من ميانمار لهايتي.. هل يكون 2021 عام الانقلابات؟

 


لم ينصرم الشهر الثاني من عام 2021 إلا وقد شهد العالم انقلابين أحدهما في آسيا وتحديدا في دولة ميانمار نجح وتولى الجيش السلطة

أما الانقلاب الآخر أو بالأحرى المحاولة فتم إحباطها ووقعت في أمريكا اللاتينية، في هايتي على وجه الخصوص.

اعتاد المهتمون بالسياسة في العالم على سماع أنباء عن انقلاب عسكري في دولة من دول القارة السمراء، ولا تثير الأنباء من هذا النوع اهتماما مبالغا فيه، حيث اعتادت أفريقيا على الانقلابات والصراعات العسكرية التي انهكتها بدرجة لا تقل عن الفقر والجفاف الذي ينهش أقدم قارات الكوكب.

لكن أن تكون بشائر عام 2021 انقلابين الأول في آسيا والثاني جاء كمحاولة في أمريكا اللاتينية، فذلك هو الجديد، فهل يكون العام الذي لم يتعافى العالم فيه ولا يزال يصارع آثار جائحة كورونا هو عام الانقلابات؟

انقلاب ميانمار

فجر الإثنين الماضي، نفذ جيش ميانمار انقلابا عسكريا شكّل صدمة في بلد عاد لعزلته بعد سنوات فقط من خروجه منها، حيث أُغلقت الطرق المؤدية للمطار الرئيسي، وقطعت شبكة الاتصالات، واعتُقلت زعيمة البلاد أونج سان سو تشي ومسؤولون آخرون.

وسعيا منه لتبرير الانقلاب الذي أدانته عواصم غربية عديدة، قال الجيش إنه كان “ضرورة للحفاظ على استقرار الدولة”، متهما اللجنة الانتخابية بـ”عدم معالجة المخالفات الهائلة” التي جرت خلال الانتخابات التشريعية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفاز بها حزب سو تشي فوزا ساحقا.

ولاحقا، أجرت الأمم المتحدة اتّصال بالجيش في ميانمار الذي أطاح بحكومة أونغ سان سو تشي المدنيّة مجدّدا الدعوة إلى إطلاق سراح المسؤولين المعتقلين.
وقال الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو جوتيريس: ” أجرت مبعوثتنا الخاصة أول اتصال، أوضحت فيه موقفنا لنائب القائد العسكري”.

وأشار إلى أنّ الدبلوماسيّة السويسريّة كريستين شرانر بورغنر هي أيضا على اتصال مع دول أخرى في المنطقة، مؤكدا “سنفعل كل ما في وسعنا لجعل المجتمع الدولي يتّحد لتهيئة الظروف لإلغاء هذا الانقلاب”.

ووصف جوتيريس الانقلاب بأنه “غير مقبول على الإطلاق”، لكنّ مجلس الأمن الدولي تبنّى الخميس خطابا أكثر مرونة داعيًا إلى إطلاق سراح المعتقلين من دون أن يدين الانقلاب بشكل رسمي.

وكعادة الانقلابات في السيطرة السريعة على وسائل الإعلام والتواصل أمر حكام ميانمار العسكريين شركات اتصالات الهواتف المحمولة ومقدمي خدمات الإنترنت بحجب خدمات تويتر وأنستقرام بالبلاد حتى “إشعار آخر”، وواصل الجيش تحركاته معتقلا أحد أقرب مساعدي أونغ سان سو تشي وتدعى، هين هتين.

انقلاب ميانمار أجبر إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على احتكاك سريع بعد أيام فقط من توليه سلطة انتزعها من سلفه العنيد دونالد ترامب، ليعلن بايدن في أول خطاب له يتعلق بالسياسة الخارجية إن على الجيش في ميانمار التخلي عن السلطة وإطلاق سراح السجناء الذين اعتقلوا بعد الانقلاب.

وقال بايدن إن الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها وشركائها لمواجهة استيلاء جنرالات الجيش في ميانمار على السلطة، وما أعقب ذلك من اعتقال زعيمة ميانمار المنتخبة والفائزة بجائزة نوبل أونج سان سوتشي ومدنيين آخرين.

أما مستشار الأمن القومي الأمريكي، فأعلن أنّ بلاده  تدرس فرض عقوبات “هادفة” ضد جيش ميانمار بعد الانقلاب على الحكومة المدنية.

وقال جاك سوليفان: “ندرس فرض عقوبات هادفة ضدّ أفراد وكيانات يسيطر عليها الجيش في ميانمار”.

