انتهازية الشركات تجعل سوق الديون شديدة الالتهاب

حذر مستثمرون ومحللون يجرون مسحا للأضرار الناجمة عن الجائحة من أنها أدت إلى تفاقم بعض الاتجاهات الأكثر إثارة للقلق في أسواق ديون الشركات وتركت الميزانيات العمومية في حالة أشد خطورة.
اقترضت الشركات الأمريكية مبلغا قياسيا قدره 2.5 تريليون دولار في سوق السندات خلال 2020. أدى الإفراط في الاقتراض إلى دفع الرافعة المالية -وهي معدل يقيس الدين مقارنة بالأرباح- إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بالنسبة للشركات ذات التصنيف الأعلى من الدرجة الاستثمارية، بعد أن تجاوزت بالفعل مستويات قياسية تاريخية في نهاية 2019، وفقا لبيانات من بنك أوف أمريكا.
في الوقت نفسه، تراجعت قدرة الشركات على سداد الديون المتصاعدة، مع تزايد عدد ما تسمى شركات الزومبي -التي كانت مدفوعات فوائدها أعلى من الأرباح التي تحققها لمدة ثلاثة أعوام متتالية- إلى عدد قريب من أعلى عدد وصلت إليه سابقا، وفقا لبيانات من “ليوثولد جروب”. استجابت وكالات التصنيف إلى زيادة المخاطر من خلال تخفيض التصنيف الائتماني. تم تصنيف عدد قياسي من الشركات هذا العام في الفئة CCC سالب -واحدة من أدنى الدرجات في سلم التصنيف الائتماني- ويقترب عددها من ضعف تلك الموجودة العام الماضي، وفقا لـ “ستاندرد آند بورز جلوبال ريتينجز”.
مع ذلك، لا تزال الجهات الفاعلة الرئيسة في السوق تستعد لارتفاع أسعار ديون الشركات في العام المقبل، كون المخاطر المتزايدة تطغى عليها توقعات باستمرار الدعم من الاحتياطي الفيدرالي بعد قرار البنك المركزي التاريخي بدء شراء ديون الشركات في آذار (مارس).
قال أليكس فيرود، كبير مسؤولي الاستثمار في “إنسايت إنفيستمنت”: “أثار الاحتياطي الفيدرالي توقعات بشأن خطة إنقاذ”، مضيفا أنه “لا يهم تقريبا” ما تظهره المؤشرات الأخرى للديون أو الرافعة المالية.
تابع قائلا: “إذا فكرت في الأمر، فهذا جنون. هذا بالضبط ما قد يقول النقاد من أن الرأسمالية أوجدته. لكن الواقع هو من فعل ذلك”.
في آذار (مارس)، مع انخفاض أسعار الأصول وانهيار الأسواق، أعلن “الاحتياطي الفيدرالي” قرارا غير مسبوق بالبدء في شراء سندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية، وكذلك الصناديق المتداولة في البورصة التي تتبع الأسواق ذات العائد المرتفع من الدرجة الاستثمارية أو ذات التصنيف الائتماني المنخفض.
حتى بدون شراء سند واحد، بدأت الأسعار في الانتعاش مدفوعة بدعم “الاحتياطي الفيدرالي”. عادت ثقة المستثمرين في الشركات الأمريكية وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام زيادة جديدة في ديون الشركات.
تبع ذلك أكبر فورة اقتراض للشركات على الإطلاق، ما سمح لها بسد الفجوة في أرباحها التي خلفها إغلاق الاقتصاد العالمي وتجنب الإفلاس. تم الترحيب بهذه الخطوة على نطاق واسع باعتبارها أدت إلى تفادي أزمة أكثر حدة. قال جوني فاين، رئيس قسم الديون الأمريكية المجمعة في “جولدمان ساكس”، إنها “أهم جزء من صنع سياسة البنك المركزي التي رأيتها في حياتي المهنية”.
