محمد البهنساوي يكتب| الجمهورية الجديدة .. كيف و متي؟

” الجمهورية الجديدة ” جملة عميقة رغم قصرها , مفسرة رغم إيجازها , مقصودة رغم ما يبدو من عفوية إطلاقها , وهي ليست مجرد تعبير عن انتقال الحكومة للعاصمة الإدارية أو إفتتاح مشروع قومي عملاق أو البدء بآخر .. لكن دلالات أقوى وأبعد , فخلال سبع سنوات من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي وثماني سنوات من ثورة الشعب ضد حكم العشيرة وإدارة الدولة من جبل المقطم ، شهدت مصر من التحديات ربما ما لم تشهده مع حاكم آخر ، وأيضا من الإنجاز الذي يرتقي لحد الإعجاز 

وحتى نتفهم حجم ما تم خلال تلك السنوات و نحاول استشراف ما هو آت للجمهورية الجديدة , فلننظر لما كانت عليه مصر قبل يناير 2011 وبعدها مباشرة , دولة تفقد توازنها داخليا ، تهدم ما تبقى من عدالة إجتماعية , نهب لثروات الوطن , هوة تزداد اتساعا بين فئة قليلة زاحفة للثراء الفاحش الغير مبرر وغالبية ساحقة مطحونة تكابد الأمرين لتعيش حد الكفاف , فساد ينخر عظام الوطن فيصيبه بهبوط حاد في الوطنية والانتماء و غيبوبة وشلل في الطموح , وخارجيا دولة تفقد مكانتها وتفرط في قيادتها وريادتها ليتجرأ عليها الصغار ويحاول الكبار تحويلها الى مطية تحملهم لمخطط بالمنطقة لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وعلى أنقاض مصر التي كانت قوية 

ومن رحم تلك الحالة المضطربة , تولد ثورة بالطبع غير مكتملة تسفر عن مولود مشوه بلا أب شرعي رشيد , أو أم ناصحة , فتتلقفه جماعة مارقة مسعورة للسلطة والحكم , ولو كان الثمن أنقاض الوطن وجثث الشعب , فجعة بعد جوع و عطش ثمانون عاما لحلم السلطة , لتبدأ معهم نذر شؤم عديدة في عام ترنحت فيه مصر لتقف على أعتاب هوة سحيقة , عام حول المصريين إلى غرباء عن وطنهم , فرغم تعدد مرات استعماره لكن أبدا لم يتعرض للسرقة والخطف كوطن , إلا في تلك السنة ، ولأول مرة أيضا في تاريخ مصر تتعرض لخطر حرب أهلية وهم الشعب الوحيد الذي لم يستطع الزمن تغيير جيناته و تركيبته المتماسكة 

 

الجمهورية الجديدة

 لحظة الميلاد

 

لنصل إلى يونيو 2013 ومصر تتحول إلى شبه دولة , حافة إفلاس , حالة إنقسام , غربان بين تنعق على بقايا وطن فرحا بنذير شؤمها الذي سيتحقق بالمنطقة , وتزداد جماعة المقطم تمسكا بالسلطة التي لم يكونوا يوما اهلا لها . مهددين بتحويل مصر أنهار دم , و فئات ضالة مضلة تتسلل لأرضنا الطيبة و المنهكة , مؤسسات تتهاوى الا مؤسسة واحدة ظلت على تماسكها , وكأن الله عز وجل أراد أن يحميها من أجل مصر , إنها المؤسسة العسكرية وعلى رأسها قائدها العام الفريق أول عبد الفتاح السيسي التي ظلت على عهدها وقوتها رغم كل أسباب الضعف والتفكك حولها , وقائدها العام حافظ على هدوئه وحزم وصرامة موقفه في وقت كان الضبابية شعار الجميع 

