بيرتلسمان تسعى إلى كتابة فصل جديد في صناعة النشر

كان دوجلاس بريستون في كتابه السادس في عقد للنشر، وكان قد حرق ملايين الدولارات من المبالغ التي كان يأخذها على شكل دفعات مقدمة، ومع ذلك لم يكن قد نشر كتابا واحدا يندرج ضمن أفضل الكتب مبيعا.
ناشره كان صبورا، أعطاه مئات الآلاف وحتى ملايين الدولارات لتمويل عدد من روايات الغموض والجريمة التي فشلت في اختراق روح العصر. أخيرا في 2004 كان حظه ممتازا مع رواية “الكبريت” Brimstone، وهي رواية إثارة فكرية حول عميل في المباحث الفيدرالية يحقق في سلسلة من الوفيات في جميع أنحاء نيويورك وإيطاليا.
منذ ذلك الحين كتب بريستون وشريكه في الكتابة، لينكولن تشايلد، عشرات الروايات، جميعها دخلت في قائمة الكتب الأكثر مبيعا. قال: “انتهى الأمر بخير لدار هاشيت، الحمد لله”.
لكن تجارة الكتب تغيرت بشكل عجيب منذ أواخر التسعينيات، عندما كان أمثال بريستون يأخذون شيكات دسمة ولديهم حرية كبيرة للإلهام. الإنترنت قلبت الطرق القديمة، وازدهرت أمازون، وأعيد تشكيل صناعة النشر. على مدى عقود تم تقليص صناعة مجزأة إلى دور النشر “الخمسة الكبار”: بنجوين راندوم هاوس، وهاشيت، وهاربر كولينز، وماكميلان، وسايمون آند شوستر.
من المتوقع أن يصبح هذا التحول الآن أكثر وضوحا بعد أن عرضت مجموعة الإعلام الألمانية، بيرتلسمان، مالكة أكبر ناشر في العالم، PRH، 2.2 مليار دولار لاقتناص شركة سايمون آند شوستر، ثالث أكبر دار نشر في أمريكا.
هذه الشركة التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمان هي موطن لمؤلفين معاصرين مثل ستيفن كينج وماري هيجينز كلارك بينما تضم قائمتها الخلفية عظماء الأدب مثل إديث وارتون وإرنست همنجواي. سيضع هذا الاستحواذ الجزء الأكبر من مبيعات الكتب باللغة الإنجليزية في أيدي أربع مجموعات، تتصدرها PRH بثلاثة أضعاف حجم أقرب منافس لها.
روبرت طومسون، الرئيس التنفيذي لشركة نيوز كورب التي لم تتمكن دار النشر التابعة لها، هاربر كولينز، من النجاح في المزاد، ادعى أن الصفقة ستوجد “عملاقا للكتب” يسحق المنافسة.
هاربر كولينز وهيئات الصناعة التي تمثل بائعي الكتب والمؤلفين تطالب وزارة العدل الأمريكية بالتدخل لمنع شركة واحدة من الهيمنة، وفقا لتقديراتهم، على ما يصل إلى 70 في المائة من سوق الولايات المتحدة للكتب ذات الأغلفة المجلدة، العامة منها والأدبية. التهمة هي أن بيرتلسمان ستحمل قدرا كبيرا فوق الحد من القوة السوقية على نحو يضر بالمؤلفين وبائعي الكتب والموزعين والمستهلكين.
بالنسبة لكتاب مثل بريستون، رئيس رابطة المؤلفين، هذا يتعلق بفقدان المخاطرة والإبداع في النشر الذي، مثل صناعة الأفلام، يتجه نحو أنموذج الأعمال الضخمة. بتمويل من شركات النشر العملاقة مثل PRH، يحصل المؤلفون الأكثر مبيعا والمشاهير على دفعات مقدمة متزايدة باستمرار بينما يشعر معظم الكتاب في الوسط بالضغط.
قال بريستون: “في الماضي، كان الناشرون على استعداد تام لمنح هذا المؤلف فرصة ثانية وحتى ثالثة. الآن، ما أراه بين المؤلفين الشباب هو أنه بعد خروج روايتهم الأولى وعدم تحقيق مبيعات جيدة، يتم التخلي عنهم مثل الشيء المزعج وغالبا ما تنتهي حياتهم المهنية – لأنه لا يوجد سوى ناشرين أو ثلاثة في السوق”.
عرض بيرتلسمان لشراء سايمون آند شوستر الذي يبلغ 15 مرة أرباح التشغيل قبل الضرائب في 2019، يعد دلالة على ثقة أوسع بأنموذج الأعمال الذي أثبت مرونته في العصر الرقمي. ارتفعت مبيعات الكتب المطبوعة في الولايات المتحدة أكثر من 20 في المائة منذ مستواها المتدني في 2013، ما جلب أكثر من ستة مليارات دولار سنويا، وفقا لجمعية الناشرين الأمريكيين.
