بعد دخولها حيز التنفيذ… رسائل هامة ومكاسب تحملها اتفاقية الشراكة الشاملة بين موسكو والقاهرة
بحسب ما تضمنته الاتفاقية وما أعلنته الخارجية الروسية في بيانها، الاثنين 11 يناير الجاري، تتضمن الاتفاقية مواصلة تعزيز التعاون بين روسيا ومصر في المجالات السياسية والتجارية الاقتصادية والثقافية وغيرها من المجالات، وتحدد آليات تعميق التنسيق بين موسكو والقاهرة على مختلف المستويات.
وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون بين البلدين وتبادل زيارات الرئيسين مرة واحدة في السنة على الأقل وإجراء مشاورات منتظمة بين وزيري الخارجية، إضافة إلى المشاورات بصيغة “2+2” لوزراء الدفاع والخارجية للبلدين.
كما تهدف إلى التنسيق المستمر وتبادل الآراء حول الأوضاع العسكرية والسياسية الدولية ومسائل الأمن القومي لروسيا ومصر، الأمر الذي يعكس الكثير من الفوائد للبلدين على كافة المستويات، بحسب الخبراء.
في ديسمبر/ كانون الأول 2020 صادق البرلمان المصري على الاتفاقية التي وقع عليها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي في مدينة سوتشي الروسية يوم 17 أكتوبر عام 2018
وسبق لمجلس الدوما الروسي أن صادق على الاتفاقية في 23 يوليو/ تموز، من العام الماضي.
وتعود أول اتفاقية اقتصادية بين البلدين إلى العام 1948 وكانت بشأن مقايضة الحبوب والخشب بالقطن المصري.
خبراء يرون أن الخطوة هي بمثابة تتويج الجهود المبذولة منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن توطيد العلاقات بين الجانبين.
ويرى الخبراء أن الاستفادة متبادلة للجانبين بحكم الموقع الهام لمصرفي القارة الأفريقية والتي تسعى روسيا لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية بها، كما بالنسبة لمصر في توازن علاقاتها الخارجية وتنويع مصادر السلاح والتعاون الاقتصادي أيضا، خاصة وأن روسيا لديها مشروعات هامة على الأراضي المصرية.
ويعود تاريخ العلاقات بين موسكو والقاهرة إلى 26 أغسطس/ آب عام 1943، حينما تم تدشين الروابط الدبلوماسية وتبادل إقامة السفارات والقنصليات.
المنظور الاستراتيجي
من ناحيته، قال سفير مصر السابق في روسيا، عزت سعد، إن دخول الاتفاقية حيز التنفيذ هو خطوة مهمة وتعكس الإرادة السياسية المصرية بشأن تطوير الشراكة الاستراتيجية مع الجانب الروسي، خاصة بعد التصديق على الاتفاقية.
في حديثه لـ”سبوتنيك”، يؤكد أهمية التطور الحاصل في العلاقات المصرية الروسية، خاصة أن الاتفاقية تغطي كل مجالات التعاون الثنائي الممكنة، بداية من التشاور السياسي على أعلى مستوى وذلك التعاون العسكري والاقتصادي والمبادلات التجارية والثقافية، خاصة أنها ذات طابع استراتيجي.
يشدد سعد على أن اللقاء السنوي على المستوى الرئاسي ووزيري الدفاع والخارجية بالتناوب بين القاهرة وموسكو يعكس خصوصية العلاقة بين الجانبين والشفافية والمضي قدما نحو تحقيق التعاون المشترك الجاد.
مواجهة التحديات الأمنية الراهنة هي ضمن الأهداف التي تتحقق من خلال الاتفاقية بحسب السفير، الذي أشار إلى أن تصديق البرلمان في الجانبين على الاتفاقية ودخولها حيز التنفيذ تبعث برسائل هامة لدول المنطقة والشركاء الآخرين، بأن مصر حريصة على تطوير كافة أوجه التعاون بين القاهرة وموسكو.
المصالح الروسية في أفريقيا
المصالح الروسية في القارة الأفريقية هي أحد الأهداف التي تتحقق أيضا من خلال الاتفاقية، خاصة أن مصر عبر التاريخ كانت محطة هامة بشأن التعاون بين موسكو والعواصم الأفريقية، ويعزز السفير قوله بأن المنطقة الصناعية الروسية شرق بورسعيد تمثل بوابة مهمة لتصدير المنتجات الروسية إلى القارة الأفريقية.
