٪ من الحالات تفتقر إلى بيانات كافية، مما يعكس الحاجة إلى تحسين أنظمة التوثيق والرصد.

 

– الأسباب الرئيسية: نزيف ما بعد الولادة وتسمم الحمل

أكد د. عمرو حسن أن النزيف وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل ما زالا السببين الأكثر شيوعًا لوفيات الأمهات ، وكلاهما يمكن الوقاية منه بتدخلات استباقية تبدأ من المتابعة الدقيقة والكشف المبكر.

وأوضح أن الطب الحديث لم يعد ينتظر ظهور أعراض تسمم الحمل، بل أصبح يعتمد على الفحص المخبري المبكر بين الأسبوع 11 و13 من الحمل من خلال تحاليل PAPP-A وPlGF التي تُتيح تحديد السيدات الأكثر عرضة للمضاعفات قبل أن تظهر الأعراض.

وأشار إلى أن هذا النهج الوقائي، المدمج مع بروتوكولات المتابعة الدقيقة واستخدام الأسبرين الوقائي في الحالات عالية الخطورة، يمكن أن يقلل المضاعفات بنسبة 60 إلى 70٪، مؤكدًا أن “تحليلًا بسيطًا في الأسبوع الثاني عشر قد يُغني عن سرير عناية مركزة في الأسبوع الثاني والثلاثين.”

 

– الولادة القيصرية… جراحة ضرورية أم ظاهرة مفرطة؟

تطرق د. عمرو حسن إلى الزيادة المقلقة في معدلات الولادة القيصرية في مصر، مشيرًا إلى أنها تجاوزت الحدود الموصى بها عالميًا من قبل منظمة الصحة العالمية.

وأوضح أن “الولادة القيصرية المنقذة للحياة لا ينبغي أن تتحول إلى إجراء روتيني”، داعيًا إلى التوسع في برامج الولادة الطبيعية الآمنة وتفعيل مراجعة طبية مستقلة لكل ولادة قيصرية غير مبررة، حتى تعود الولادة القيصرية إلى مكانها الطبيعي: جراحة منقذة للحياة، لا إجراءً روتينيًا.

 

– من الحق في الحياة إلى واجب الدولة في الوقاية

قال د. عمرو حسن إن “وفاة الأم ليست حدثًا طبيًا فحسب، بل انتهاكًا لحق الإنسان الأول: الحق في الحياة”، مضيفًا:«كل وفاة أم ليست رقمًا في تقرير، بل إنذار بأننا تأخرنا في حمايتها.»

 

– أرقام تكشف الطريق: من الوقاية إلى الاستثمار

أشار إلى أن البداية الحقيقية للوقاية تكون قبل الحمل، من خلال تعزيز خدمات تنظيم الأسرة والرعاية السابقة للحمل، حيث أظهرت البيانات أن 62.4٪ من السيدات اللاتي توفين لم يستخدمن أي وسيلة لتنظيم الأسرة قبل آخر حمل ، وشدد على أن الاستثمار في صحة الأم ليس فقط التزامًا صحيًا بل رهانًا اقتصاديًا، موضحًا أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن كل جنيه يُستثمر في صحة الأم وتنظيم الأسرة يحقق عائدًا يقارب 170 جنيهًا، وهو ما يؤكد أن الاستثمار في صحة الأم سياسة اقتصادية رشيدة لبناء رأس مال بشري مستدام.

 

– مسيرة وطنية في خدمة المرأة المصرية

على مدار أكثر من 15 عامًا، يُعدّ الأستاذ الدكتور عمرو حسن أحد أبرز الأصوات المدافعة عن حقوق المرأة وتمكينها صحيًا واجتماعيًا ، حيث أسس مبادرات ومؤسسات مجتمعية رائدة، مثل “أنتِ الأهم” ومؤسسة مصر للصحة و التنمية المستدامة، التي تعاونت مع منظمات دولية كـصندوق الأمم المتحدة للسكان واليونيسيف وبلان إنترناشيونال في مشروعات استهدفت النساء والفتيات بالمناطق الأكثر احتياجًا.

وفي إطار مبادراته المجتمعية، أطلق كوميكس “سوبر حامل” (Super Pregnant)، أول قصة مصوّرة تعليمية موجهة للأمهات في الشرق الأوسط، وهي برنامج توعوي مبني على الرسوم الكرتونية تم توزيعه ضمن القوافل الطبية الريفية، حوّل الرسائل الطبية المعقدة إلى قصص بسيطة وسهلة الفهم، وتمت ترجمتها إلى الإنجليزية لتوسيع نطاق الاستفادة الإقليمي.

 

– التمكين… رؤية متكاملة من الطب إلى السياسات العامة

بفضل إيمانه العميق بأن التمكين الصحي والاجتماعي والسياسي للمرأة يمثل ركيزة رئيسية في مشروع الدولة المصرية لبناء الجمهورية الجديدة، ساهم الدكتور عمرو حسن بفاعلية في صياغة السياسات السكانية والصحية ودمج قضايا المرأة في الخطط الوطنية.

كما تم اختياره مستشارًا لوزير الصحة والسكان لشؤون السكان وتنمية الأسرة وعضوًا في تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين عام 2023، ليلعب دورًا محوريًا في دعم التشريعات والسياسات العامة الداعمة للعدالة والمساواة بين الجنسين.

 

– إنجازات وطنية ودولية

حصل د. عمرو حسن على جائزة الطبيب المثالي على مستوى الجمهورية عام 2022 من نقابة الأطباء، كما نال جائزة أفضل بحث علمي من المجلة الدولية لأمراض النساء والتوليد (IJGO) عام 2014.

وفي عام 2024، أكمل برنامج التعليم التنفيذي بجامعة شيكاغو بوث وتسلم شهادته من عميد الكلية ميدهاف راجان، تأكيدًا لمكانته الأكاديمية والقيادية المرموقة.

اختتم د. عمرو حسن مداخلته قائلًا: «الأمومة الآمنة تبدأ بالوعي وتنتهي بالمساءلة، ولن يتحقق ذلك إلا حين يصبح مبدأ “لا أم تموت وهي تُعطي الحياة” معيارًا نقيس به جاهزية المستشفيات واحترام كرامة كل امرأة في رحلة الحمل والولادة.»

After Content Post
You might also like