مصباح قطب يكتب| مجلس أعلى لمكافحة التضخم

 

موجة التضخم التى اندلعت مؤخرا تشغل العالم كله ، ويجب ان تشغلنا فى مصر والوطن العربى اكثر، فمعدلات اكتفائنا الذاتى من الغذاء منخفضة للغاية.

صحف عالمية اكدت ان ارتفاع التضخم 1 % يخفض مؤشر السعادة فى الدولة بواقع 6. % اى ان اساس الشعور بالسعادة ياتى من استقرار الاسعار ( او انسجامها مع الاجور بمعنى اخر ) . مما فات يسهل ان نفسر مصدر النكد الاصلى فى اى بلد . من نهاية 2020 الى نهاية سبتمبر ارتفعت اسعارالمواد الغذائية 27 % عالميا. التضخم العالمى بلغ 4.6 % و هو الاعلى منذ 13 عاما، كما قفز البترول من نحو 35 دولارا للبرميل الى قرابة ال 85 دولارا وقفز الغاز الى سعر تاريخى ، وزاد خام الحديد 100%

اكبر اذى يصيب المواطن فى مصر هو الغلاء. بعد اندلاع الازمة المالية والاقتصادية العالمية فى 2008 كان اناس فى قريتنا يدعون : ” الله يعمر بيت الازمة العالمية “، ذلك لان اسعار السلع الغذائية والاولية تهاوت وقتها بعد ان كانت وصلت ذروة مخيفة كان ابرز علاماتها بلوغ برميل البترول 147 دولار قبل تفجر الازمة .

يقترن ذكرالتضخم المرتفع عادة بالمانيا ، لانها عانت الامرين بعد الحرب الاولى وخلال الحرب الثانية وبدرجة اقل اثناء فترة دمج المانيا الشرقية من الغربية ، من الغلاء، بحيث انه بات كالشبح المخيف للحكومات قبل الافراد هناك ويستدعى حال ظهور مؤشرات على قدومه اعلى انتباه سياسى واقتصادى وامنى. صحيح ان الدنيا تغيرت كما ان مصر لاتشبه المانيا و المانيا لا تشبه ذاتها لكن الحذر واجب..جدا . مصدر ارتفاع الأسعار عالميا كما هو معروف زيادة الطلب العالمى فى اعقاب انتهاء الاغلاقات وبدء التعافى من كورونا ، وارتباك سلاسل النقل والامداد والتخزين ، ومن الاسباب ايضا وجود الاموال الرخيصة التى ضختها البنوك المركزية فى ايدى الجميع تقريبا، وهى الاموال التى سينتهى ضخها بلا جدال بغض النظر عن محاولات البنوك المركزية الكبرى تاجيل تلك اللحظة لتسمح باستمرار انخفاض الفائدة بغرض تخفيف عبء الاقتراض والديون وحتى لا يقع جبل الديون العالمى(بلغت 280 % من الناتج العالمى) على دماغ الجميع . هناك عوامل دافعة التضخم و غير مسلط عليها الاضواء منها انه لاول مرة فى العصر الحديث يعود نوع مما يمكن ان نسميه قطاع الطرق الجدد – طرق التجارة – باداوت منها توظيف مرتزقة الارهاب جنبا الى جنب مع الغواصات والفرقاطات لاعاقة تدفق التجارة كلما اقتضى الامر تحقيق مصلحة غربية عليا ، وايضا فان سلوك اوبك +، الاحتكارى الظاهر لكل عين، أوحى للجميع بمحاولة تجريب افيون الاحتكار فى أى سلعة أو خدمة يمكن ان يجرى عليها ذلك ، وهذا ما يحدث فى الشحن الدولى فليس منطقيا أبدا ان ترتفع تكلفة شحن حاوية 20 قدم من الصين الى مصر من 1300 دولار الى 13 ألف دولار .التسييس المفرط للتجارة سبب وكمثال فإن عجز إنتاج القمح هو 10 ملايين طن فقط اى الاحتياج 790 مليون طن والانتاج مقدر ب 780 مليون، ومعنى ذلك ان عوامل التحكم السياسى والمضاربة لازال لها يد مؤثرة فى حركة الأسعار والتجارة وهذا التاثير مرشح للصعود فى الساعات الحالكة ، فقد أذكت كورونا نيران الانانية الدولية والجشع الى اماد ابعد ، وبات الاتجاه الدولى هو ” كل واحد على ركبة جمله”، “واذا جاك الهم طوفان حط ابنك تحت رجليك “، وفى تلك الاثناء فالضعفاء سياكلون الحنضل .بالمناسبة فان المانيا تتحدث الان عن موردين اقرب ما يكون الى الوطن، ولنا ان نستخلص العبر من تلك الرسالة .

