أشرف فهيم يكتب عن: حلم البسطاء وجشع الوسطاء
لم يُصدر الله القانون ولكنه حثنا على النظام.. لم يضع لوائح لكل جوانب الحياة ولكنه وضع دستورا عاما حين أمرنا بطاعة أولي الأمر منا.. فكيف نحج لبيت الله الحرام وقد تحايلنا على النظام ولم نطع أولي الأمر؟!
على مدى نحو 5 سنوات كرست المملكة العربية السعودية جهودها لوضع “نظام” أعقب فوضى دفعت ثمنها المملكة لعقود وهي تكافح جيوش المتسللين.. كرست السعودية جهودها للعبور إلى المستقبل ومسايرة الركب العالمي المنغمس في التطور التكنولوجي الهائل، والذي بات بديلا آمنا لكيانات ومؤسسات لم تعد قادرة على تطبيق النظام؛ ومن هنا وضعت أطر وقوانين لتنظيم دخول مواقعها المقدسة؛ وعلى الجهة الأخرى سعت الدول المُصدرة للحجاج والمعتمرين -ومن بينها مصر-، لوضع نظام يتناسب مع التطور السعودي، ويحقق عنصري الأمان والرفاهية لرعاياها المسافرين للمملكة.. غير أن شوائب عالقة قد تجمعت وبرزت في هذه الأثناء لتكون حجر عثر أطاح بالقانون وخالف النظام وأفسد روحانية زيارة الحجاج العام الماضي، بل ويسعى لتكرار نفس المأساة العام الحالي.
رغم جهود الدولة المصرية لوضع قانون ونظام وأطر وضوابط وبوابة إلكترونية وحملات توعوية وأخرى تحذيرية؛ إلا أن تأشيرات “مباشرة” للحج من دون برامج، وأخرى للزيارة، لا تزال تباع وتشترى، وبرامج وباقات الصحيح منها وهم والصادق فيها كذب، لا تزال ملقاة على الطريق وقد التقطها “وسطاء” يسعون لاستغلال حلم “البسطاء”، فتباع التأشيرة ومعها برنامج قد لا تحمد عقباه، وبأسعار بدأت من 80 وحتى 200 ألف جنيه.. وتحذر المملكة وتناشد مصر ويصرخ دار الإفتاء: “حرام حرام”؛ غير أن النتيجة واحدة.. مشهد متوقع تراه في نهاية الطريق: “حجاج يفترشون طرقات المشاعر وخيام تكتظ بساكنيها لا تنعم بزرع ولا ماء.. وشكاوى وبلاغات وتعويضات وخسائر ونواح”.
لم يعد الأمر محمودا إن انتقدنا غرفة شركات السياحة واللجنة العليا للحج بعد كل هذا العمل والالتزام.. لم يعد من المنطق أن نلوم على وزارة الداخلية وأمن المطارات في حضور آلة تكنولوجية حديثة تأتي بتأشيرة من هنا وهناك، وصفقة تمت في الخفاء بين شبكة من معدومي الضمير وحفنة من الحالمين الطامعين يعرفون بعضهم جيدا ويصلون لمبتغاهم بسهولة، ويمكنون هؤلاء من المرور بشكل رسمي إلى محطة مؤقتة تسهل عملية التسلل للأراضي المقدسة.
حقيقة الأمر.. إن لم تقم مصر بدور رقابي مشدد على الوسطاء، وإن لم تقوى المملكة العربية السعودية على صد أمواج المخالفين مثلما حدث العام الماضي، فإن كارثة تلوح في الأفق من جديد ستدفع ثمنها شركات السياحة والحجاج الملتزمون كالعادة.. ولذا فإن المنطق يقول إن من آمن العقاب أساء الأدب، ونحن إلى اليوم لم نجد وسيط مصري تعرض لعقوبة قانونية، كما لم نجد وسيطا سعودي غير نظامي تم توقيفه.. أهملت وزارة السياحة في مصر حين لم تكن جادة في الكشف عن أباطرة البيزنس الخفي للحج والعمرة سواء كانوا وسطاء أو عاملين بالشركات، بل أعلنت لنا ضبط مجموعات مخالفة ولم تعلن من كان وراء سفرها وما هي عقوبته؛ كما أهملت وزارة الحج السعودية حين لم تعلن قائمة بكل من ساعد وساهم في دخول متسلل غير نظامي.. لا تحاكموا القطاع الخاص بل حاسبوا أنفسكم.