هل استعدت مصر والسودان لملء سد النهضة ثانية بعد إصرار أثيوبيا على مواقفها؟

 

لم يعد الحديث عن التفاوض مجديا بعد فشل كل الجولات والوساطات الإقليمية والدولية في الضغط على إثيوبيا من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم، في ظل إصرار أديس أبابا على مواصلة الملء وفق الجدول المعلن، ولم يعد هناك الكثير من الوقت.. فهل هناك بدائل أمام مصر والسودان سوى الاستعداد للملء الثاني لسد النهضة؟.

تقول أسماء الحسيني الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة:” أعتقد أن التعنت والمماطلة الإثيوبية لن تستطيع أن تضيع حق الشعبين المصري والسوداني في مياه النيل، خصوصا إذا كان هذا الأمر مرتبطا بحق ملايين البشر في الحياة، وما زالت القاهرة والخرطوم تبذلان كل الجهود من أجل الوصول إلى حل سلمي تفاوضي”.

تأجيج مشاعر الغضب

وأضافت لـ”سبوتنيك”: “ما تفعله إثيوبيا يؤجج مشاعر الغضب ولا أقول الكراهية لدى شعوب الدولتين، وحتما سيجد المجتمع الدولي نفسه مضطرا إن عاجلا أو آجلا إلى التدخل لحل هذه القضية التي تتولد منها مشاكل وتعقيدات في المنطقة وسوف تولد الكثير من الأزمات مستقبلا، وبالتالي ستكون أديس أبابا في النهاية مضطرة إلى التوصل لاتفاق قانوني ملزم يتيح لها التعاون من زيادة منافع هذا السد وتقليل أضراره”.

وتابعت الحسيني، “الجميع الآن يستبعد الحل العسكري واستخدام القوة، لكن تلك المشاعر التي تغذيها المواقف الإثيوبية المتصلبة ستكون لها نتائج غير حميدة ومردودها سيكون سيئا للغاية، والأفضل للجميع الآن الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى حلول سلمية تنجي شعوبنا من أي سيناريوهات أخرى قد تكون كارثية على الجميع”.

الاستعداد للملء الثاني

وحول ما إذا كان على مصر الاستعداد للملء الثاني قالت،: “أعتقد أن جميع السيناريوهات مطروحة أمام الدولتين، وقد شرع السودان بالفعل في تنبيه المزارعين والسكان للخطوات والإجراءات الواجب اتخاذها حال وصول إثيوبيا إلى مرحلة الملء الثاني، وقد بدأنا في الآونة الأخيرة في مصر باتخاذ إجراءات لترشيد المياه وتقليل الزراعات المستهلكة للمياه وتحلية مياه البحر وترشيد الاستهلاك، وقانون الرش المعروض على البرلمان هو خير دليل على ذلك، لكن هذا لا يعني الاستسلام للتعنت الإثيوبي، بل تتحرك مصر والسودان من أجل إسماع صوتهما للمزيد من الدول، وبدأت العديد من الدول المساندة بالضغط على الجانب الإثيوبي لوقف التصرفات أحادية الجانب”.

غياب ركائز التفاوض

من جانبه قال رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية- مدير مركز مقدس للدراسات والبرلماني المصري الدكتور سمير غطاس: “إن الوقت ينفد بشدة في ظل إصرار الجانب الإثيوبي على التواريخ التي حددها للملء الثاني والمفترض في يوليو المقبل، وإذا وصلنا إلى الملء الثاني سيكون من الصعب جدا العودة لما قبل هذا التاريخ، وستكون كل استراتيجيات التفاوض خلفها، المشكلة الأساسية كانت في عدم التقارب المصري السوداني في فترة البشير، أما بعد البشير فهناك تقارب بين البلدين وبدأت الخرطوم تستشعر الخطر مثل مصر وربما أكثر نتيجة الجغرافيا والتأثر المباشر بالسد، وقد اعتمدت القاهرة والخرطوم استراتيجية واحدة مع بعض التفاوت في التفاصيل وهى عملية التفاوض فقط لاغير”.

وأضاف لـ”سبوتنيك”: “التفاوض ليس علاقات عامة، وبكل أسف تم الخلط بين التفاوض والعلاقات العامة، وحاولوا بطرق أقرب إلى العلاقات العامة التأثير في الجانب الإثيوبي، في ظل تناسي ركائز التفاوض المعروفة والأساسية وهى موازين القوى وتبادل المصالح، وللأسف تم استبدال تلك الركائز بتفاوض سياسي لا جدوى ولا طائل منه وتمت تجربته لسنوات طويلة إلى أن نفذ تماما”.

وأكد غطاس، “أن اي استراتيجية للتفاوض تعتمد على موافقة الطرفين، ولا يمكن إجبار طرف على قبول الوساطة من دول هو لا يقبلها، على سبيل المثال إثيوبيا مستريحة للوساطة الأفريقية، والمنظمات الدولية تقول، بما أن المشكلة في أفريقيا والاتحاد الأفريقي يقوم بمهام الوساطة، فلا داعي لوساطتنا، وحتى إن كانت هناك وساطة فسوف تكون بصفة استشارية وليست ملزمة، والمطلوب هو إلزام إثيوبيا باتفاق يتعلق بسنوات الملء في فترات الجفاف وأن تكون هناك جهة تحكيمية لفض النزاعات التي قد تنشأ، وأثيوبيا ترفض المسألتين، وسمعنا طوال السنوات الماضية أن 90 في المئة من المسائل العالقة قد أنجزت وفي الحقيقة لم ينجز أي شيء على الإطلاق نظرا لأن الاستراتيجية من الأساس خاطئة و المفاوضون خاطئون في الاستمرار فيها”.

