كيف خططت السعودية للريادة في مجال الطيران؟.. “جسور” تُجيب
خطة طموحة كرست خلالها المملكة العربية السعودية جهودها لبناء جسر قوي هو الأوسع انتشارا إقليميا في المستقبل القريب، وحولت المملكة منافسيها لشبكة تعاون تجعل مطارات السعودية محطة هامة في أغلب الرحلات المتجهة للشرق.. ويعتمد برنامج “الربط الجوي” في المملكة، على تطوير عصري للمطارات والبنية التحتية، مع زيادة قدرات التشغيل، وتوسيع التعاون مع الدول المحيطة، والاستناد للخطوط السريعة منخفضة التكاليف في الوصول لأبعد النقاط، ما يساهم في تحويل المملكة بسرعة إلى قوة سياحية عالمية من خلال توسيع خطوطها الجوية الدولية وإقامة شراكات استراتيجية مع شركات الطيران.
خطوط جديدة
ويهدف البرنامج إلى جذب 150 مليون زائر بحلول عام 2030، وهو عنصر أساسي في استراتيجية رؤية المملكة 2030 السياحية، ومن خلال إضافة أكثر من 80 خطًا جويًا جديدًا والتعاون مع شركات طيران دولية رئيسية، يُعزز البرنامج بشكل كبير إمكانية الوصول العالمي إلى السعودية، مما يُسهّل على المسافرين أكثر من أي وقت مضى استكشاف معالم المملكة المتنوعة، من تراثها الثقافي إلى قطاع السياحة الفاخرة المزدهر، ولا يُعزز هذا التوسع مكانة المملكة كمركز عالمي رئيسي فحسب، بل يلعب أيضًا دورًا حاسمًا في دفع نمو صناعة السياحة الوطنية.
وفي عام 2021 أطلقت السعودية البرنامج الذي حقق خطوات كبيرة في ربط المملكة بالأسواق العالمية الرئيسية، بهدف تعزيز السفر الجوي كعمود فقري لاستراتيجيتها السياحية الوطنية، وتُعد هذه المبادرة حيوية لمساعدة المملكة العربية السعودية على تحقيق هدفها الطموح المتمثل في جذب 150 مليون زائر داخلي بحلول عام 2030، حيث يلعب الربط الجوي دورًا محوريًا في تشكيل المشهد السياحي في المملكة.
دمج الشركات الدولية في الشبكة المحلية
منذ انطلاقته، لعب برنامج الربط الجوي (ACP) دورًا محوريًا في إنشاء روابط مباشرة من أسواق المصدر العالمية الرئيسية إلى السعودية، ونجح في إضافة أكثر من 80 مسارًا جديدًا، ودمج 17 شركة طيران دولية في شبكة النقل الجوي للبلاد، وزيادة عدد المقاعد المتاحة بأكثر من 5 ملايين مقعد في غضون سنوات قليلة، مع تنامي أهداف تطوير الأسواق المستهدفة، واستدامة المسارات، والتعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص.
الصين وأوروبا
ومن الإنجازات الرئيسية لبرنامج الربط الجوي نجاحه في توسيع الروابط الجوية مع الصين، وقد رسّخت الرحلات الجوية المباشرة من مدن رئيسية مثل قوانغتشو وشنتشن وبكين وشانغهاي وهونغ كونغ مكانة المملكة العربية السعودية كوجهة مرغوبة للمسافرين الصينيين، ويخطط البرنامج مستقبلًا لتوسيع العديد من هذه المسارات، بهدف زيادة وتيرة الرحلات من رحلتين أو ثلاث رحلات أسبوعيًا إلى رحلات يومية أو حتى رحلات متعددة يوميًا، وبالمثل، يركز البرنامج على تعزيز العلاقات مع الأسواق الأوروبية، وخاصة في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، حيث تستجيب شركات الطيران للطلب المتزايد من خلال زيادة وتيرة الرحلات.
وبالإضافة إلى الصين وأوروبا، تُعطي المملكة العربية السعودية أولويةً أيضًا لأسواق سنغافورة واليابان وكوريا وأمريكا الشمالية، حيث تُعدّ هذه المناطق بالغة الأهمية لتنويع تدفقات الزوار وزيادة الربط المباشر بالمدن الرئيسية والثانوية في المملكة العربية السعودية، ولا يقتصر الهدف على جذب شركات طيران دولية جديدة فحسب، بل يشمل أيضًا تعزيز الطاقة الاستيعابية للخطوط الجوية الحالية، مما يجعل الوصول إلى المملكة أكثر سلاسةً للمسافرين.