وفي 23 أكتوبر/ تشرين الثاني 2019، عقدت قمة روسيا–أفريقيا، وهي القمة الأولى من نوعها والتي استضافها منتجع سوتشي، حيث بحثت القمة والمنتدى الاقتصادي آفاق العلاقات بين روسيا ودول القارة، وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
وجرت القمة بإشراف الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والمصري عبد الفتاح السيسي.
أهمية التنسيق الأمني وتقارب الرؤى
يرى العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن العلاقات بين مصر وروسيا قائمة بالفعل وبشكل جيد، إلا أن دخول الاتفاقية حيز التنفيذ يتوج الجهود المبذولة.
ويضيف، ي حديثه لـ”سبوتنيك”، أن عودة التأثير الروسي في المياه الدافئة بدأت منذ العام 2015، خاصة في ظل تقارب وجهات النظر بشكل كبير مع الجانب المصري.
وأوضح أن الدور الروسي في سوريا متماشي مع الموقف المصري وكذلك في ليبيا، خاصة أن روسيا تواجه التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة وتنحاز إلى قيام الدولة القوية، كما هو الحال في ليبيا، والذي حد من الدور والتوسع التركي سواء في ليبيا أو سوريا.
تنويع مصادر السلاح
وفيما يتعلق بجانب التسليح يرى راغب أن مصر استفادت بدرجة كبيرة من تنويع مصادر السلاح وأن ذلك ساهم في تقدم مركز الجيش المصري، كما استفادت روسيا بشكل كبير بشأن صادرات السلاح، في حين أنها باتت تنافس الأسلحة المتطورة بشكل كبير، سواء على مستوى الطيران ومنظومات الصواريخ.
ويرى راغب أن معظم الدول باتت تتجه إلى تنويع مصادر السلاح، وأن التحول الحاصل في المشهد الدولي جاء في صالح موسكو، خاصة أن الولايات المتحدة لم تعد المتحكم الرئيسي في السلاح المتطور.
العلاقة بين موسكو والقاهرة يراها راغب مهمة ليس على المستوى الثنائي فحسب، بل على المستوى العربي والأفريقي أيضا في إطار التعاون الاستراتيجي الذي يشمل كافة القطاعات.
العلاقات الاقتصادية
على المستوى الاقتصادي قال الدكتور محمد زكريا الأكاديمي الاقتصادي المصري، إن مصر تعتبر الشريك الأول لروسيا على المستوى الأفريقي، حيث أن نحو 40 بالمئة من التبادل الروسي الأفريقي في مصر، كما أنها الشريك الأول العربي أيضا.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، أن حجم التبادل التجاري بين القاهرة وموسكو يصل سنويا إلى نحو 7.6 مليار دولار وهو مرشح للزيادة، خاصة أن أكثر من 476 شركة روسية بالقاهرة تعمل في كافة المجالات على رأسها مجال الطاقة.
بحسب زكريا أن المنطقة الصناعية الروسية بمصر تعد من أهم المشروعات لموسكو خارج أراضيها بتكلفة 7 مليار دولار، وتوفر نحو 35 ألف فرصة عمل.
وأشار إلى أنه بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ يرتقب عودة السياحة الروسية لمصر خلال الفترة المقبلة حال تراجع جائحة كورونا بعد توفر اللقاح.
محطات تاريخية
يرجع تاريخ العلاقات بين موسكو والقاهرة إلى 26 أغسطس/ آب عام 1943، حينما تم تدشين الروابط الدبلوماسية وتبادل إقامة السفارات والقنصليلات.
في العام 1948 وقعت أول اتفاقية اقتصادية بين الجانبين وكانت بشأن مقايضة الحبوب والخشب بالقطن المصري.
من الفترة 1950 وحتى العام 1970 وصلت العلاقات بين الجانبين إلى درجة عالية من التنسيق، حيث وصل آلاف الخبراء السوفيت إلى مصر وساهموا في بناء المصانع والبنى التحتية.