لكن ما بدأ مع اندفاع الشركات إلى السوق لجمع الأموال التي كانت في أمس الحاجة إليها للبقاء على قيد الحياة، تحول إلى سوق ديون ملتهبة للغاية، مع استفادة الشركات بطريقة انتهازية من الطلب لبيع الديون بتكاليف اقتراض منخفضة تاريخيا.
جاءت الزيادة الكبيرة في الاقتراض بعد عقد من انخفاض أسعار الفائدة الذي شجع بالفعل الشركات على تحمل ديون رخيصة في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008.
في الصيف رجحت في ميزان القوة مرة أخرى كفة الجهات المصدرة للديون، على كفة المستثمرين الذين يكدسون النقد الذي كانت الشركات في حاجة ماسة إليه، ما جعلهم يقبلون مخاطر أعلى رغم تقديم عائدات أقل.
رفعت شركات الأسهم الخاصة الديون لتحويل الأموال إلى حساباتها المصرفية الخاصة من خلال ما يسمى “إعادة رسملة الأرباح”. تآكل حماية المقرضين في وثائق الديون على مدى أعوام فتح آفاقا جديدة.
هذا يعني أنه في حين قلص “الاحتياطي الفيدرالي” وغيره من البنوك المركزية من حدة التأثير الناجم عن فيروس كورونا، بالمساعدة على فتح أسواق الديون لإبقاء الشركات على قيد الحياة، فإن الأمر المثير للقلق هو أنها ببساطة تركت الشركات في حالة غيبوبة موصولة ببرامج إنعاش البنك المركزي.
قال ريتشارد زجيب، الرئيس العالمي لأسواق الديون المالية في “سيتي جروب”: “يبدو الآن أن الشركات حتى في الصناعات الأكثر تضررا ستجتاز الجائحة، لكن كيف تبدو في الجانب الآخر؟ هل يمكنها الخروج من عبء الديون الضخم الذي كان عليها تحمله؟”.
يلاحظ محللون أن الشركات لا تزال متحفظة، فهي تبقي جزءا كبيرا من الأموال النقدية التي جمعتها في ميزانياتها العمومية، بدلا من التحول إلى أنشطة أكثر قوة مثل إعادة شراء الأسهم. ارتفع مجموع الأرصدة النقدية للشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى مستوى قياسي بلغ 3.4 تريليون دولار، بزيادة 1.3 تريليون دولار عن عام 2019 وأكثر من ثلاثة أضعاف مستواها عام 2008، وفقا لبيانات من “ستاندرد آند بورز كابيتال آي كيو”.
وتعهد بعض رؤساء الشؤون المالية للشركات بالفعل بتقليل الرفع المالي في المستقبل.
تود ماهوني رئيس أسواق رأس المال المدين من الدرجة الاستثمارية في “يو بي إس”، أشار إلى أن زيادة الاقتراض من أجل التعافي من الانكماش الاقتصادي تتم عادة عندما تكون العائدات مرتفعة، ما يزيد من تكلفة الاقتراض للشركات. والانتعاش الحاد الذي حدث منذ آذار (مارس) يعني أن كثيرا من الديون المضافة هذا العام تم اقتراضها بعوائد منخفضة قياسية. قال: ” إنها لا تستنزف الهوامش كثيرا”.
مع ذلك، لا يزال هناك سؤال مفتوح حول ما إذا كان المستثمرون على استعداد لمواصلة دعم الشركات في وضعها الحالي من دون الدعم الضمني من “الاحتياطي الفيدرالي”.
من المقرر أن ينتهي برنامج شراء سندات الشركات التابع للبنك المركزي في 31 كانون الأول (ديسمبر)، لكن تم اجتياز مرحلة حاسمة وكثير من المستثمرين يراهنون على أن “الاحتياطي الفيدرالي” سيجد طريقة للتدخل مرة أخرى إذا تعرضت السوق لضربة مثلما حدث في آذار (مارس).

After Content Post
You might also like