وحيد حامد «فيلسوف الحوار».. فِكر لا يموت
اشترك لتصلك أهم الأخبار
عُرف الكاتب الراحل وحيد حامد بقوة الكلمة والحوار فى أعماله الفنية، ويعتبر أحد أفضل من كتب جملًا خرجت من لسان أبطاله ودخلت إلى القلب.. حتى بعد الرحيل، استخدم الناس جملًا وحوارات من أفلامه وأصبحوا يتداولونها فى العديد من المناسبات، وأصبحنا نرددها بشكل عفوىّ، حتى إن بعضها أصبح عناوين لأفلامه.
من ينسى جملة «أنا بحبك عقد.. اللمسة عقد.. النظرة عقد»، «إحنا صغيرين أوى يا سيد» من فيلمه «اضحك الصورة تطلع حلوة»، وجملة «إحنا فى زمن المسخ» ومن «عمارة يعقوبيان»، «اتنين ديابة لا يمكن يعيشوا فى قفص واحد»، و«البلد دى اللى يشوفها من فوق غير اللى يشوفها من تحت» من «طيور الظلام»، و«كل واحد فينا بيرقص بطريقته.. أنا بهز وسطى وأنت بتلعب لسانك وتخطب» من «الراقصة والسياسى»، و«حسين أفندى ابن عم وهدان لا يمكن يكون من أعداء الوطن أبدًا» من «البرىء»، و«أنا مش فى خدمة الوطن أنا فى خدمة الباشا سيادة اللواء وحرم الباشا سيادة اللواء» من «الإرهاب والكباب»، و«حلوان اضربت يا جدعان»، و«أنا هحلم».. وغيرها من الجمل التى لا تُنسى ولن يمحوها الزمان مهما مر عليها من سنوات، وستظل باقية حتى نهاية الزمان.
كان وحيد حامد ساحرًا، يتلفظ بكل كلمة بحساب ووعى، ويعرف قوة كلمته.. وحتى الآن تجد أبطال أعماله يحفظون هذه الجمل عن ظهر قلب، لأنها لم تفارق وجدانهم حتى بعد مرور سنوات وسنوات على هذه الأعمال، ولكنه لم يكن فقط الكاتب والسيناريست المحترف والموهوب والعاشق لما يكتب، بل أيضا كانت تصريحاته فى الصحافة لها سحر وقوة خاصة ومؤثرة لدرجة مخيفة، كانت تعبيراته صادقة وموحية، ويخشى خصومه منها، لأنها كانت مثل طلقات الرصاص.
عرفت الكاتب وحيد حامد لما يقرب من 15 عامًا، وحاورته فى العديد من الحوارات، وناقشته فى العديد من القضايا، وكانت دائمًا معظم حواراته التى تشارك فى مسابقة نقابة الصحفيين تحصل على جوائز، وكنت قد حصلت على واحدة منها فى حوار سابق، وقتها سبقنى أشخاص.. وحتى الجوائز الأخيرة التى صدرت مؤخرًا، كان فيها الحوار الفائز للراحل وحيد حامد.
لم أنسَ عبارته عندما قال: «مصر كرة تسقط من منحدر.. والقاهرة غولة حامل فى وحش»، و«كيف سنعيش فى ظل حكومة فاشلة وشعب لا يريد أن يتحرك؟».. وعن مرحلة مبارك قال: «كانت فى البداية مبشّرة، ثم دخلت فى مرحلة ركود ثم ركود ثم ركود»، وقال أيضا «نعيش زمن التدين السطحى والكاذب»، وقال عن الدعاة: «إنهم مثل المطربين والممثلين.. وخطرهم أشد من أى مسلسل فاسد لأنهم أصبحوا مثل (الأراجوزات)».. كل هذه الجمل والتصريحات كانت فى 2008 فى حوار مطول نتحدث خلاله عن حال مصر بعد تعرضها للعديد من الكوارث، بينها «حريق قطار الصعيد، ومحرقة بنى سويف، وغرق عبارة السلام، وحادث الدويقة».. وغيرها من المصائب، وإليكم أجزاء من هذا الحوار..
وحيد حامد يهاجم الدعاة
■ تبدو من أنصار مقولة إن الناس انتقصوا بركة الشهر الكريم.
