مصباح قطب يكتب .. فتحى سرور التسعينى وعمل عام جديد

 

عشنا أول أمس الثلاثاء ، مع الدكتور فتحى سرور، رئيس البرلمان الأسبق، ليلة من ليالي سنة ٢٠٠٠ وما حولها صعودا وهبوطا . ففى الاحتفال الذى أقيم بمناسبة تدشين مركز “كيميت” المصرى العربى الدولى للتحكيم ،كنا على موعد مع معجزتين ، الاولى أن مصر، فيما ظهر ، دشنت من قبل أن يبدأ الحفل، وخلاله، خلاصها من كورونا ، شاء من شاء، وأبى من ابى، فقد تخلى الجميع تقريبا، ومن غير اتفاق، عن قواعد التباعد وعدم المصافحة والمعانقة و ارتداء الكمامات، فى اول حدث عام “لايف” كبير، بعد مرحلة الكورونا والزووم، التى امتدت من مارس ٢٠٢٠ للان ، وبدا كأن مصر ، وبكل ما فيها من قصور فى المنظومتين الرسمية والشعبية، قادرة، على تحقيق انتصار وسبق دوليين على كورونا. ، هكذا شعرت لكن ازاى معرفش.

فتحى سرور
فتحى سرور

المعجزة الثانية ، وقد يرض عنها البعض ويسخط آخرون، بلغة طه حسين، هى العودة فى الزمن بكل سلاسة، وبلا اى خيال علمى. فأجواء الاحتفال كانت نسخة طبق الأصل ، لاحتفالات الحزب الوطنى، ومشاركات بعض قياداته فى احتفالات المعارضة، من منتصف التسعينات إلى ما قبل ٢٠٠٥ ،اى ما قبل فترة جمال مبارك ونخبتها الانعزالية المغايرة . رموز الحزب الوطنى التقليديون، او شطاره (او حتى هليبته) ، او رجال الدولة فيه الذين كنت اسميهم حزب رجال الرئيس، فقد كانت لهم ملامح مختلفة عن عموم اهل الحزب البائد، هم من بين ظهرانينا فى النهاية، وبيننا وبينهم مهما تشاتمنا واختلفنا بحدة ، نوع ما من الصلات، والعيش والملح، يصعب تخطيه، وهذا ما تجلى فى مشهد اول امس، فقد ضم الحشد ، مع الدكتور سرور ،النائب محمد ابو العينين ، الذى يعتبره البعض نصف صفوت شريف ونصف كمال شاذلى، المرحلة ،والمستشار عدلى حسين، و الدكتور مفيد شهاب ، والصديق والزميل (بدايته كانت فى حزب التجمع وجريدة الاهالى) مصطفى بكرى، والدكتور صفوت النحاس ، وغاب المستشار أحمد الزند، لكنه اوفد مندوبا عنه، والدكتور نبيل حلمى ، وهكذا ، فضلا عن مدعوين من أهل اليمين واليسار…وهات يا سلامات واحضانات، كأننا لم نفترق بسبب كورونا فقط بل ومنذ ٢٠١١ . انا ممن نزلوا أياما وليال ميدان التحرير خلال ٢٥ يناير، ولذا رددت ضاحكا أو ساخرا بداخلى : “وكأن شعبا لم ينتفض… وكأن ثورة لم تقم “. وتقلبت فى ذهنى فكرة لها جمهورها، وهى أن مصر لا تتغير بسهولة، ولهذا عيوبه وله بكل غرابة مزايا ايضا، وحفل الليلة اكبر دليل.

محمد ابو العينين
محمد ابو العينين

رغم السلامات وطيبون فقد كان هناك خلاف وجدل حول شخصيات كثيرة من الحاضرين بالتاكيد، لكن ظل فتحى سرور بعد كل تلك السنوات وباليقين، محبوبا من الجميع. للتاريخ كان الدكتور سرور يقول للدكتور رفعت السعيد، كثيرا، وتعليقا على شغلى فى جريدة الاهالى اليسار ية المعارضة : اوعى تقولى أن دى شطارة مصباح يا رفعت ده اكيد جايب المعلومات دى من ضابط مخابرات؟ ، بينما يقسم له رفعت كل مرة اننى مجرد محرر سوسة ما بيتهدش، وهكذا . فى مقابل شكه فى قدراتى انا لم اشك لحظة فى اختلاف سرور عن الاخرين فى الوطنى، وقد كنت اجلدهم جميعا وبلا استثناء، فى الاهالى، ودون اى ادعاء. يوما ما قال خالد محي الدين فى أول كلمة يلقيها بعد نهاية دورة برلمانية كزعيم للكتلة البرلمانية للتجمع، وكان سرور رئيسا للبرلمان (تولى المنصب ١٩٩١)، موجها الخطاب لسرور “لقد أحببناك” ، ولما عاتبنا الاستاذ خالد على هذا التعبير العاطفي لا السياسي ، قال أن الدكتور سرور المحامى الجنائى الأبرز فى مصر، ووزير التعليم السابق الذى الغى الصف السادس، والاكاديمى، وصاحب المناصب الدولية المتعددة ، قد تختلف أو تتفق معه، لكن نقاءه مؤكد، وهذه صفة نادرة جدا فى عالم السياسة القاسى والمتردى . تعرفت مع السنوات على شخصية الدكتور سرور، من أبناء السيدة زينب، دائرته، ومن غيرهم، ورغم اننا لم نتصادق ابدا، حيث كنت افضل ترك مسافة دائما بينى و اى شخصية فى الحكم ، لكن أيقنت كم كان ذا نفس صافية، ويد حانية على كل صاحب حاجة.
الطريف ان سرور ألذى تعامل مع أنماط عجيبة من المجرمين والمتهمين ، كمحام جنائى، كان ولا زال على النقيض، يبدو، وهو البارع والمناور كمحام، شخصا ساذجا من فرط طيبته وطبيعة وجهه وصوته ، وحتى فى حيله الدفاعية، كان داهية لكن ليس مخاتلا او مخادعا، وعندى مثل عجيب من عمله فى قضية الصناعة الكبرى قد احكيه يوما ما .
الدكتور سرور الذى يبلغ التسعين فى يوليو ٢٠٢٢ ، يدخل عملا عاما جديدا بترآسه مجلس أمناء “كيميت” ، وهى مهمة عسيرة جدا لان المركز قد يستعين بقضاة لا زالوا فى الخدمة، وفق الضوابط، وإدارة ذلك دون تمييز قاض عن آخر او جور على حيدة استقلال القضاة، عمل يحتاج مهارة السير على حزام النار دون أن تقع ، وسيتعامل مع اكبر واغنى الشركات والمستثمرين العرب ، وسيكون ذراعا للعرب فى معارك التحكيم الدولية التى طالما خسرنا الكثير منها لأسباب متنوعة ليس هذا وقت سردها، ولا يمكن أن يفعل ذلك فى تلك المرحلة من العمر، الا رجل نقى السريرة ومحنك حقا.

After Content Post
You might also like