الإيجار القديم وجمال عبد الناصر.. كيف بدأ الصراع بين المالك والمستأجر؟

أزمة الإيجار القديم ليست وليدة اليوم لأنها تعود إلى منتصب القرن الماضى عندما أجبر كل صاحب عقار غير مسكون، على إيجار شققه وفقا لأجرة محددة، وكان ذلك بسبب أزمة عقارية مرت بها مصر آنذاك، لتمتد العلاقة من سيئ لأسوأ بين المالك والمستأجر.

تاريخ كبير من الصراع امتد بين المالك والمستأجر في المحاكم، رغبةً من الأول في تحرير العلاقة بينهما واسترداد وحدته، وسعيًا من الأخير لتظل العلاقة الإيجارية قائمة كما هي وفق ما حددها قانون الإيجار القديم دون تعديل، لكن في كل مرة تصدر المحكمة في قضية، لم يكن شافعًا لإنهاء الصراع بين الطرفين.

جمال عبد الناصر والإيجار القديم
وشغل قانون الإيجار القديم حيزًا واسعًا من المناقشات التشريعية ـ في الفترة الماضية ـ وذلك لبحث مدى إمكانية تعديله، فقد أخذ القانون سجالًا واسعًا من الصراع في المحاكم بين المالك والمستأجر، حينما سُن في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

 

جمال عبد الناصر، الذي كان سببًا رئيسًا في سن قانون الإيجار القديم، جعل الملاك يحملون بداخلهم كثيرًا من ناحيته، حيث أنه لم يكتفِ فقط بإصدار القانون وتحديد القيمة الإيجارية بالقانون رقم 46 لسنة 1962، لكنه قام بإصدار قانون آخر خفض فيه القيمة الإيجارية وحدث ذلك 3 مرات.

فأصدر جمال عبد الناصر، القانون رقم 7 لسنة 1965 فى شأن تخفيض إيجار الأماكن مدعومًا بالمرسوم رقم 199 لسنة 1952 والقاضى بخفض قيمة الإيجارات إلى 15٪ ثم 15٪ ثم 35٪ مراعاة لظروف المصريين آنذاك، وكان ذلك على حساب الملاك.

هذه الإجراءات التشريعية العديدة التي قام بها جمال عبد الناصر فيما يخص قانون الإيجار القديم، جعل هناك حاجز كبير بينه وبين الملاك، الذين وصفوا القانون بأنه توريث للمستأجر.

أنور السادات والإيجار القديم

التعديلات على قانون الإيجار القديم لم تتوقف برحيل جمال عبد الناصر، فثمة تعديلات أدخلها الرئيس الراحل أنور السادات على القانون كذلك، وجميعها لم تكن إلا في صالح المستأجر.

في حكم أنور السادات صدر القانون 136 لعام 81 لمصادرة الملكية، ويقضى القانون بامتداد عقود إيجار العقارات إلى مدى الحياة، وذلك طبقًا للمادة 29 من قانون آخر رقم 49 لسنة 1977، كما نصت التعديلات على عدم انتهاء عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه للعين إذا بقى فيها زوجته أو أولاده أو أى من والديه الذين كانوا مقيمين معه حتى الوفاة أو الترك، وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر نسبًا أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة.

لكن تعديلات قانون الإيجار القديم وضعت شرطًا حينها لاستمرار عقد الإيجار وهو إقامة، المخاطبين بالقانون سالف الذكر، فى المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو تركه العين أو مدة شغله للمسكن أيهما أقل، فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أو صناعى أو مهنى أو حرفى فلا ينتهى العقد بوفاة المستأجر أو تركه للعين ويستمر لصالح ورثته وشركائه فى استعمال العين بحسب الأحوال.

وانتهت التعديلات بـ قانون الإيجار القديم بتشريع آخر يذبح فيه الملاك ويمنعه من مطالبة المستأجر بإخلاء الوحدة، حتى لو فقدت الوحدة شروط استكمال الإيجار، وذلك وفق القانون رقم 136 لسنة 1981.

 

الإيجار القديم وبرلمان 2015
آخر الأحكام التي صدرت عن المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 11 لسنة 23 قضائية دستورية بجلسة الخامس من مايو 2018، وقضي بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 “في شأن بعض الأحكام الخاصة، بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فيما تضمنه من إطلاق عبارة لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير الغرض السكني، وحدد اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي السنوي لمجلس النواب اللاحق لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال أثره، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية العدد 19 مكرر ب في 13 مايو 2018 ، وبالتالى فإن آثار هذا الحكم من المفترض أنه سيجرى تطبيقه عقب انتهاء دور الانعقاد السابق للفصل التشريعي الأول، وبذلك أصبح إقرار مشروع القانون أمرا واجبا”.

 

وبموجب هذا الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية، أصبح البرلمان السابق، برئاسة الدكتور علي عبد العال، ملزمًا بإجراء تعديلات على قانون الإيجار القديم لإنهاء ذلك النزاع، ولكون أن حكم المحكمة الدستورية يشمل فقط الوحدات غير السكنية، فإن البرلمان غير ملزم بتعديل الإيجار القديم للوحدات السكنية.

 

برلمان 2015 رضخ لحكم المحكمة الدستورية، وبدأ في إجراءات تعديل قانون الإيجار القديم، بعد أن قامت الحكومة بإرسال مشروع قانون للجنة الإسكان بالمجلس لتعديل القانون، وقامت اللجنة بإدخال تعديلاتها على الإيجار القديم للوحدات غير السكنية، إلا أنها تجاوزت ما ورد في الحكم الصادر عن “الدستورية”، وأضافت الأشخاص الطبيعيين في عملية تعديل القانون إلى جانب الأشخاص الاعتبارية.

