صناعة السيارات الإسبانية تعاني آثار الاصطدام بكوفيد
بالنسبة إلى ماريا هيلينا أنتولين، الشخصية الرائدة في صناعة قطع السيارات الإسبانية الهائلة، لا يوجد مشهد حزين مثل مصنع عاطل.
لا يزال القطاع يشعر بتأثير حالات التوقف في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) والعواقب الأخرى لوباء كورونا. بصرف النظر عن الحانات والمطاعم، كان أداء قليل من الصناعات الأخرى في الاقتصاد الرئيس الأكثر تضررا في الاتحاد الأوروبي، أكثر سوءا.
قالت أنتولين التي ترأس اتحاد مزودي قطع السيارات في البلاد، التي سجلت شركتها العائلية، جروبو أنتولين Grupo Antolín مبيعات عالمية بلغت خمسة مليارات يورو في العام الماضي: “من الصعب تخيل أي شيء أسوأ من مصنع توقف فيه العمل (…) لقد أصاب كوفيد بالشلل جميع مصانعنا في إسبانيا”. أضافت: “في هذين الشهرين ـ آذار (مارس) ونيسان (أبريل) ـ انخفض إجمالي الإنتاج 85 في المائة”.
تعد صناعة السيارات إحدى الدعائم الأساسية للتصنيع الإسباني، فهي تمثل نحو 17 في المائة من الصادرات وتأتي في المرتبة الثانية بعد ألمانيا من حيث إنتاج السيارات في الاتحاد الأوروبي. تسلط متاعبها الضوء على الضرر الذي ألحقته أزمة فيروس كورونا حتى ببعض الأجزاء الأكثر قدرة على المنافسة في اقتصاد البلاد.
في العقد الماضي لعب القطاع دورا مهما في مساعدة البلاد على التعافي من الأزمة المالية في 2008 وتأسيس أسواق جديدة مع عودة إسبانيا إلى النمو عبر الصادرات. لكن الأزمة الحالية مختلفة للغاية.
قالت أنتولين إن ألفا أو نحو ذلك من مصنعي قطع السيارات في إسبانيا عانوا انخفاضا في مبيعات العام بأكمله بنسبة 20-30 في المائة، مقارنة بحصيلة بلغت 36 مليار يورو في 2019. لقد اختفى نحو 6-8 في المائة من وظائف القطاع البالغ عددها 365 ألف وظيفة. أضافت أن الأرض المفقودة قد لا يتم استردادها حتى 2023، مع توقع نمو بنسبة 10 في المائة فقط العام المقبل.
وبحسب نويمي نافاس، المتحدثة باسم اتحاد شركات صناعة السيارات الإسبانية، الإغلاق أثر في صناعة السيارات أكثر من أي قطاع آخر. “المصانع في الصناعات الأخرى أغلقت لمدة أسبوعين فقط عندما كان ذلك إلزاميا، اما نحن فقد أغلقنا أبوابنا لمدة شهرين ونصف تقريبا”. وقالت إن تعطيل سلسلة التوريد المعقدة لقطع السيارات وصعوبة ضمان صحة العمال على خطوط التجميع في الأسابيع الأولى من الوباء، وانهيار الطلب، تكمن وراء الفجوة الكبيرة.
انخفضت عمليات تسجيل السيارات في إسبانيا بسرعة أكبر من أي اقتصاد آخر في الاتحاد الأوروبي، تماشيا مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي هذا العام الذي تتوقع الحكومة أن يكون أكثر من 11 في المائة. ويتوقع اتحاد نافاس أن تراوح المبيعات المحلية للمركبات الإسبانية هذا العام من 800 ألف إلى 850 ألفا – بانخفاض يبلغ نحو 35 في المائة مقارنة بـ2019.