– نشأنا وترعرعنا على سماع القرآن والابتهالات والتواشيح قبل وبعد المغرب، لكن كل هذه الطقوس تم التخلى عنها لصالح إعلانات البطاطس المحمرة والمياه الغازية والمكانس، وكأن الحصول على المال فى القنوات الفضائية أهم من توجيه رسالة إلى المشاهدين، لذلك تقلص زمن تلاوة القرآن فى القنوات التليفزيونية، واختفت الابتهالات، حتى مدفع الإفطار أصبح ينطلق مع إعلان، وينتهى الأذان على إعلان، لأن المادية طغت على كل شىء، وكل القنوات أصبحت مزدحمة بـ«الغتاتة».
■ يبدو أنك تتجاهل البرامج الدينية الكثيرة التى تزدحم بها الفضائيات.
– للأسف، القنوات أصبحت إما مليئة بإعلانات أو بأشباه مشايخ يتحدثون فى أى كلام دون أى معرفة بما يقولون، ويهجسون تحت اسم «دينى».. وللأسف، القنوات الفضائية تستعين بهم، وهم يعلمون جيدا أنه ليس لديهم العلم الكافى أو المعرفة بأصول الدعوة، ولكنهم يستعينون بهم باعتبارهم سلعة رائجة تجلب لهم الإعلانات وأصبحوا يتعاملون مع الدين كسلعة مثل المسلسلات، كذلك الدعاة أصبحوا مثل المطربين والممثلين، لهم بورصة، رغم أن خطر هؤلاء الدعاة أشد من خطر أى مسلسل فاسد.. وللأسف، معظمهم أراجوزات. فنحن نعيش الآن فى مجتمع عشوائى فوضوى يفتقد الإدارة الحكيمة، ما دام المسؤولون فى جميع القنوات الفضائية لا يهمهم إلا تحقيق الرواج لقنواتهم، حتى لو جاء ذلك على حساب إفساد العقل المصرى والعربى ككل.. وأرى أن الشعوب الإسلامية بأكملها ضحية مؤامرة كبيرة جدًا هدفها سرقة روح هذا الشعب وتدميره.. بصراحة أنا زهقت من أشياء كثيرة جدًا، منها حال التدنى التى وصل إليها البلد.. فكل شىء هنا ينقص لا يزيد، حتى اللغة تدهورت وأصبحت لغة الحوار بين الناس متدنية والسلوك تسوده العدوانية.. ومن أين جاء كل ذلك؟ لا أحد يعرف.. وعندما أقرأ الصحف وأنظر إلى صفحة الحوادث أُصاب باكتئاب، ولا أتصور كيف أن طبيبًا لديه من الشهرة والمال يرتكب جريمة قتل بهذه البشاعة!.. ألا يدعونا ذلك إلى التفكير فى حل لهذا المجتمع؟!.
وحيد حامد والمشاركة السياسية
■ إلى أى حزب تنتمى؟
– لا أنتمى إلى أى حزب، لأننى لست مقتنعًا بكل هذه الأحزاب.
■ والمشاركة السياسية.. ألست مقتنعا بها؟
– أنا أكبر مشارك سياسى، ولكن بقلمى ولقاءاتى وأفلامى، وأنا مؤثر لأننى صاحب رأى حر، وليس ضروريا أن ينضم الصحفيون الكبار أصحاب الرأى الحر إلى أحزاب.. وأنا مع الناس، فالشىء الجيد أرفع له القبعة، والسيئ أرفع عليه السيف.
■ البعض يرشحك لوزارة الإعلام.. هل تقبل هذا المنصب؟
– لا أقبل أن أكون وزيرًا حتى لو كنت على طابونة أو فرن.. فماذا سأفعل بالوزارة؟ وماذا ستضيف لى؟، لست مؤهلا لهذه المسؤولية التى تحتاج إلى شخص يهب نفسه لهذا الوطن ويخدمه، ولكن للأسف الوزارة أصبحت منظرة ووجاهة أكثر منها خدمة للمواطنين، وعندما يتصدى شخص لعمل ما، يجب أن يحبه ويستمتع به.. وأنا متعتى الحقيقية أن أكتب ما أريد بحرية، وأقول رأيى دون أن يمنعنى أحد.. فلماذا أقبل الوزارة؟!.
متى بكى وحيد حامد؟
■ سمعنا أنك كثير البكاء، خصوصا فى المصائب والكوارث؟
– بكيت كثيرًا جدًا ولا أنسى مثلًا إحساس المرارة والحزن الذى أصابنى يوم حريق الأوبرا.. كنت واقفا على الرصيف أشاهد النيران عاجزًا ودموعى تسبقنى.. وبكيت أيضا على ضحايا العبارة عندما شاهدت بعض الجثث التى أخرجها رجال الإنقاذ.. ولم أتمالك نفسى وأنا أتابع حريق مجلس الشورى.. دمعتى قريبة جدا ولكننى أفضل أن أبكى وحيدًا ومنعزلًا.