لكن الاحتجاج على الصفقة يثير سؤالا محوريا للصناعة: من الذي يملك النفوذ حقا في عصر أمازون والنشر الذاتي؟ وإذا كان أحد الناشرين الكبار يبني قوة للصمود في وجه أمازون، فهل سيستخدم هذه القوة حتما لإلحاق الضرر ببقية الشركات؟
يظل بعض الناشرين متفائلين. قال مورجان إنتريكين، رئيس شركة جروف أتلانتيك، وهي شركة مستقلة فاز أحد كتبها بجائزة بوكر في 2020: “لقد أحببت الوضع عندما كان هناك الستة الكبار. وأحببته أكثر عندما كان هناك 35 ناشرا. أنا حزين. لكن هذا لا يقلقني كثيرا”.
أضاف: “إنه عمل معقد. إنه عمل قديم. في نهاية اليوم، هل نقول إن ناشرا واحدا هو كبير فوق الحد؟ يمكن للناس الاختلاف بشكل حاد حيال ذلك، لكن سيكون هناك شيء ينمو بينهما”.
توماس ريب، الرئيس التنفيذي لشركة بيرتلسمان، قلل من أهمية الصفقة التي سعت شركته وراءها بعد أن طرحت مجموعة فياكوم سي بي إس، المالكة لشركة سايمون آند شوستر، الشركة للبيع في العام الماضي.
قال لفاينانشيال تايمز: “سايمون آند شوستر لاعب صغير نسبيا في سوق مجزأة”، مشيرا إلى أن المجموعة المدمجة ستكون لها حصة سوقية أقل مما كانت عليه في وقت اندماج بنجوين مع راندوم هاوس. “الصفقة لا تضيف النطاق بشكل ملحوظ”.
بيرتلسمان المملوكة عائليا يعود تاريخها في النشر إلى 1835 ويصر ريب على أن التوسع سيجلب كفاءة سلسلة التوريد إلى سوق أوسع، ما يساعد شركات التجزئة على إدارة المخزون بشكل أفضل.
التنفيذيون من الشركات المنافسة، في حين أنهم متشككون في سعر البيع العالي، لا يشككون في منطق الصفقة. قال أحدهم: “شراء 300 ألف من حقوق النشر دفعة واحدة أسهل بكثير من إنتاج خمسة آلاف حق نشر كل عام، نصفها سيفشل”.
وقال آخر إن خطوة بيرتلسمان ستمنحها مكانة الشركة التي “لا يمكن مهاجمتها” بصفتها الشركة الرائدة في السوق، مع قائمة خلفية لكبار الكتاب ذات قيمة لا يمكن لأي منافس أن يضاهيها من خلال عمليات الاستحواذ أو النمو العضوي.
باستخدام أوسع تعريف للنشر – الذي يشمل الكتب المقررة والكتب الأكاديمية والنشر الذاتي – قال ريب إن PRH ستظل تتمتع بحصة سوقية تقل عن 20 في المائة. أضاف: “الصفقة لا تشكل أي خطر على المنافسة. هذه ليست صناعة مركزة”.
لكن منتقدي الاندماج يقولون إن بيرتلسمان تقلل إلى حد هائل من تأثير PRH وقوة السوق في مجال نشر الروايات العامة، ولا سيما في الولايات المتحدة، حيث أصبحت المصدر الرئيس للمؤلفات الرائجة، بما في ذلك مذكرات باراك أوباما الرئاسية “الأرض الموعودة”.
قدر تشاد بوست، مدير مطبعة Open Letter Books المستقلة، أن مجموعة PRH الموسعة كانت ستشكل نصف قائمة أفضل الكتب مبيعا في مجلة ببليشرز ويكلي Publishers Weekly في العام الماضي.
على الرغم من ندرة الدعاوى لمنع عمليات الاندماج ـ من خمسة إلى أربعة دعاوى ـ يأمل النقاد في تدخل وزارة العدل. لا تزال عملية الموافقة على الصفقة في مرحلة مبكرة وقد تستمر حتى 2021.
لكن كثيرا من مخاوف اليوم تردد صدى الحجج ضد السماح لشركة راندوم هاوس التابعة لبيرتلسمان بالاندماج مع بنجوين في 2013 – وهي صفقة أعادت تشكيل الصناعة. أقر المنظمون هذا الاندماج لكنهم حققوا في طريقتين رئيستين قد تلحق بهما مجموعة مهيمنة الضرر.
الأولى كانت من خلال اكتساب حقوق الكتب. أشارت المفوضية الأوروبية، الجهة المسؤولة عن إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، إلى الخطر المحتمل المتمثل في تفوق ناشر كبير على المنافسين بانتظام للحصول على المؤلفات المرغوبة. إذا كانت الشركات قادرة على استبعاد المنافسين، أو تنسيق العطاءات في المزادات متوسطة المستوى، فقد يؤدي ذلك في النهاية إلى خيارات أقل ومنافسة أقل.