وفقا لدراسة حديثة أجراها بنك إسبانيا، فقد أثرت الأزمة في صناعة السيارات في البلاد بشكل أقوى من أي قطاع آخر باستثناء قطاع الضيافة. وجد البحث أن معظم الشركات في الصناعة، بما في ذلك موردو قطع السيارات، يحققون عوائد سلبية على أصولها، حيث سجل ربعها عائدات سالبة بلغت نحو 30 في المائة. أضافت الدراسة أن أكثر من 60 في المائة من الشركات في هذا القطاع كانت تكافح من أجل سداد فوائد ديونها، و20 ـ 30 في المائة تواجه خطر الإفلاس.
قال أوسكار أرس، المدير العام للاقتصاد والإحصاء والبحوث في بنك إسبانيا: “تعد صناعة السيارات بالنسبة لإسبانيا أكثر أهمية من أي اقتصاد كبير آخر في الاتحاد الأوروبي، باستثناء ألمانيا – من حيث النسبة التي تمثلها في القيمة المضافة والصادرات والتوظيف”. أضاف: “إنها ركيزة من ركائز القطاع الصناعي، مع قوة عاملة ماهرة لعبت دورا مهما في الخروج من الأزمة الأخيرة”.
ولاحظ أن القطاع كان يواجه “عاصفة كاملة”، مشيرا إلى أن الوباء يأتي على رأس لوائح بيئية متغيرة، وتراجع في المبيعات المحلية، وانخفاض القوة الشرائية بين الشباب.
يقر بعض المطلعين على الصناعة أن 17 مصنعا للسيارات في إسبانيا، جميعها مملوكة لأجانب بما في ذلك فورد وأوبل ودايملر ورينو، قد تكون أيضا في أوضاع غير مواتية مقارنة بالمصانع في أسواق الوطن الأم لهذه الشركات إذا تم تقليص الإنتاج. أعلنت نيسان هذا العام أنها ستغلق مصنعها في برشلونة.
وتظل الصادرات شريان الحياة في هذا القطاع، حيث تم بيع 58 في المائة من قطع السيارات و80 في المائة من السيارات الجاهزة للأسواق الخارجية. وتستخدم الصناعة أنموذج العرض في الوقت المناسب، مع القليل من التخزين أو السعة الاحتياطية. قالت انتولين: “عندما يتوقف خط الإنتاج، نتوقف. وإذا بدأ مرة أخرى، فنحن كذلك”. أضافت: “نحن عمليا عند مستويات 100 في المائة من الإنتاج الآن، لكن من الواضح أننا لا نستطيع تعويض هذا العام ما فقدناه في آذار (مارس) ونيسان (أبريل)”.
حث اتحاد صناعة السيارات الحكومة على استخدام بعض المنح البالغة 72 مليار يورو، التي تتوقعها من صندوق الاتحاد الأوروبي للتعافي من فيروس كورونا ـ البالغ حجمه 750 مليار يورو على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة ـ للمساعدة على تمويل مشاريع بقيمة خمسة مليارات يورو لتطوير تكنولوجيا البطاريات والطاقة الهيدروجينية وما يسمى المصانع الذكية.
أشار جوسيب ماريا ريكاسينز، مدير الاستراتيجية في سيات، الشركة الإسبانية المملوكة بالكامل لشركة فولكسفاجن، إلى أن السيارات الكهربائية تمثل 2 في المائة من أسطول المركبات في البلاد مقارنة بـ50 في المائة في النرويج. ودعا إلى اتخاذ إجراءات حكومية للمساعدة على تطوير “نظام بيئي” للسماح للتكنولوجيا بالتطور، بما في ذلك نقاط شحن الكهرباء. تمتلك إسبانيا أقل من 100 نقطة شحن عامة لكل مليون نسمة مقارنة بالمتوسط الأوروبي البالغ نحو 500.
قال ريكاسينز: “علينا أن نتعلم من دروس أزمة 2008، عندما كانت إسبانيا واحدة من الدول التي تعافت بشكل بطيء”. تعتمد دولة مثل إسبانيا بشكل كبير على الخدمات وبدرجة أقل على قطاع التصنيع.
“الآن، بينما نشهد انخفاضا في الهوامش في القطاع المصرفي وجميع مشاكل القطاع السياحي، علينا أن نتعلم كيف نجعل القطاع الصناعي أكثر مرونة وأكثر قوة”.