مصباح قطب يكتب| الجيل الرابع من سماسرة العقارات

من المنطقى فى ظل تعقد أسواق السلع والخدمات، ان ينشأ طلب على وساطات او وسطاء، أفراد او شركات، لهم خبرات عملية، وقدرات مهنية محددة، ويعملون فى ظل قواعد تتطور بتطور حركة البيع والشراء، ويحصلون على مقابل، فى صورة سمسرة او عمولة ترتضيها الأطراف ويبررها حجم الجهد المبذول .

 

هذا المقال يتحدث عن الوسطات المقحمة واعمال القومسيون والسمسرة، المفروضة بنوع من العافية، او بشبه اكراه، وهى وساطات تتفشى حتى لتكاد ان تكون هى الأصل، فى الأسواق غير الناضجة، او غير المحوكمة بلغة هذه الأيام، و يكون ازدهارها مرتبطا عادة بضعف المساءلة السياسىة والرقابة العامة، وبانخراط النخب فى أعمال الخنصرة، ويتفاقم الوضع اذا كانت جهات فى الدولة ذاتها تعمل ايضا بمبدأ العمولة غير المبررة، حيث يؤدى ذلك إلى انفلات أوسع فى مجالات عديدة ومنها حقل الوساطة والسمسرة.

من هذا المدخل العام، اتحدث عما هو مقبول او مستفز، فى الوساطة /السمسرة فى العقارات والتي بدات اولا تطوعية من الأهل والمعارف بأن يدلك أحدهم عى سكن يناسبك او يقوم أصحاب السكن باجتذاب العملاء مباشرة، او يتطوع فاعل خير من دائرة البقال والمكوجى والكهربائي، بتنبيه الباحث عن سكن من اهل الحتة الى الشقق المتوفرة فى النطاق او حتى بعيدا بعض الشىء .

 

بعدها جاءت مرحلة دخول حراس العمارات إلى الصناعة على استحياء، ومن يتطور منهم يضع كتلة حجرية أمام الرصيف ويثبت عليها ورقة كرتون مكتوب عليها بخط بائس “سمسار شقق”،  لم تكن كلمة عقارات تظهر حينها، ثم سمسار شقق ومفروش بعد إقبال العرب على سكنى الشقق بداية من حى العجوزة خاصة بعد منتصف السبعينات والى نهاية الثمانينات، فى مرحلة لاحقة بدأ سمسار الشارع يدخل فى نوع من الحداثة، ويحمل كروتا ويصنع نوع من قاعدة البيانات اليدوية، عن شقق محتمل بيعها او تأجيرها، وعندما راى اصحاب محلات البقالة المكاسب، السهلة، تتحقق بمبالغ كبيرة، دخلوا على الخط، وعادة فى شراكة مع سمسار الحتة، ومن هنا بدأت تظهر مكاتب سمسرة على نطاق واسع لكن بلا قواعد قانونية واضحة تحكمها ، ومع ٢٠٠٥ وصاعدا زمن حكومة احمد نظيف ظهر اسم المطور العقارى.

 

ولاحقا نشات شركات تسويق كبيرة وتطورت ولازالت تتطور حتى الآن، بالتوازى ظهر جيل جديد، من الشباب، من خريجى مختلف التخصصات بما فيها حقوق وآداب وطب وهندسة، يقتحم الملعب… جيل يعيد إلى الاذان نوع الشباب الذى كان يحترق حماسا وهو يعمل فى البورصة بعد الإصلاح الاقتصادى ١٩٩١، مع نوع من التغير فى الملامح الذهنية والثقافية… فشباب سمسرة العقارات، مندفع للعمل كالمدمن ليل نهار … بارد الأعصاب، لديه خليط مشوش من مفردات العلاقات العامة وما تيسر من لغة الاتش ار، وكيف تكسب عميلك، مع محفوظات من جمل دينية أو امثال شعبية، يقولونها عادة خطأ وفى غير موقعها، هم فى المجمل اذكياء، محايدون إنسانيا، دائما، وتتوقد أعينهم ببريق غريب مع أول امل فى بيع وحدة حيث العمولات تصل للشقة المتوسطة إلى ٤٠ الف جنيه من البائع والمشترى، ولا يقابلها الا تكلفة بسيطة (تليفونات الشقة وفيديوهاتها موجودة اصلا على الانترنيت فى اكثر من منصة) عبارة عن عشرات الاتصالات وعدة مشاوير وبعض النصائح النمطية.

هذا الشباب، عمل أولا على ذراعه، ثم أدرك أن فتح مكتب يعزز مطالبته بعمولات أعلى، ورغم وجود شركات تسويق فقد اكتشف ان له فرصة فى بيع التجزئة من مالك لآخر، ثم بدت تقوم علاقات بين موظفي المبيعات لدى المطور العقاري نفسه وجيل الشباب هذا ومعهم مسوقي الشركات على أسس غير معلنة لتقاسم المنافع، ولهذا راينا كيف انه ما أن يتم تدوين اسم باحث عن شقة، بجد او مظهريا او من باب الفضول، فى قاعدة عملاء اى شركة تعلن على الفيس، او وجود اسم مسرب من شركة محمول، حتى يمرره أعضاء، شبكة السماسرة إلى بعضهم ليستخدموه فى الاتصال العشوائى او المقصود، و المتكرر، بمن يمكن أن ياتى منهم عملاء، حتى ان المرء، وقد يكون إنسانا لا يجد قوت يومه، يتلقى يوميا عدة تليفونات بصيغة: ( يا افندم حضرتك عندنا متسجل انك مهتم بشقق او فيلات بالعاصمة الإدارية ولو اى حاجة تانية قل لنا… او مقر إدارى مثلا يا افندم… والبدجت قد ايه كده ) . فى هذه الاثناء ورغم صدور قانون تنظيم السمسرة فى العقارات العام الماضى، وهو معقول، الا ان المنظومة نفسها ينقصها الكثير جدا، وبيننا وبين نظام “النوتير” (مكاتب تسجيل و توثيق الملكية) فى فرنسا عقود.

لذلك الدنيا هايصة، وكل يوم يدخل مزيد من الشبان الى عالم سمسرة العقارات، وأشياء أخرى، وتزيد تكاليف السلع والخدمات على المواطنين بلا جريرة، ويكاد ياتى عليك وقت تشعر فيها ان مصر أصبحت كلها بلدا سمساريا، وحتى مشاريع الابتكار الرقمى الجديدة كلها تسويقية وقوامها الوساطة والعمولة ، وفى عالم الأعمال نفسه فلا شىء مجانى فيه… ورجل الأعمال أن دل زميله على مقر او مكاتب بسعر مناسب، فله معلوم.

 

منذ سنوات ذهبت ابحث فى حلمية الزيتون عن شقة وتصادف ان إحدى الشقق التى دخلتها للفرجة كانت ملك عضو برلمان، وكان موجودا، ولما عرف ان قدراتنا اقل من شقته قال : فىه واحدة على الناصية، حاجة اقل شوية، فطلبت منه ان يرشدنا اليها او يكلم صاحبها ، فقال : روحوا انتم… اصلى لو فعلت فساخذ عمولة.؟؟

After Content Post
You might also like