تقرير.. آفاق التعاون الروسي السعودي في مجال التكنولوجيا النووية

أكد نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك ووزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان رغبة في تعزيز التعاون الثنائي، بما فيه الصناعة النووية خاصة تصميم وتشييد مفاعلات نووية بالمملكة.

وأدلى وزير الطاقة السعودي ونائب رئيس الوزراء الروسي بتصريحات على هامش منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي (SPIEF-2021) الذي عُقد في مدينة سان بطرسبورغ الروسية في فترة 2-5 يونيو الماضي.

وتمثل المفاعلات النووية من طراز VVER (مفاعل الطاقة المائي المائي) منتجا أساسيا تطرحه مؤسسة “روساتوم” ضمن حقيبتها للعروض، وهذه المفاعلات هي التي تقترح روسيا تركيبها في أول محطة للطاقة النووية التي تخطط السعودية لإنشائها في السنوات القادمة.

فما هي المزايا التي تتسم بها هذه تقنية المفاعلات النووية الحديثة مقارنة بمثيلاتها؟

لقد اجتازت تقنية VVER اختبار الزمن إذ اُختبرت لعقود منذ انطلاق العمل على تطوير أول مفاعل من هذا النوع في روسيا عام 1955. وحتى الآن لم يسجل أي حادث خطير في محطات الطاقة النووية المجهزة بمفاعلات VVER وهو ما يرجح الكفة لصالح هذه التقنية عند مقارنتها بالعديد من مثيلاتها التي تنافسها في السوق الدولية.

كانت مفاعلات VVER المصمّمة في إطار مشروع VVER-440 المفاعلات النووية الأولى التي بدأت روسيا تصديرها، وكانت دول أوروبية وبينها التشيك وهنغاريا وبلغاريا وفنلندا، تشتريها بنشاط منذ سبعينيات القرن الماضي. ولاحقا لفتت الصين والهند الأنظار إلى تكنولوجيا المفاعلات النووية الروسية وهو أمر له أهمية خاصة علما لأن كلا البلدين لديهما مشاريع وطنية لتطوير المفاعلات النووية. وفي الصين تعمل حاليا أربع وحدات طاقة مجهزة بمفاعلات VVER روسية الصنع وهي تسجل مؤشرات أداء ممتازة من ناحية الاقتصاد والسلامة النووية. ويجري العمل على بناء أربعة وحدات أخرى ذات التصميم الروسي في البلاد. أما الهند فهناك وحدتان قيد التشغيل وأربع وحدات أخرى في طور الإنشاء فيما تجري المباحثات مع الجانب الهندي حول إمكانية بناء ست وحدات طاقة أخرى على الأقل مجهزة بمفاعلات  VVER الروسية.

مع ذلك فإن تقنيات المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء في تحسن مستمر، ومنذ سبعينيات القرن العشرين، شهدنا تعاقب ثلاثة أجيال من مفاعلات VVER الواحد تلو الآخر. وروسيا هي أول دولة في العالم التي بدأت تشغيل المفاعلات النووية المنتمية للجيل الثالث المطور الأحدث (GEN 3+).

تلاقي المفاعلات النووية VVER-1200 التي يتم تصنيعها على أساس متسلسل في روسيا حاليا، إقبالا شديدا حيث يكثر الطلب عليها بين العملاء. ومفاعلات VVER-1200 هي منتج يمثل معلما في طريق تطور مشروع VVER-1000. وتتمتع مفاعلات VVER-1200 بمؤشرات محسنة للأداء الاقتصادي والأمان النووي عند المقارنة بسابقاتها VVER-1000. تبلغ القدرة الكهربائية لوحدة طاقة مجهزة بمفاعل VVER-1200 حوالي 1200 ميجاوات وبإمكانها تغطية الاحتياجات الأساسية من الكهرباء لمدينة كبرى يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة.