■ ما تفسيرك للأصوات التى تترحم الآن على فترة الملكية؟
– الناس حدث لها خلط، لأن الزمن أيام الملك كان جميلا، وكان عدد السكان قليلًا، وقيمة الجنيه المصرى كانت أكبر من قيمة الإسترلينى.. وكانت هناك ألفة بين الناس ورضا ومصالحة، لذلك مهما كان الحاكم فاسدا سيكون جميلا مثل الزمن الذى يعيش فيه، أما الآن فإننا نعيش فى زمن سيئ بكل المقاييس، بسبب العشوائية والفساد ووصول عدد السكان إلى ٨٠ مليونًا.. والحقيقة أن الشعب أخطأ كثيرًا فى حق نفسه، فمثلا كيف يكون راتب المواطن ٢٠٠ جنيه وينجب ٦ أطفال؟ وبأى منطق سيعيش حياة كريمة؟.. بصراحة أشعر أننا مقبلون على زمن أسوأ.
■ تتحدث عن عدد السكان وكأنه نقمة، على الرغم من أن دولًا مثل الصين والهند جعلته نعمة؟
– هناك فارق هائل بيننا وبينهم، فهم يجيدون الاستثمار فى رأس المال البشرى.. أما نحن فقد تراجعنا لأننا نواجه مشكلات اجتماعية حادة، فالأهل يرفضون سفر أولادهم بعيدا عنهم، ومَن يضِق عليه الرزق فى بلده يأتِ إلى القاهرة، حتى أصبحت العاصمة مثل «الغولة الحامل فى وحش».
فى 2013 وبعد اعتلاء الإخوان سدة الحكم.. ماذا قال عن حال البلد والإخوان؟
■ إلى أين تتجه مصر؟
– سأتحدث بصدق، وأعلم أن كلامى سيُغضب كثيرين من كل الاتجاهات، ورغم أننى أُفضل الصمت إلا أننى أرى الصورة كئيبة.. وإذا كنا قبلنا بالحزن، فيجب ألا نقبل بالكآبة التى أعتقد أن أكثر من 80% من الشعب من كل الطوائف والمستويات يعانون منها.. رغم كل المزاعم الكاذبة التى تحيط بنا، لم أعد أرى طاقة نور نرى عبرها أى أمل.
■ لماذا؟
– أولًا لأن الجماعة تتعامل مع مصر «الوطن» على طريقة لصوص السيارات، يسرقونها ثم يفككونها قطعة قطعة، الآن نقول «كان هناك وطن اسمه مصر».. هذه جماعة لا تعرف معنى الوطن ولا تنشغل به، فقط يخططون ويسعون لمصالحهم، ويكذبون من كبيرهم لصغيرهم بلا خجل، واصفين ما يفعلونه بـ«الكذب الحلال»، أو «الكذب المبارك»، ولديهم جرأة فريدة على التمسك بالباطل، وكل يوم يحكمون مصر فيه يجرّونها للخلف عشرات الخطوات، وتشعر وكأن هناك شيئًا مدبرًا لتدمير كل ملامح حضارتها وخصوصية ثقافتها. أنت أمام جماعة أو حكام لا ينصاعون للقانون ويعتدون عليه جهارًا نهارًا، ولديهم من صُناع الإفك أعداد هائلة، يحملون تبريرًا لكل شىء.
■ كيف ترى اعتلاء الدكتور يوسف القرضاوى منبر الأزهر الشريف؟!
– أولًا، هو إخوانى قديم، وله قصيدة شهيرة فى مدح حسن البنا.. من العدل والإنصاف أن يستكين القرضاوى لشيخوخته ويعطى وقته كله لعبادة الله بدلا من أن يفرّق الأمة الإسلامية، وعليه ألا ينسى أنه لا يملك زهد العلماء، فهو رسميًا يعمل لخدمة السلطان فى قطر بدلا من أن يعمل لخدمة الدين، هو قد يملك العلم، لكنه يفتقد الزهد والورع.
