«خواطر رمضانية».. الحسد وما يترتب عليه

يقدم أ.د. محمد مختار جمعة ،وزير الأوقاف، خواطر رمضانية طوال الشهر الفضيل، وجاءت خاطرة اليوم عن الحسد. 

وقال: الحسد داء قتّال، وأكثر ما يقتل الحسد إنما يقتل صاحبه ، يقول الشاعر : اصبِرْ على مَضَضِ الحسودِ.. فإنَّ صبرَك قاتلُـهْ.. فالنارُ تأكلُ نفسها.. إن لم تجدْ ما تأكلُهْ. 

وقد نهانا ديننا الحنيف عن التحاسد ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : {أَمْ يَحْسُدون النّاسَ عَلى ما آتَاهُم اللهُ مِنْ فضْلهِ} [النساء: ٥٤] ، فما أفاء الله به على عباده فهو فضله وكرمه يختص به من يشاء ، فهو وحده مقسِّم الأرزاق بين الخلائق ، حيث يقول سبحانه {وَمَا بِكُم مِّن نعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [النحل: 53] ، ويقول سبحانه : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]، ولَم يحرم سبحانه وتعالى أحدًا من خلقه من فيض كرمه ، فهذا رزقُه مال ، وذا ولد ، و ذاك مكارمُ الأخلاق، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ، وليس له إلا ما كُتب.

ويقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : “لَا تَحَاسَدُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا … وَكُونُوا عِبَاد اللهِ إِخْوَانًا ” (رواه مسلم)، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ) : ” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” (متفق عليه).

وليدرك الحسود أنه لا يقتل إلا نفسه حقدًا وغيظًا وكَمَدًا ، وأنه ما كان ولَم يكن ولن يكون لأحد من الخلق أن يحجب فضل الله عن خلقه ، حيث يقول الحق سبحانه : {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].

فالعاقل من يترك الخلق للخالق والملك للمالك جل وعلا ، وينشغل بأمر نفسه وحال نفسه وشأن نفسه ، سبيله قول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : “مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ” (رواه الترمذي وابن ماجه) ، يحب الخير للناس كل الناس ، ويحمل الخير للناس كل الناس ، سليم الصدر ، نقي السريرة ، صافي النفس والقلب ، لا يعرف الحقد ولا الغل ، ولا الكيد ولا المكر ، لا يعقِّب على إرادة الله في عطائه ما يشاء لمن يشاء متى يشاء ، بحساب أو بغير حساب ، ولا في منعه ما يشاء عن من يشاء متى يشاء ، مدركًا أن الأمر كله لله وحده وبيده وحده ، لا شريك له في ملكه ، لا رادَّ لحكمه ، ولا معقِّب لقضائه .

فالعاقل العاقل من ينشغل بحال نفسه ، ويعمل على إصلاحها ، ولا يتقمَّص دورًا ليس له في تصنيف من يستحق فضل الله ومن لا يستحق ، فالله أعلم حيث يعطي ، وحيث يمنع، وحيث يهب ، وحيث يرفع أقوامًا ويضع آخرين ، وحيث يصطفي ، وحيث يختص برحمته من يشاء .

نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا طيب النفس وسلامة الصدر ، ونعوذ به من أن نَظلم أو نُظلم ، ومن داء الحسد ، وسائر الأدواء ، وأن يكفينا أمرَنا كله : سرَّه وعلنَه ، إنه (عز وجل) ربنا و مولانا , “فنعم المولى ونعم النصير”

After Content Post
You might also like