لم تستقر الأمور بعد للعسكريين المنقلبين في ميانمار حيث انضم نحو ألف متظاهر، أمس السبت، للمشاركة في مسيرة ضد الجيش بميانمار في أكبر تحرك معارض حتى الآن ضد الانقلاب العسكري.

وهتف المتظاهرون “فلتسقط الديكتاتورية العسكرية”، بينما لوحوا بالأعلام الحمراء، وهو لون شعار حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الذي تتزعمه سو تشي.

محاولة انقلاب هايتي

بعيدا عن ماينمار في أمريكا اللاتينية أعلن وزير العدل في هايتي، البلد الواقعة على البحر الكاريبي، مساء الأحد، إحباط “محاولة انقلاب” استهدفت الرئيس جوفينيل موييز.

وأشار رئيس الوزراء جوزف جوت إلى ضلوع شخصين في هذه المحاولة هما قاض في محكمة التمييز ومسؤولة في الشرطة الوطنية في هايتي.

موقف واشنطن من خاصرتها الجنوبية كان مختلفا عن موقفها من انقلاب ماينمار وبدا معاكسا تماما؛ وكأنه أوعز بمحاولة الانقلاب حيث دعت المعارضة السياسية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني في هايتي، أمس السبت، الولايات المتحدة إلى احترام سيادة البلاد بعد دعم واشنطن للرئيس المتهم بالسعي إلى تمديد ولايته بشكل غير قانوني.

وكان رئيس هايتي جوفينيل مويز حصل الجمعة الماضية على دعم الولايات المتحدة التي وافقت على موعد انتهاء ولايته.

وقال نيد برايس الناطق باسم الخارجية الأمريكية إنه “يفترض أن يتولى الرئيس الجديد المنصب خلفا للرئيس جوفينيل مويز في نهاية فترة ولايته في السابع من فبراير/شباط 2022”.

ونشأ الخلاف بعدما انتخب مويز في اقتراع ألغيت بعد ذلك نتائجه بسبب عمليات تزوير وأعيد انتخابه بعد عام، وبعد هذه الانتخابات المتنازع عليها، اشتدت مظاهرات المعارضة المطالبة باستقالته في المدن الرئيسية في البلاد صيف 2018.

رغم ذلك ليست الانقلابات جديدة على هايتي حيث وقع انقلاب في البلد الكاريبي عام 1991 وتحديدا في 29 سبتمبر عندما أطاحت القوات الهايتية المسلحة بالرئيس جان برتران أريستيد، الذي كان قد انتُخب قبل ثمانية أشهر في الانتخابات الرئاسية العامة في هايتي 1990-1991.

وقاد حينها الضباط العسكريون الهايتيون الانقلاب، الذي قاده الجنرال راؤول سيدراس، ورئيس أركان الجيش فيليب بيامبي، وقائد الشرطة الوطنية، ميشيل فرانسوا، حيث جرى إبعاد الرئيس أريستيد إلى المنفى، ولم ينجُ بحياته سوى بتدخل من الدبلوماسيين الأمريكيين، والفرنسيين، والفنزويليين.

انقلابات ولكن

العالم 2021 شهد ما يمكن وصفه بنوع جديد من الانقلابات مثل محاولة الرئيس الأمريكي السابق ترامب الانقلاب على الديمقراطية الأمريكية العريقة عندما حرض أنصاره بشكل مباشر أو عبر تغريدات ساخنة على اقتحام مبنى الكونجرس لتنته رئاسته بدراما صاخبة غير مسبوقة في الولايات المتحدة.

طلب ترامب أوائل يناير الماضي من أنصاره القدوم إلى واشنطن العاصمة، وتحدي الكونجرس ونائب الرئيس مايك بنس لإجبارهم على تجاهل نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني وإبقاء الرئاسة في يديه، كما كانت رسالة نجل دونالد ترامب الأكبر لأعضاء حزبه الذين لن “يقاتلوا” من أجل رئيسهم: “لم يعد هذا حزبهم الجمهوري بعد الآن، إنه حزب دونالد ترامب الجمهوري”.

ولكن هذا الانقلاب غير التقليدي قاد ترامب إلى مساءلة قد تقوده إلى محاكمة ربما تصل لأبعد من ذلك لأحد أكثر الرؤساء جدلا في التاريخ الأمريكي سواء خلال فترة حكمه أو عند مغادرة منصبة.

شرقا وغربا، لا تزال هناك انقلابات “مزمنة” تتعايش معها بلاد عديدة وتجاهد لإعادة الأمور لنصابها، لعل منها استمرار سيطرة الحوثيين في اليمن على مقاليد الحكم في العاصمة صنعاء منذ اغتصابها عنوة في 21 سبتمبر عام 2014 من الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.

After Content Post
You might also like