 

وكانت هذه النقطة الأخيرة الخاصة بتطبيق القانون على الأشخاص الاعتبارية أو الطبيعية، هي العامل الأساسي التي أدت لعدم تعديل القانون فيما بعد.

وجاءت تعديلات لجنة الإسكان بالبرلمان 2015، على قانون الإيجار القديم، كما يلي:

المـادة الأولـى: حيث تناولت سريان حكم القانون على الأماكن المؤجرة لغير غرض السكنى التي يحكمها القانون رقم 49 لسنة 1977، والقانون رقم 136 لسنة 1981، والقانون رقم 6 لسنة 1977، مع عدم سريان القانون على الأماكن المذكورة التي يحكمها القانون رقم 4 لسنة 1996 (الأماكن التي لم يسبق تأجيرها ولا على الأماكن التي انتهت عقود إيجارها قبل العمل بهذا القانون أو تنتهي بمدة لأي سبب دون أن يكون لأحد حق البقاء طبقًا للقانون.المــادة الثانية: تناولت حكمًا انتقاليًا يختص بـ امتداد عقود إيجار الأماكن التي يسري عليها أحكام القانون رقم 136 لسنة 1981 لصالح المستأجر على أن تنتهي مدة العقد بقوة القانون دون حاجة لاتخاذ أي إجراءات أو صدور حكم قضائي بمضي خمس سنوات من تاريخ العمل بها.

المــادة الثالثة: تضمنت تحديد قيمة زيادة الأجرة القانونية المستحقة عند صدور هذا القانون بخمسة أمثال القيمة الإيجارية القانونية المحددة طبقًا لأحكام قوانين إيجار الأماكن، كما نظمت تلك المادة زيادة القيمة الإيجارية السنوية خلال مدة امتداد العقد بزيادة سنوية دورية بنسبة 15% من قيمة آخر أجرة قانونية لمدة أربع سنوات.المـادة الرابعـة: تناولت هذه المادة إلزام المستأجرين بإخلاء الأماكن المؤجرة وردها إلى المالك أو المؤجر في اليوم التالي لانتهاء المدة القانونية المشار إليها بالمادة الثانية من المشروع، كما ورد بالمادة حالة امتناع المستأجر عن تسليم العين المؤجرة إلى صاحبها، حيث أعطت للمؤجر أو المالك الحق في اللجوء إلى طريق استثنائي يتميز بسرعة الفصل في الطلب المقدم بشأن استرداد العين المؤجرة وهو اللجوء إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الواقع في دائرتها العقار، هذا فضلًا عن عدم حرمان المؤجر أو المالك من طلب التعويض عن عدم تسليمه العين المؤجرة إن كان لذلك مقتضى طبقًا للقواعد العامة.المـادة الخامسـة: حددت تاريخ العمل بالقانون وهو اعتبارًا من مضي شهر من تاريخ نشره.

وبعد إدخال اللجنة لهذه التعديلات، أرسلتها لجنة الإسكان كما هي، لرئيس البرلمان لعرضها على الجلسة العامة لمناقشتها تمهيدًا لإقرارها بشكل نهائي.

إلا أن النقاش احتدم داخل قاعة برلمان 2015 بسبب تطبيق القانون على الأشخاص الطبيعية والاعتبارية، كما سبق وأشرنا، فالدكتور علي عبد العال رئيس البرلمان السابق يرى أن ما ورد في تعديلات لجنة الإسكان بإضافة الأشخاص الطبيعية لقانون الإيجار القديم أمر واجب، وفي حال قام المجلس بإعلان تطبيق قانون الإيجار القديم للوحدات غير السكنية على الأشخاص الاعتبارية فقط، فإن ذلك يدخل التعديلات في شبهة عدم الدستورية.

ولأسباب اجتماعية، رأت الأغلبية البرلمانية ممثلة في ائتلاف دعم مصر، أنه يجب الاكتفاء بما ورد في حكم المحكمة الدستورية، وتطبيق قانون الإيجار القديم للوحدات غير السكنية، على الأشخاص الاعتبارية فقط، دون أن يشمل النص التشريعي الأشخاص الطبيعية.

ورأى الدكتور علي عبد العال إرجاء مناقشة تعديلات الإيجار القديم لجلسة لاحقة، وبعد ذلك أعلن رئيس البرلمان عن فض دور الانعقاد الرابع دون أن تناقش التعديلات حتى هذه اللحظة.

الرئيس السيسى والإيجار القديم
قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إنه يسعى لحل مشكلات الإيجار القديم بزيادة المعروض؛ مرددا: « انا هخليكم تمشوا تتكعبلوا في الشقق».

 

وأضاف خلال لقائه مع الأسرة المصرية، على هامش افتتاح عدد من المشروعات القومية صباح اليوم: «يجب احترام الملكية من غير ماندوس على الناس»؛ لافتا أن هناك شققا يتم تأجيرها بجنيهات وتساوي 5 ملايين جنيه.

وأشار الرئيس، أنه من حق المواطن أن يسكن فيها، ولكن من حق مالكها أن يتمتع أيضا بحقها الأصلي بدون المساس بأحد، من خلال توازن نسبي.

 

After Content Post
You might also like