ساند الاتحاد السوفيتي مصر عسكريا في فترات تاريخية مهمة، فقد كان للاتحاد السوفييتي الدور الأبرز والأهم في إعادة بناء القوات المسلحة المصرية وتسليحها بعد نكسة 1967. وما حصلت عليه مصر من عتاد عسكري مكّن الجيش المصري من خوض حرب الاستنزاف، وحرب 1973 تحريرا للتراب الوطني.
شهدت فترة السبعينيات والثمانينيات بعض الانكماش والتراجع في العلاقات مقارنة بالفترات التي سبقتها.
وفي العام 1990 زار الرئيس الراحل حسني مبارك الاتحاد السوفيتي ووقع على الإعلان المصري السوفيتي والبرنامج طويل المدى للتعاون.
في العام 1991 اعترفت مصر بروسيا كخليفة للاتحاد السوفيتي، تبع ذلك زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف في العام 2004 ووقع على بروتوكول التعاون الاستراتيجي والحوار بين البلدين.
في العام 2005 زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القاهرة وكانت الزيارة الأولى على هذا المستوى منذ 40 عاما.
بدأت ملامح فترة جديدة في العلاقات منذ العام 2014، خاصة بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لموسكو، تبعتها زيارة الرئيس الروسي للقاهرة في العام 2015.
وبمساعدة الاتحاد السوفيتي، تم تنفيذ 97 مشروعًا كبيرًا في مصر، بما في ذلك السد العالي في أسوان، ومصنع حلوان لأعمال الصلب، ومصنع نجع حمادي للألمنيوم، بحسب بيانات موقع السفارة الروسية في القاهرة.
حجم التداول
وفقًا لبيانات الجمارك الروسية، تجاوز حجم التداول السلعي بين البلدين 4.6 مليار دولار في عام 2014، بارتفاع قدره 80% عما كان عليه في عام 2013، وشمل ذلك منتجات نفطية وحبوب وأخشاب وحديد وغيرها.
هذا التعاون تواصل في السنوات اللاحقة، ليقفز حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 7.7 مليار دولار في عام 2018.
وفي تصريحات سابقة للسفير الروسي بالقاهرة، غيورغي بوريسينكو، فشركات النفط الروسية الكبرى بما في ذلك “روس نفط” ولوك أويل” و”لادا” تعمل في مصر باستثمارات تتجاوز 7.4 مليار دولار، بحسب وكالة أنباء “الشرق الأوسط”.
وقال بوريسينكو في يونيو/ حزيران الماضي إن الجانبين يحرصان على استكمال كافة الإجراءات المتعلقة بإنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي من المتوقع أن تجذب استثمارات روسية تفوق 7 مليارات دولار، وتوفر نحو 35 ألف فرصة عمل جديدة.
محور قناة السويس
وفي أكتوبر 2020، أعلن سفير روسيا لدى مصر، غيورغي بوريسينكو أن المنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس سيبدأ الإنتاج بها عام 2022.
وأشار في حواره مع الأخبار المصرية، إلى تأخر الإنشاءات في محطة الضبعة النووية بسبب تداعيات وباء (كوفيد-19)، كما أكد استعداد روسيا لتصنيع لقاح مضاد للوباء في مصر.
وفي حوار سابق مع “سبوتنيك” قال محمد براية، نائب رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس إنه من المخطط أن تكون المنطقة الصناعية الروسية 5.25 كم، ويبلغ حجم الاستثمار الإجمالي حوالي 6.9 مليار دولار، المخصص للمرحلة الأولى في الميزانية 185 مليون دولار وفقا لما أعلنه الجانب الروسي، وستتراوح مساحة هذه المرحلة ما بين كم إلى 1.5 كم، وهو ما يجعل الاستثمار الروسي ثاني استثمار رئيسي في منطقة شرق بورسعيد.
وبشكل عام يتوقع الخبراء أن تشهد الفترة المقبلة المزيد زيادة الأرقام على المستوى الاقتصادي، والعمل بشكل أعلى في إطار استقرار الدول العربية التي تشهد توترات منذ سنوات عدة ومنها ليبيا وسوريا بحكم الدور الروسي، كما يتوقع الخبراء الحضور الروسي بشكل أكبر في أفريقيا عبر البوابة المصرية.