جادل أندرو فرانكلين، الرئيس التنفيذي لشركة بروفايل بوكس ـ مقرها لندن ـ بأن التأثير يمكن أن يكون ملموسا عندما تضع PRH قواعد داخلية لضمان ألا تنتهي سلاسل كتبها الفرعية في حروب عروض ضد بعضها بعضا. عندما يرسل الوكلاء كتابا إلى 20 محررا، سيكون كثير منها ضمن سلاسل مطبوعات PRH، ما يعني أن أقل بكثير من 20 محررا سيكونون في وضع يسمح لهم بالمزايدة على السعر النهائي.
قال: “هذا له تأثيران ضاران للغاية. أولا، إنه أمر محبط بشكل لا يصدق للمحررين لأنه ستكون هناك دائما أجزاء مفضلة من إمبراطورية شاسعة من هذا القبيل، وأيضا لأنها تخفض السعر. الوكلاء غير المعنيين لا يفهمون الأساسيات الاقتصادية.”
وجهة نظر بديلة هي أن التحول في قوة السوق لا يمثل تهديدا كبيرا للأدب. معظم الدفعات المقدمة هي أقل من 100 ألف دولار – وهو مبلغ في متناول الناشرين. وبالنسبة لبعض الكتب، ليس دائما أن أعلى عرض هو الذي يسود.
تساءل ثاد ماكلروي، محلل صناعة النشر: “هل نشعر بالحزن إذا حصل جون جريشام على 50 ألف دولار أقل عن كتابه التالي؟ هل هناك مؤلفون لن يتمكنوا من النشر؟ لا. هناك الكثير من الناشرين الآخرين الذين سيتولون دورهم”.
هناك طريقة ثانية يمكن أن تمارس بها PRH الموسعة المزيد من القوة التفاوضية تتمثل في شركات التجزئة للكتب، حيث قد يكونون أكثر اعتمادا على أفضل الكتب مبيعا لدى المجموعة. يمكن للشركة، مثلا، أن تطلب المزيد من الامتيازات الترويجية كجزء من أي صفقة، ما يؤدي إلى طرد المنافسين من مساحة الرفوف القيمة.
الموزعون، أيضا، يمكن أن يتعرضوا للضغط من حيث السعر، أو يتم التحايل عليهم من خلال ذهاب PRH مباشرة إلى تجار التجزئة. قال أحد المسؤولين التنفيذيين في دار نشر منافسة: “يمكنهم إملاء الشروط، يمكنهم فعل ما يحلو لهم. إنها كبيرة جدا لدرجة أنها ستكون قادرة على توجيه الصناعة لأعوام مقبلة”.
أشاد آندي هانتر، مؤسس Bookshop.org، بكفاءة سلسلة التوريد المثيرة للإعجاب لشركة PRH، لكنه أشار إلى أنه كان عليه الإسراع في الحصول على مذكرات أوباما. قلقه الأكبر هو أن المزيد من الدمج يمكن أن يجعل الصناعة “حتى أكثر تجانسا مما هي عليه الآن”، مع تفضيل الكتب المضمونة والأسماء التجارية على المخاطرة الإبداعية.
الحجم قد يساعد أيضا PRH على التنافس مع أمازون، المسؤولة عن الأغلبية العظمى من مبيعات الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية، إضافة إلى نصف مبيعات الكتب المطبوعة منذ الوباء، وفقا لتقديرات داخلية لبعض الناشرين.
في حين أن بيرتلسمان ستكافح لقلب القوة الشرائية لشركة أمازون، إلا أنها قد تكون قوية بما يكفي لتحمل المزيد من التدهور في الشروط.
على الرغم من أن الأمر لا يزال على مسافة بعيدة، إلا أن المطلعين على الصناعة يقولون إن النطاق الواسع لقوائم أفضل الكتب مبيعا قد يفتح أيضا خيار بيرتلسمان لتوصيل الكتب مباشرة إلى المستهلكين.
يرى ريب من بيرتلسمان أن أمازون قد غيرت طبيعة السوق، بما في ذلك من خلال النشر الذاتي. لكنه قال إن صفقة سايمون آند شوستر لن تفعل شيئا للحد من قوتها الشرائية: “نحن بحاجة إليهم أكثر مما هم بحاجة إلينا، والصفقة لا تغير ذلك”.

الاحتجاج على الصفقة يثير سؤالا محوريا للصناعة: من الذي يملك النفوذ حقا في عصر أمازون والنشر الذاتي؟

إذا كان أحد الناشرين يبني قوة للصمود في وجه أمازون فهل سيستخدم هذه القوة حتما لإلحاق الضرر ببقية الشركات؟

After Content Post
You might also like