يولي مشروع مفاعلات VVER-1200 اهتماما خاصا لأنظمة الأمان ويدمج تصميمها بين عدة أنظمة تضمن الأمان النووي وتعمل بصورة مستقلّة عن بعضها البعض استنادا إلى مبادئ تشغيل مختلفة. تنقسم أنظمة الأمان النووي إلى الأنظمة النشطة وغير النشطة (خاملة) ويحتاج النوع الأول منها إلى التغذية بالطاقة الكهربائية فيما تعتمد الأنظمة الخاملة في عملها على القوانين الفيزيائية. أما مفاعلات VVER-1200 فيجمع تصميمها بين أنظمة الأمان النشطة والخاملة على نحو بات بمثابة سمة تجارية خاصة بالمصممين والمهندسين الروس وهم يصرّون على أن هذا المزيج هو الذي يوفر أعلى مستوى من الأمان عند تشغيل محطات الطاقة النووية، لأنه يضمن تنفيذ كافة الوظائف الأساسية للسلامة. وتشكل أنظمة الأمان النشطة خط الاستجابة الأول لحالات الطوارئ حيث يزيد تشغيلها ولو لمدة قصيرة، الموقف سلامة ويتيح التعامل مع الحالة على مستوى أمان أعلى ما يساعد أنظمة الأمان الخاملة أداء وظيفتها بشكل أسرع وأسهل عند الضرورة، أو ربما لن تكون هناك حاجة إلى ذلك على الإطلاق.

كما يُطبّق في جميع مشاريع VVER-1200 حل آخر طورته “روساتوم” ويسمي “مصيدة الذوبان” (الماسك الأساسي للمفاعل النووي) وهي عبارة عن جهاز يتم تركيبه تحت المفاعل ويحتوي على “المادة الذبيحة” التي تعمل على القبض على المادة الأساسية المنصهرة. في حال وقوع حادث نووي خطير يتدفق الوقود النووي المنصهر والمكونات الداخلية للمفاعل (الكوريوم) إلى المصيدة لمنع تهرّبها إلى خارج مبنى المفاعل. والعلماء النوويون واثقون من أنه لن تصل الأمور عمليا إلى حد اللجوء إلى مصيدة الذوبان مهما كانت الظروف لكن تزويد مفاعلات مشروع VVER-1200  بالمصيدة يعزز مستوى الأمان لمحطة الطاقة النووية ويطمئن موظفي المحطة وسكان المناطق المحيطة.

وقال ألكسندر فورونكوف، مدير “روساتوم” الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” :”لقد تعرّضت أنظمة الأمان المستخدمة في مفاعل VVER-1200 مرارا وتكرارا للعديد من اختبارات الإجهاد. على سبيل المثال، نجحت وحدة الطاقة السادسة في محطة “نوفوفورونيج” الكهروذرية في اجتياز اختبارات إجهاد عدة كانت تحاكي ظروف أكثر قسوة بكثير من تلك التي تعرضت لها محطة “فوكوشيما” جراء كارثة 2011، لن تقنية مفاعلات VVER-1200 مصممة بالأساس مع مراعاة كافة الظروف الحرجة المحتملة”.

وتركيز المشاريع الروسية ذات مفاعلات VVER-1200 على السلامة أمر يحظى بأهمية خاصة بالنسبة للبلدان حديثة العهد بالصناعة النووية مثل السعودية والعديد من الدول الأخرى المهتمة بتطوير برامج ذرية سلمية. وعند تطوير أي صناعة مهمة وكثيفة المعرفة مثل الصناعة النووية يُفضل دائما الانطلاق من مشروع تم اختباره وإثبات فعاليته وسلامته مرارا في بلدان أخرى. ومشروع مفاعلات VVER-1200 خير مثال على نهج عمل كهذا.

وأضاف ألكسندر فورونكوف قائلا: “تمتلك “روساتوم” خبرة واسعة في مجال تنفيذ المشاريع في البلدان حديثة العهد بالصناعة النووية خاص أن تشييد محطة للطاقة النووية يشكل مهمة معقدة شاملة ومتعددة الجوانب تتطلب إنشاء بنية تحتية نووية من نقطة صفر. وتسمح لنا الخبرات المكتسبة بدعم العميل في أي مرحلة من مراحل تنفيذ أي مشروع نووي، بما في ذلك في مجالات تصميم وبناء محطات لطاقة النووية والتزويد بالوقود والتشغيل وخدمات الصيانة وتحديث وحدات التوليد وتعليم وتدريب الكوادر والعمل على رفع مستوى القبول العام للطاقة النووية. إننا غير مقيدون في قدراتنا وإمكانياتنا”.

تجدر الإشارة إلى أن “روساتوم” تشارك في حوار تنافسي بشأن إنشاء أول محطة للطاقة النووية في المملكة العربية السعودية منذ أكتوبر 2017. وفي ديسمبر من العام نفسه، وقعت “روساتوم” ومدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة خريطة طريق للتعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية. تنفذ “روساتوم” مشاريع لبناء محطات طاقة نووية عاملة بمفاعلات VVER-1200  VVER- في 12 دولة حول العالم من بينها تركيا ومصر.

After Content Post
You might also like