وحول دعوات ضرب السد من جانب الشعبيين وبعض السياسيين في مصر قبل الملء الثاني، قال: “هذا الأمر صحيح، لكن يجب أن يأخذ في الاعتبار أن إثيوبيا لها مناصرين كثر دوليين وإقليميين، فلا يمكن لإثيوبيا أن تتجبر منفردة على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وعلى دولتين كبيرتين في الاتحاد الأفريقي هما مصر والسودان، فهناك مصالح متداخلة مع إثيوبيا من جانب دول كبرى تتضامن معها وتسند ظهرها، لذا لابد من تغيير موازين القوى، فعندما تعرض تركيا أن تتوسط لحل الأزمة، هذا يعني ضمنا أن تركيا موجودة مع السد ودول أخرى”.

وأشار رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، “إلى أن المدة المتبقية حتى الموعد الذي حددته إثيوبيا للملء  لن تستطيع فعل شىء لأنك لم تغير الاستراتيجية، فلم نسمع صوتا رسميا يتحدث عن تغيير الاستراتيجية التي جربناها طوال السنوات الماضية ولم يكن لها نتيجة سوى الفشل، وبما أننا نستخدم نفس الاستراتيجية، اعتقد أننا مقبلين على ملء السد، وننظر حدث داخلي يغير السلطة في إثيوبيا لنصل معها إلى اتفاق جديد بعد أن نكون قد وصلنا إلى الأمر الواقع وليس لدينا أي ورقة ضغط”.

واستبعد غطاس، أن يكون هناك أي عمل عسكري ضد السد من جانب مصر والسودان، لأنه سوف يجر على البلد الذي تقوم بالاعتداء مشاكل كبرى، ونحن متهمون حتى قبل القيام بأي شىء، ولو قامت أي جهة بالاعتداء على السد أو ضربه فسوف نكون متهمين حتى قبل التحقيق، فمصر ولا أي بلد في المنطقة تتحمل حصارا اقتصاديا وعقوبات نتيجة القيام بعمل عسكري ضد دولة كاملة السيادة وعضو في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وتساندها دول كثيرة، لذا علينا الاستعداد للملء الثاني لسد النهضة”.

وصرحت الخارجية السودانية أن “إثيوبيا تنوي ومُصرة على إلحاق الضرر بالسودان من خلال الملء الثاني لسد النهضة”.

ونقل موقع “الشرق نيوز” عن الخارجية السودانية أن “إثيوبيا متعنتة على الرغم من علمها بأن الملء الثاني يهدد حياة الملايين من السودانيين وله عواقب وخيمة”.

ودعت الخارجية السودانية إثيوبيا إلى “مراعاة الاتفاقيات الدولية من أجل الوصول لاتفاق ملزم بشأن ملء سد النهضة”، لافتة إلى ضرورة موافقة إثيوبيا على “الآلية الرباعية التي تضم الاتحاد الإفريقي”.  وقالت إنه “لا يوجد سبب لممانعة ورفض” ذلك.

يذكر أن إثيوبيا تعتزم تنفيذ المرحلة الثانية من ملء بحيرة السد في يوليو المقبل، بعد أن كانت قد أنهت المرحلة الأولى من ملء الخزان الذي تبلغ سعته 4.9 مليار متر مكعب في 21 يوليو 2020.

وجددت دولتا مصر والسودان، الأسبوع الماضي، قلقهما إزاء التحرك الإثيوبي نحو الملء الثاني لسد النهضة في شهر يوليو المقبل، دون التوصل لاتفاق حول الملف مع الخرطوم والقاهرة.

وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره السوداني عبد الله حمدوك، في القاهرة: “لسنا ضد التنمية في إثيوبيا، ولكن بما لا يضر بمصالح الشعبين المصري والسوداني”.

كما أعلنت الخارجية الإثيوبية، رفض الوساطة الرباعية التي اقترحتها مصر والسودان، مؤكدة تمسكها بالوساطة الأفريقية.

 وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، “أبلغنا الوفد الكونغولي بشأن موقفنا الرافض للوساطة الرباعية وتمسكنا بالوساطة الأفريقية، لا يمكن أن يتم إقحام أطراف أخرى في مفاوضات السد في ظل قيام وساطة أفريقية يجب أن تحترم وإعطائها فرصة للنجاح”.

وكان خبير السدود الدولي الدكتور أحمد الشناوي، قد أوضح، في مقابلة مع “سبوتنيك”، أن كمية الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي أكبر من المعلن نتيجة انهيار جزء من السد بعد الملء الأول ما تسبب في فيضانات السودان العام الماضي.

وأضاف: “الملء الثاني للسد والمقدر له 13 ونصف مليار متر مكعب، وقد تكون الكمية الحقيقية أكبر من ذلك، لأنني أعتقد أنه بعد الملء الأول العام الماضي والمقدر بـ4 ونصف مليار حدث انهيار لجزء من السد وهو ما تسبب في غرق السودان، والفيضانات التي حدثت العام الماضي، لذا أتوقع أن يكون الملء الثاني أكبر من الرقم المعلن”.

وعلى الرغم من توقيع إعلان للمبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا، حول قضية سد النهضة في  مارس 2015، والذي اعتمد الحوار والتفاوض كسبيل للتوصل لاتفاق بين الدول الثلاث حول قضية مياه النيل وسد النهضة، لم تسفر المفاوضات عن اتفاق منذ ذلك الحين.

وبدأت إثيوبيا في تشييد سد النهضة على النيل الأزرق منذ عام 2011، بهدف توليد الكهرباء، وتخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، والتي تتجاوز 55 متر مكعب سنويا، تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.

After Content Post
You might also like