مصباح قطب يكتب: «الصورة مش سودا قوى كده»!

لست الوحيد بالتاكيد الذى سمع عبارة الصورة “مش سودا قوى كده” ، تقال فجاة فى محافل عامة، ووسط اى نقاش دائر . سمعتها وسمعها غيرى على مدار العامين الأخيرين بوجه خاص، واصابتنا جميعا نفس الحيرة، إذ هل حقا كل من يتناول اى شان عام بنوع من التقييم، ولو خفيف، بيسود الصورة؟ . واقعيا و فى كل مرة تقال فيها عبارة “مش سودا قوى” ، يحدث الامر على النحو التالى :  ندوة فيها ٢٠ او ٣٠ فرد على الأكثر، ولا توجد ندوة حية يزيد المشاركون فيها غالبا عن هذا العدد، و يدور فيها الحوار بهدوء وحذر، حيث يعلم الكل مدى ضيق صدر  دوائر رسمية كثيرة، باى نقد او تحليل معمق او مهنى محض، لاداء هذا المسئول او ذاك، وهذا القطاع او ذاك،  لكن  فجأة وبلا مبرر واضح، وبعد أن يكون أحد المتحدثين قد ذكر عرضا كلمة مثل فشل… فشل وحدة محلية… او حى… او مجلس قروى او إدارة شركة أو هيئة ( وهذا اقصى طموحنا فى النقد على اى حال)، يهب أحدهم قائلا وبكل حمقة : الصورة مش سودا قوى كده. ويروح يكررها بعصبية شديدة جدا عدة مرات ، حتى يجبر المتحدث على السكوت ولو لدقائق. الطريف انه يحدث احيانا ان يكون المتحدث قد قال كلمة فشل ثم انتقل بعدها إلى  إنجازات الجمهورية الجديدة، ومع ذلك يهب المكلف بقول” مش سودا قوى كده “، ويطلقها، غير مبال بكونها متأخرة ، فالمهم عنده ان تقال، وان ينسب اليه انه مستحملش حد يقول فشل ويسكت عليه .

زمان كان للسلطة ذراع سياسى فيه إعلاميين وساسة وخبراء

وكان اهل هذا الذراع يتواجدون فى المحافل العامة، ويردون على اى نقد يثار بوجهات  نظر، جيدة احيانا، متوسطة احيانا، اومفبركة، لكنه رد واشتباك فى موقعه اى يتم بنوع من المعايير، بعيدا عن حكاية سودا قوى او بيضا قوى. زمان ايضا كان ممثل الجهات الخاصة المتواجد فى النقاش العام، لا يعلق، ويسجل اويدون ملاحظات  ويرفعها ، ومن جماع الملاحظات منه  ومن غيره، يتم توجيه برامج التوك شو  او رؤساء تحرير الصحف، إلى وجهة معينة للرد على ما بعض ما قيل فى ندوات او لقاءات عامة حظيت باهتمام،  او تفنيد الخطير منه، والتعامل مع  ما بدا فى تلك الندوات انه يشغل المجتمع او يثير قلقه او حيرته . فى المرحلة الراهنة اختلط الحابل بالنابل، ودخل على خط  إلقاء جملة الصورة مش سودا قوى، فضلا عن بعض اهل الميديا، المرتبطون ب جهات معروفة ، إذ يقولونها فجأة بانفسهم، كواجب، او تكليف، او مهمة رسمية، ودون ان يعرف احد من الحاضرين ما معنى أن تكون الصورة بيضاء اونصف نصف او سوداء من وجهة نظر هذا المتحدث الغامض. الملاحظ اخيرا ان

عبارة الصورة مش كذا تقال بنوع انفعال موحد ، وبنفس النبرة الصوتية او الحمقة، ويعقب قولها عادة نوع من الاستغراب فى وسط القاعة، لكن عادة ايضا ما يتم استكمال النقاش وسط توتر وفتور  وارتباك.

مصر البيضاء المتالقة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وحضاريا، عربيا ودوليا، قضية شعب، وليست قضية جهات عليا او فئات مقربة او محظوظة، او مبظوظة ، وهى قضية لا يخدمها ابدا نوع النقاش الذى يتم فيه الرد على اى نقد ولو خفيف او عرضى، بالقول :الصورة مش، سودا قوى كده. والله أعلى و اعلم .

After Content Post
You might also like