ناصر تركي يكتب: أزمة الإيجارات القديمة.. هل من مخرج عادل يرضي الملاك والمستأجرين؟

لطالما كانت قضية قانون الإيجارات القديمة في مصر نقطة خلاف ساخنة، تتأرجح فيها الحوارات بين الدفاع عن حقوق الملاك أو نصرة المستأجرين.. لكن من واقع التجربة المعيشة، يتضح أن المسألة أعمق من مجرد صراع على الحقوق، بل هي أزمة إنسانية واقتصادية متشابكة تتطلب حلولًا مبتكرة وعادلة.

 

أتحدث هنا بصفتي أحد ورثة الجيل الثالث لعقارات تعود لأجدادنا، وقد شهدت كيف توالى رحيل الأجيال، وبقيت شققٌ تؤجر بمبالغ لا تكاد تُصدق. تخيل معي: شقة من خمس غرف لا يتعدى إيجارها ستة جنيهات، أي ما يعادل جنيهًا وعشرين قرشًا للغرفة الواحدة! في المقابل، يلتزم المالك بسداد عوائد وضرائب، وفواتير كهرباء ومياه ونظافة، ناهيك عن مصاريف صيانة تكاد تكون مستمرة.. وعند تحصيل هذا الإيجار الزهيد، يذهب معظمه، إن لم يكن كله، لتغطية نفقات التحصيل والمصاريف الأساسية، ليجد الورثة أنفسهم أمام عقار لا يدر عليهم أي دخل يذكر، بل قد يكون عبئًا ماليًا.

 

الحقيقة أن معظم المستأجرين الأصليين، سواء كانوا أزواجًا أو زوجات، قد توفاهم الله. ومن يقطن هذه الشقق اليوم هم في الغالب من الأحفاد أو الأبناء الصغار، أو حتى شقق مغلقة تمامًا. فهل من العدل أن يستمر هذا الوضع في ظل الفارق الشاسع بين قيمة الإيجار الزهيدة والقيمة السوقية الحالية لهذه الوحدات السكنية؟ وهل من المنطق أن يتحمل المالك كل هذه الأعباء دون أي عائد مجزٍ؟

 

نحو حلول عملية بعيدًا عن التشنج

 

بدلًا من الوقوع في فخ الاتهامات المتبادلة وإثارة الفتن، حان الوقت للبحث عن حلول واقعية تراعي البعد الإنساني وتضمن العدالة للطرفين. إن فكرة تشكيل لجان متخصصة على مستوى الأحياء لدراسة الحالات من أرض الواقع هي خطوة بناءة للغاية. هذه اللجان، التي يمكن أن تضم ممثلين عن نواب الشعب والشورى (حيثما يكون لهم دور فعال) بالتعاون مع المحافظة، يمكنها أن تضطلع بمهام حيوية:

  •   تقييم الحالات الإنسانية: تقوم اللجان بدراسة وضع المستأجرين الحاليين، لتحديد من هم بحاجة فعلية للدعم ولا يملكون القدرة على توفير سكن بديل. هذا يضمن أن الدعم يذهب لمن يستحقه فعلاً.

 

  •  صندوق الدعم السكني: من الضروري إنشاء صندوق خاص لدعم المتضررين من المستأجرين لمساعدتهم في إيجاد سكن بديل. يمكن تمويل هذا الصندوق من مصادر متنوعة، مثل جزء من ميزانية الإسكان الحكومية، أو مساهمات من المجتمع المدني ورجال الأعمال، أو حتى من خلال فرض رسوم رمزية على بعض المعاملات العقارية. هذا الصندوق سيخفف العبء عن المستأجرين البسطاء ويمنحهم فرصة لبداية جديدة.

 

  •  حلول سكنية بديلة: لا يقتصر دور الصندوق على الدعم المالي فحسب، بل يمكن أن يساهم في توفير خيارات سكنية بديلة تناسب مختلف الاحتياجات، كشقق الإسكان الاجتماعي أو المساعدة في دفع إيجارات لشقق بأسعار معقولة لفترة محددة.

 

إن التفكير بهذه الطريقة يفتح الباب أمام تسوية شاملة وعادلة لهذه الأزمة. فبدلًا من أن يبقى الملاك تحت عبء عقارات لا تدر عائدًا والمستأجرون في حيرة من أمرهم، يمكننا أن نجد صيغة تضمن كرامة المستأجرين وحق الملاك في الاستفادة من ممتلكاتهم.

 

فهل نحن مستعدون كدولة ومجتمع لتبني مثل هذه الحلول العملية، ونبذ الخلافات جانبًا، لنخطو نحو مستقبل سكني أكثر عدالة وإنصافًا للجميع؟

 

After Content Post
You might also like