■ ألم ينصفك التاريخ بإثباته وجود ميليشيات للإخوان، كما ذكرت فى مسلسل «الجماعة»؟
– أنا سيناريست مهنى، أحترم تاريخى، ولا يجوز أن يفتئت عمل فنى على ثوابت تاريخية أو يدعيها. الميليشيات موجودة منذ عهد حسن البنا، وهو نفسه يروى فى كتاباته أنه كان يشارك فى التدريبات بنفسه، وأنه كان هناك نوعان من التدريب: أحدهما عسكرى يتولاه محترفون من الداخلية، وآخر منهجى وتعليمى، وعليهما تسير هذه الميليشيات حتى هذه اللحظة.. وشاهدنا نماذج منها فى جامعة الأزهر قبل سنوات، ومن ينسى تفاخر المرشد السابق مهدى عاكف بأنه يستطيع إرسال 10 آلاف مقاتل لغزة؟!.. فمن أين سيأتى بهم؟، ومن الذى هاجم المعتصمين أمام الاتحادية؟، ومن الذى حاصر المحكمة الدستورية؟، ومن الذى كان فى استقبال الرئيس فى الاستاد بذكرى 6 أكتوبر؟!.
■ هل تحمى الميليشيات النظام الحالى من مصير مماثل لسلفه، مبارك؟
– سيلقى المصير نفسه، أيًا كان حُماته، لكن ليس الآن، سيحدث حين تكوينا النار ونصرخ من الألم، قبل أى شىء عليك أن تأتى بأقوال وخطابات مرسى وتبحث فى كم منها صدق وكم كذب، رجل يخرج على الملأ ويكذب، فكيف أصدقه بعد ذلك؟!. الكاذب لا يصدق حتى فى صلاته، ونتذكر الحديث الشريف، فيما معناه: «.. أيكون المسلم كاذبا قال لا».. مرسى لا يترأس نفسه.
■ من يترأسه هو ومصر؟
– يترأس مصر رئيس مرسى نفسه، وهو نفسه رئيسه فى الجماعة، وأنا لا أعرفه، فقد يكون فيها من هو أكثر تأثيرا وسلطة من مرشدها محمد بديع، القوى هو من يملك مفاتيح الاقتصاد، المال، والشاطر هو المتحكم فى استثمارات الجماعة ولا يستهان به على الإطلاق.
وحيد يتحدث عن مروان والجيل الجديد
■ هل صحيح أنك كنت معترضًا على التحاق ابنك مروان بمعهد السينما؟
– إطلاقا.. والدته هى التى كانت معترضة لأنها كانت تتمنى التحاقه بإحدى الكليات الكبيرة فى الجامعة الأمريكية.. أما أنا فقد كنت أريده أن يلتحق بالكلية التى تناسب مواهبه وطموحاته.. وهو الذى أصر على دخول معهد السينما.. وقد تدخل القدر فى ذلك عندما رسب فى إحدى المواد الدراسية، وكان مضطرا إلى إعادة السنة بأكملها، فقرر أن يشغل وقته بالتدريب مع المخرج شريف عرفة، وخلال عام من التدريب تغيرت أفكار مروان، وقرر الالتحاق بمعهد السينما، لذلك أدين بالفضل للمخرج شريف عرفة فيما وصل إليه مروان.
■ ما الذى ورثه مروان من والده؟
– فى العصبية والعناد يشبهنى تماما.
■ ولماذا لم تفكر فى إنجاب طفل ثان بعد مروان؟
– لأن الظروف كانت مختلفة تماما عن الآن.. كنت شابا أبحث عن مستقبلى، ورأيت أنه من الصعب أن أجازف بإنجاب أكثر من طفل، فقررت الاكتفاء بواحد وتربيته بشكل جيد أفضل من أن أزيد فى العدد وأفشل فى تربيتهم.
■ ومن أفضل مخرج من وجهة نظرك؟
– داوود عبدالسيد متميز ومتمكن من أدواته، وله رؤية فى كل أعماله.
■ وما العمل الذى تفتخر بأنك كاتبه؟
– «البرىء» لأحمد زكى وعاطف الطيب.
■ والفيلم الذى يشبهك؟
– «الإرهاب والكباب».. وعلى فكرة هذا العمل كان فى الأصل مقالة وحولتها إلى فيلم.
■ لو لم تكن مؤلفًا، فما المهنة التى كنت ستعمل بها؟
– سؤال صعب.. لكن أظن أننى كنت سأنضم إلى سلك القضاء أو المحاماة.
-
الوضع في مصر
-
اصابات
144,583
-
تعافي
115,414
-
وفيات
7,918