الجيل الخامس .. من مشغل تقليدي إلى رقمي
مع بداية الألفية الثانية، أسهمت عدة متغيرات على الصعيد التقني كظهور الأجهزة الذكية أو اللوحية، وتطوير التطبيقات والخدمات المتعلقة بها، وكذلك تبني التشغيل الرقمي لكثير من الأنظمة في تغيير جذري في سلوك المستخدم، واعتماده بشكل كبير على الأجهزة والتقنيات الرقمية. كما أسهمت خدمات الترفيه والمحتوى الرقمي والتطور المتسارع في تطبيقاتها وخدماتها في زيادة الطلب على البيانات وخدمات الاتصالات، حيث حقق هذا النمو المتسارع في حجم البيانات وتناقلها أرقاما قياسية خلال العقد الماضي، ما اضطر المنظمات المعنية بتنظيم وتقييس أنظمة الاتصالات، كالاتحاد الدولي للاتصالات ومشروع شراكة الجيل الثالث 3GPP، للعمل على إيجاد حلول تعالج الطلب المتزايد على البيانات وتوفيرها بسرعات عالية. ولمقابلة هذا التغير في عالم البيانات والاتصالات الخلوية، برز ما يسمى شبكات الجيل الخامس 5G للاتصالات، التي بدأ العمل على تطوير مواصفاتها القياسية منذ عام 2010. وتتمحور أبرز الميزات من إطلاق شبكة الجيل الخامس حول زيادة سرعة البيانات اللاسلكية والطاقة الاستيعابية للشبكات، إضافة إلى تناقل البيانات في أوقات قياسية جدا، ممكنة بذلك من إطلاق التطبيقات التي تستدعي استجابة سريعة، كالمركبات ذاتية التحكم.
قد يتبادر للأذهان أن شركات الاتصالات ستجني مزيدا من الإيرادات والأرباح عند إطلاق شبكاتها من الجيل الخامس، لكن ليس الأمر بهذه البساطة، نظرا إلى حجم الإنفاق الرأسمالي، الذي يتطلبه تنفيذ شبكات الجيل الخامس، بالتزامن مع انخفاض تعرفة خدمات النطاق العريض أو البيانات اللاسلكية عالميا عموما. نعم سيتفيد المستهلك من توافر خدمات الاتصالات اللاسلكية عبر شبكات الجيل الخامس، لتحقيقها سعات كبيرة وسرعات إنترنت عالية، وبأسعار متقاربة إلى حد كبير مع تعرفة الجيلين السابقين 4G و3G.
لكن حتى تستمر شركات الاتصالات في النمو وتحقيق عوائد مجزية من إطلاق ونشر شبكاتها من الجيل الخامس، قد تغير نظرتها إلى نفسها من مجرد مزود خدمات اتصالات تقليدي إلى ممكن لاستراتيجيات التحول الرقمي، وشريك حقيقي يلبي احتياجات عملائه، خصوصا في قطاع الأعمال. فباعتبار شبكة الجيل الخامس بنية تحتية حديثة تلبي سرعات وموثوقية عالية في نقل البيانات أو بناء شبكات افتراضية عليها، ستمكن بدورها عديدا من الخدمات والتطبيقات الرقمية. من هذا المنظور، تستطيع شركات الاتصالات توظيف ذلك بتقديم حزمة خدمات متعددة بدءا من توفير الاتصال connectivity للشبكات الافتراضية والخاصة، أو دعم خدمات المنصات platforms الرقمية والموجهة، خصوصا لقطاع الأعمال، أو توفير خدمات الحوسبة السحابية cloud computing. كما لا نغفل الأثر المجتمعي والاقتصادي من تحول مزودي خدمات الاتصالات من مشغل تقليدي إلى ممكن رقمي بميزات تنافسية، في دفع عجلة الاقتصاد وتحسين جودة الخدمات ورفع كفاءة تشغيل قطاع الأعمال، ولا سيما مع الدعم الحكومي اللامحدود في المملكة للتحول إلى العالم الرقمي. ختاما، بالإمكان تحقيق ذلك بتبني استراتيجية تواكب المرحلة والتغيير الذي يمر به عالم الاتصالات وتقنية المعلومات بإعادة التمركز حول احتياجات العملاء، وفهم متطلباتهم بإعطائهم الأولوية القصوى قبل المنتجات والخدمات التي تقدمها.