ويثور الشعب في 30 يونيو , وتسانده قواته المسلحة كعادتها .. وفي 3 يوليو يقف الفريق أول عبد الفتاح السيسي ملقيا بيانه الشهير لينهي هذا العام الغريب , متحديا ليس تلك الجماعة المسعورة , إنما قوى دولية ألجمتها المفاجأة إجهاض الشعب والجيش لمخططهم بمصر والمنطقة رغم كل الضغوط التي مارسوها , لكن مصر في تلك المرة لم تكن تلك التي تخضع لضغوط وتخشى تهديد ,

 ومن هنا في رأيي كانت لحظة ميلاد الجمهورية الجديدة , ورغم تشابه تلك الظروف لما واكب ثورة يناير , لكن هنا كان المولود طبيعيا , خرج من رحم الوطن , أباه وأمه وعائلته ما بين شعب صبور جسور , وجيش وطني مغوار 

 

أحلام الكرى 

 

من تلك اللحظة الفارقة يوم 3 يوليو ولدت الجمهورية الجديدة وبدأت تتشكل ملامحها على غرار لحظة الميلاد , دولة قوية رغم صعوبة ظروفها و مستقلة رغم ضغوط وقوة متربصيها , عفية رغم مرض الولادة وآلام المخاض  ، تسعى حثيثا لبناء حاضر مجيد يليق بتاريخها العريق التليد

وأمام تلك اليقظة التي طاحت بأحلام الكرى .. تكالبت قوى عديدة على مصر لاسقاطها ، ولم تهدأ مخططاتهم ضدها حتى الآن ، واسالوا سد الأحباش إن كنتم لا تصدقون !! لكن هنا تبرز أهم مزايا الجمهورية الجديدة ، الصمود والجلد , وبنفس القدرة سارت مصر داخليا ، دواء صعب لطبيب ماهر يدرك ان الم مريضه وصرخاته اول بشائر الشفاء ، برنامج اصلاح صعب ، لكن نتائجه نحصدها نماء بكل بقاع مصر الطاهرة وفي كل مجال ، مبادرات قوية هدفها الأساسي ان يحي هذا الشعب حياة كريمة ، تظهر بوادرها في مبادرات صحية تعالج كافة أوجاع المصريين حتي لو كانت من عقود ، وتوفر مسكنا لائقا لكل منهم ، و تودع العشوائيات التي كانت سبه في جبيننا جميعا ، طرق عصريه واماكن ترفيه خاصة للغلابة ، ومنظومة تعليم ومدارس وجامعات وخطط رياضية ومبادرات شبابية . انها جمهوريتنا الجديدة التي تبني العقول والأجساد وتواجه في سنوات قليلة ما عجزت أو تغاضت عن مواجهته الدولة في عقود ممتدة , ولعل ما بدأ يتحقق في ريفنا الطيب الصابر خير دليل علي الحياة الكريمة التي تصر جمهوريتنا الجديدة أن توفرها للمصريين 

وبالطبع نذكر الفساد واذرعه القوية التي كانت تعبث بمقدرات الشعب ، يحميها النظام أو يعجز عن مواجهتها , الآن جمهوريتنا الجديدة تواجه الفساد بمبادرات شتى وآليات تكنولوجية تحمي المواطن وحقوقه ، دولة تضرب الفاسدين مهما علي شأنهم و انتفخت اوداجهم واكتظت بطاقة تعارفهم بالمناصب والألقاب ، 

ورغم الاعجاز الذي يتم , نجد من يحاول أن يتصيد لأي هفوة ليصف الدولة الوليدة بكل نقيصه . لكن من الإنصاف والحق الذي يطالبنا به مولانا الحق أن نسأل كل من اشتعل رأسه شيبا أو تخطت حياته علي تراب المحروسة ٣ عقود , هل كنا نحلم يوما بما نراه الآن في مصرنا الغالية أن ما يحدث كان من دروب المستحيل الذي يتحول لواقع مصري لنصرخ من أعماقنا ” تحيا جمهوريه مصر العربيه الجديده ؛ وليخسا المرجفون 

 

After Content Post
You might also like