ليس جديداً.. إليكم تاريخ بدء جواز سفر اللقاح خلال جائحة الطاعون
وصف البعض جوازات سفر اللقاح على أنها تذكرة المرور إلى الحياة الطبيعية، إذ تعد بمثابة دليل يثبت التحصين ضد فيروس كورونا وتشكل مكافأة لمن حصلوا على التطعيم، بينما وصفها البعض الآخر بأنها غير فعالة.
يعود الجدل حول إثبات التطعيم كشرط لدخول بلد ما إلى أكثر من 120 عاماً، عندما كان مسؤولو الصحة يكافحون جائحة الطاعون.
وفي تسعينيات القرن التاسع عشر، سنت الحكومة البريطانية في الهند سلسلة من الإجراءات في محاولة لوقف انتشار الطاعون، والتي تضمنت مطالبة المسافرين بإثبات أنهم تلقوا التطعيم ضد المرض البكتيري.
ولكن شعب الهند المستعمر اعتبروا شهادات اللقاح التي فرضتها الحكومة البريطانية إجراءً جائراً يهدف إلى الحد من السفر والسيطرة على تحركات المواطنين.
ولا يختلف مفهوم جوازات سفر اللقاح كثيراً اليوم، فهي دليل يثبت التطعيم، سواء ورقياً أو رقمياً، وتمنح حاملها إمكانية الوصول أو الدخول إلى الأماكن والبلدان الأجنبية والمواقع الأخرى.
وتهدف جوازات سفر اللقاح إلى إبقاء أولئك الذين لم يتم تطعيمهم خارج الأماكن العامة، حيث يمكنهم نقل عدوى فيروس كورونا وفي الوقت ذاته مكافأة الأشخاص الذين تم تطعيمهم بالعودة إلى حياتهم الطبيعية إلى حد ما.
وإذا كان التاريخ شاهداً على شيء، فهو أن اعتماد جوازات سفر اللقاح لن يتم بسلاسة أو لن يحدث دفعة واحدة، إذ كان من الصعب تنفيذ هذا المقترح في تسعينيات القرن التاسع عشر، وقد يحدث الأمر ذاته في عام 2021 والأعوام التي تليها إذا قاوم المزيد من المواطنين في أنحاء العالم هذا المقترح.
رفض شعب الهند المستعمر جوازات سفر اللقاح
ويعود النقاش حول التحقق من اللقاح إلى تسعينيات القرن التاسع عشر، خلال جائحة الطاعون العالمية الثالثة.
وقال رينيه ناجيرا، عالم الأوبئة ومحرر موقع “تاريخ اللقاحات”، الذي تقوده الجمعية الطبية الخاصة في فيلادلفيا، إن العالم الذي ابتكر أول لقاح فعال ضد مرضٍ بكتيري، الدكتور فالديمار هافكين، انضم إلى حكومة الهند عندما كانت تحت الحكم البريطاني وتم تكليفه بإحباط انتشار الطاعون في البلاد.
وأشار نجيرا إلى أن هافكين كرر في النهاية نجاح لقاحه المضاد للكوليرا بلقاح ضد الطاعون، والذي أجرى تجارب اللقاح على نفسه أولاً والأشخاص المحتجزين في سجن بومباي.
ولكن التوترات بين المسؤولين الحكوميين والشعب الهندي المستعمر كانت عالية بالفعل بحلول ذلك الوقت، ووصلت إلى ذروتها في عام 1897، عندما إقرار قانون الأمراض الوبائية الذي أعطى المسؤولين صلاحيات باتخاذ إجراءات الصحة العامة التي اعتبرها المواطنون “تدخلية للغاية”، حسبما ذكره ناجيرا.
وكان مسؤولو الصحة يجبرون مرضى الطاعون على إخلاء منازلهم، غالباً بمساعدة الشرطة المحلية أو الجيش، ويحرقون المباني الموبوءة بالفئران، إذ كان من المعروف أن القوارض تنشر الطاعون، كما طُلب من المواطنين حمل شهادات تثبت تلقيهم التطعيم.
وأدت الإجراءات التي اتخذها المسؤولون البريطانيون إلى اضطرابات مدنية في جميع أنحاء البلاد، من خلال الإضرابات عن العمل والمظاهرات التي غالباً ما تحولت إلى أعمال عنف.
نتيجة لذلك، بدأ العديد من المستعمرين مغادرة المراكز الحضرية المزدحمة والبحث عن مناطق كانت فيها الحكومة الاستعمارية أقل تواجداً.
ولكن المشكلة كانت تكمن في أن هؤلاء المواطنين جلبوا معهم الطاعون، وفقاً لما قاله ناجيرا.
ومن جانبه قال سانجوي باتاتشاريا، أستاذ التاريخ بجامعة يورك ، للإذاعة العامة الوطنية الأمريكية الأسبوع الماضي، إن المسؤولين في الهند البريطانية كانوا قلقين بشأن مواقع الحج الهندوسية والإسلامية أيضاً، حيث يتجمع الآلاف من الناس في وقتٍ واحد.
وأوضح ناجيرا إن فريضة الحج “لم يكن سوى جزء من التحفيز للحصول على شهادات التطعيم”، مضيفاً أنها “كانت مجرد أحد الأشياء العديدة التي حاولت الحكومة القيام بها لوقف السفر الجماعي من المدن المصابة بالطاعون”.
ومع ذلك، أشار ناجيرا إلى أن طلب تقديم شهادات التطعيم لم يساهم في وقف حركة السفر، فالعدد الهائل من الأشخاص الذين يتنقلون في جميع أنحاء الهند أثبت أن إجراءات الرقابة غير فعالة.
وأضاف ناجيرا: “بينما كان يُشترط تقديم شهادات تثبت تلقي اللقاح، كان التطبيق متساهلاً أو شبه مستحيل، وكان العنف سيندلع إذا تم ذلك بطريقة تمنع حركة الأشخاص المستائين بالفعل ويحاولون الهرب من وباء الطاعون في مدينتهم”.
نوع واحد من جوازات سفر اللقاح لا يزال موجوداً
وهناك نسخة واحدة من جواز سفر اللقاح تم تنفيذه، وهي “البطاقة الصفراء”، أو شهادة إثبات التطعيم ضد الحمى الصفراء التي تطلبها بعض الدول من المسافرين لمنع انتشار المرض.
وتعد الحمى الصفراء المرض الوحيد المذكور على وجه التحديد في اللوائح الصحية الدولية لمنظمة الصحة العالمية، على الرغم من أن العديد من البلدان حددت متطلباتها الخاصة بها فيما يتعلق بالتطعيمات.
وقال ناجيرا إن الأمر متروك للدول بشأن كيفية تطبيق أو متابعة إرشادات منظمة الصحة العالمية، مضيفاً أن دولًا مثل نيوزيلندا وأستراليا اشترطت على المسافرين تقديم شهادة تثبت تلقيهم اللقاح ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية أثناء عودة ظهور الحصبة في عام 2019.