لا احد من الخبراء الكبار يتوقع تحول التضخم + ركود، الحالى الى كساد، لكن لا أحد يعلم بدقة متى وكيف تنتهى الموجة ، خاصة وانه لا حدود لسيناريوهات الاحتكاك بين الصين – مصنع العالم – وبين الغرب .

فى النهاية لا يوجد من يحتاج إلى ان يسمع من اي كاتب ان الناس على الاخر فى مصر من ارتفاع أسعار سلع وخدمات عديدة من قبل موجة التضخم بلا مبرر واضح او عقلانى فى كثير من الحالات.أي ان مزيد من الارتفاع سيكون كاويا . لهذا بالذات أدعو إلى اجتماع الرئيس. لا اطالب باقامة كيان باسم الاعلى لقوات محاربة التضخم كما يوحى العنوان ، فقد افرطنا فى الفترة الماضية فى اقامة كيانات عليا او غير عليا، كان يمكن ببساطة الاستغاء عنها بإجراء تعديل على وظائف كيانات قائمة وكفى . كل ما ارجوه ان يناقش الرئيس ويسمع من كافة الأطراف المعنية بالاحتياطيات الاستراتيجية، النقدية والسلعية، وبتجارتنا الخارجية خاصة وأنه يتم نقل 7 % من تجارتنا فقط على سفن تحمل علم مصر،

و من المسئولين عن إنتاج وتداول السلع والخدمات، والتكاليف الحقيقة والاسعار وهوامش الربح ، ومن ممثلى اجهزة المراقبة والتنظيم، والتعبئة والاحصاء والحكم المحلى والزراعة ، والارصاد ( فالجفاف ايضا من بين ابطال هذه الموجة التضخمية ) وغيرهم ممن يرى الرئيس ، للنظر فى وضع التوازنات القائمة والمرتقبة فى الاسواق من كل الزوايا وسيناريوهات مواجهة اى اختناق وكيفية كبح اى محاولة لاستغلال الأزمة. ألمس ان مستوردين وتجار بقطاعات محددة يميلون حاليا للتخزين، و يرفضون البيع الآجل، بل ويتلكأون فى بيع الكاش، رهانا على الارتفاع المقبل. وقد يحدث ان يحاول البعض اللعب حتى فى حركة العملة . بالتاكيد ستصدر تكليفات رئاسية محددة لكل طرف.

من أهم أسلحتنا، الرشاد ة والمكاشفة، وامتلاك أكبر قدر من المرونة لمواجهة الموجة التى قد تطول وفق تقديرات عديدة ، والا نكون جزءا من جعل النبوءة تحقق ذاتها، فتلك حسب “الايكونوميست” من أهم عوامل اشتعال التضخم ( ادراجه فى قلب مخاوف الأشخاص ). من اسلحتنا ايضا حسن هندسة هبوط آمن من الموجة التضخمية بحيث لا تؤثر على النمو اوالتشغيل او السلامة المالية والبنكية ، وإلزام القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجور بلا مراوغة ، وتسهيل العمل الجمركي باقصى درجة وليس تعقيده ، وكذا ضبط وتسريع تسوية المديونيات – فهى فى وضع حرج عند شركات كثيرة والقادم اصعب – بشفافية واعلان خطط البنوك فى معاملة الشركات خلال فترة التضخم ، وتيسيير المشاريع الفردية باعلى وتيرة، ودعوة كل مبتكرى مصر الرقميين لتقديم افكار فى هذا المجال ، ومساندة وتنظيم تجار الشوارع لا مطاردتهم .

After Content Post
You might also like