ربط الأسواق المستهدفة بالمدن السياحية
خلال مؤتمر السياحة العالمي في الرياض، أعلن برنامج الربط الجوي عن العديد من التطورات المهمة، ومن أبرز الإضافات خط مباشر جديد بين مطار ميلانو مالبينسا ومنطقة البحر الأحمر في السعودية، مما يدعم قطاع السياحة الفاخرة المتنامي على طول الساحل، ويُمكن تحقيق هذا التوسع من خلال التعاون مع شركة البحر الأحمر العالمية والهيئة السعودية للسياحة، ليمتد العام المقبل إلى عددا من المطارات الأوروبية المستهدفة، وعلاوةً على ذلك، سيُسهّل إطلاق رحلة مباشرة من الدوحة إلى حائل الوصول إلى شمال المملكة العربية السعودية، ويربط شبكة الخطوط الجوية القطرية الواسعة التي تضم أكثر من 170 وجهة بالمدن الشمالية في المملكة.
تعاون مع المنافسين
على الرغم من قرب مراكز الطيران الإقليمية الرئيسية مثل دبي والدوحة وإسطنبول، لا تنظر المملكة العربية السعودية إلى هذه المدن كمنافسين، بل ترى في التعاون الإقليمي سبيلاً للمضي قدماً، حيث يتزايد عدد المسافرين الذين يهبطون في دبي أو الدوحة الذين يدرجون السعودية ضمن برامج رحلاتهم متعددة الوجهات، ويحرص برنامج الربط الجوي على الاستفادة من هذا التوجه، ومن خلال التركيز على النمو التكاملي بدلاً من المنافسة، تهدف المملكة العربية السعودية إلى تحقيق أهداف السياحة الإقليمية المشتركة في إطار رؤية 2030.
خفض تكاليف التشغيل
سلطت خطة المملكة الضوء حول مستقبل الربط الجوي ولتحديات التي تواجه صناعة الطيران عالمياً، فيزيد نقص تسليم الطائرات وتزايد المنافسة بين الوجهات من الضغط على المطارات وشركات الطيران على حد سواء، وللحفاظ على القدرة التنافسية، صُممت البنية التحتية للنقل الجوي في المملكة العربية السعودية حول ثلاث ركائز أساسية: انخفاض التكاليف التشغيلية، وكفاءة النظام على مستوى العالم، وتجربة مسافر متميزة.
تطوير المطارات
ووفقًا لرؤية البرنامج، يجب أن تتطور المطارات لتتجاوز البنية التحتية التقليدية.. يجب أن يُعطي تصميم المطارات المستقبلية الأولوية لتجربة العملاء، متجاوزًا نموذج تسجيل الوصول التقليدي إلى تبني حلول قائمة على المنزل والهاتف المحمول، وستوفر هذه الابتكارات مساحات قيّمة في مباني المسافرين للأنشطة التجارية مثل التسوق وتناول الطعام وخدمات الترفيه، كما ستعزز المطارات التي تحافظ على رسوم طيران تنافسية شراكاتها مع شركات الطيران، مما يشجع على نمو طويل الأجل في حركة المسافرين.
من الباب للباب
علاوة على ذلك، يجب أن تتوافق تصاميم المطارات الجديدة مع احتياجات قطاع السياحة، وهذا يعني دمج احتياجات السوق المستهدفة في تصميمات مباني المسافرين، وفهم تفضيلات المسافرين، وتوفير رحلة سلسة من الوصول إلى المغادرة، ومع تزايد تأثير التكنولوجيا على تجربة السفر، يبقى الحفاظ على اللمسة الإنسانية أمرًا أساسيًا، لضمان شعور الزوار بالتقدير في كل خطوة من رحلتهم، وتتمثل الرؤية في خلق تجربة متكاملة “من الباب إلى الباب”، تبدأ من المنزل، مرورًا بالمطار، وتنتهي في الوجهة.
ريادة إقليمية
يشير التطور السريع لبرنامج الربط الجوي في المملكة العربية السعودية إلى تحول جذري في مشهد السفر والسياحة في المملكة. فمن خلال أهداف طموحة وتخطيط استراتيجي واستثمارات كبيرة، لا يُعيد البرنامج تشكيل صناعة الطيران في المملكة العربية السعودية فحسب، بل يُسهم أيضًا في تحول إقليمي أوسع نطاقًا في الوصول الجوي ونمو السياحة وتجربة المسافرين المستقبلية، ومع استمرار المملكة في توسيع نطاق الربط الجوي والبنية التحتية السياحية، فإنها على أهبة الاستعداد لتصبح لاعبًا رائدًا في صناعة السفر العالمية.
